حكايا من القرايا.. ” الكمامة “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

لم تصنع الكمامة أصلاً للبشر، إلا أن ظروف العمل أحياناً تضطر الناس إلى لبسها، وها هو فيروس الكورونا اللعين، يجبرنا على لبسها، كما منع التجول علينا، وحبسنا في غرف مغلقة فرادى وجماعات…
عندما كنت تسافر بين مدينتين، كان ينبهك سائق السيارة، بوضع حزام الأمان، وقطعاً فإن الهدف ليس الحفاظ على سلامتك، بقدر تجنب مخالفة شرطة السير… لذلك فكأن حزام الأمان خُصّص للمسافرين إلى المدينة، وليس للمتنقلين بين القرى بسياراتهم، والسبب خلو القرى من شرطة المرور…
في هذه الأيام، فإن السائق ينبهك لوضع الكمامة لتغطي جزءاً كبيراً من وجهك بما فيها أنفك… وبالتأكيد ليس تجنباً للفيروس، بل تجنباً من المخالفة، بالأمس كنا في حافلة بين مدينتين، ونبهنا السائق قبل البدء بالرحلة إلى الاحتياط بلبس الكمامة، وعندما اقتربنا من بوابة المدينة المسافرين إليها، صاح السائق بصوت عالٍ وسريع: البسوا الكمامات… البسوا الكمامات… البسوا الكمامات… انشرط السائق وهو يصيح… كانت الكمامات ملبوسة ومغطية فقط اللحية والحنك، فرفع كل منا كمامته، وغطّى بها عورة الفم والأنف… ووقف الباص، وفتح بابه، وصعد شرطي مؤدب، طرح السلام علينا، وتفقد أدبنا في وضع كماماتنا على وجوهنا ونزل… وأنزلنا الكمامات على اللحية والفك مرة ثانية… كرونا علمتنا الكذب على النفس وعلى الآخر…
يخرب بيت هالكرونا، ولا في أوسخ من لبس الكمامة، وأنت من أهل النظّارات، والمشي في شوارع المدينة، والسبب ما أسرع أن تغرق زجاجتا النظارة ببخار نفسك! وتغبش الشوارع أمامك، ولا ترى بشكل صحيح إلا إذا مسحت زجاجتي النظارة، وبعد قليل يعودان إلى الغرق بالبخار مرة أخرى… وهات يا أبو الحلول حلّا، يقنع الكمامة، أو النظارة، أو الشرطي كي لا يخالفك… على عتبة البنك ضربني بفرد الحرارة، للتأكد من عدم اتصالي بالفيروس، وقال بلهجة حازمة: عندك شويّة حرارة… قلت: أسعدك الله، مش أحسن ما أكون بارداً، ابتسم وأدخلني… قدمت الشيك لصرفه، حسب المحاسب، وطقطق على ماكيناته، وأعاد الطقطقة… ثم رفع رأسه من خلف الزجاج، وقال: للأسف فش رصيد… قلت: يا رجل (بعبش من هون)… (من هون…) (قحوش تالي الطنجرة)، (جَحَر فيّ) وكأنني أخذت وقته بهبلي، فهربت من وجهه ومن زجاجه… عندها شعرت ببرودة زائدة، وكأن قشعريرة (حافتني)… ما لنا ومال المصاري، الكل (متشتّف هلأيام) والحالة ميكله هوا…
عدة طرق ابتدعها الناس للسلام على بعضهم بعضاً… فمنهم من يسلم عليك بإشارة من يده، ويزيد في الترحاب الكلامي عن بعد… وهذه أسلم الطرق وأسهلها… ومنهم من يضم أصابع يمناه إلى بعضها، كمن يريد أن يضرب (بكساً)… وتقابله أنت على هذه الحالة، وتتصادم القبضتان، وهذه أصعب… والأصعب من الطريقتين، إذا طرقك الصديق كوعاً حامياً… ساعتئذ إلقَ عن راسك… يخرب بيتو هالفيروس اللعين… اللهم ارفع البلاء والوباء عنا… وأعدنا سيرتنا الأولى سالمين غانمين قابضين رواتبنا كاملة يا رب العالمين…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى