يستهدفون قوتنا لا ضعفنا
أمير مخول | حيفا – فلسطين
ليست إشكاليات المشتركة هي ما يدفع الى هجمة الأحزاب الصهيونية بل مجرد وجودها
وفقاً للعرف الاسرائيلي يُعتبر انجاز القائمة المشتركة في الانتخابات السابقة 2020 فائض قوة فلسطيني غير مُجاز. ولو كان توازن القوى الاسرائيلي مختلفا لاعتبرت القائمة المشتركة انجازا هائلا. لكن منسوب قوتها في الكنيست يتراجع في حال حكومة وحدة قومية اسرائيلية، وهذا يحد من قوتها بالمجمل اكثر مما لو كانت حكومة ضيقة، حتى ولو حكومة يمين ضيقة. كما تنطلق منظومة الرقابة والهيمنة الصهيونية من ان وزن الفلسطينيين العرب في الداخل، سواء السياسي ام الدمغرافي، يجب ان لا يتعدى حدود الهامش الذي يريده المشروع الصهيوني لنا، وهو يختلف جوهريا عن الهامش الذي نريد ان نتحرك فيه ومن منطلقاتنا نحن كي نبني ونعزز وزننا الكياني.
يوجد اجماع صهيوني في السعي لإضعاف وتفكيك بنية هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، بما في ذلك تفكيك قوة التمثيل البرلماني لهذا الجمهور للحيلولة دون تأثيره على مواقع الحسم السياسي، وفي المقابل هناك نهج وطني تاريخي ثابت وهو عدم الانضمام الى اي ائتلاف حكومي اسرائيلي. لم تحد القائمة المشتركة عن هذا النهج بتاتا، لكن ما ميّز الحالة هو انها وبفضل قوتها قد عطلت التوازنات الحزبية الاسرائيلية في تشكيل اي ائتلاف حكومي منذ سنتين، وهذا واقع غير مسبوق اسرائيليا. وهذا مُعطى لا تستطيع الحالة الاسرائيلية ان “تبتلعه” ولا ان تتخلص منه ما دام بهذا الوزن. لنشهد في العام الاخير تحولا لافتا يمكن ان يجد تعبيرا عنه في خطاب نتنياهو قبل عام ونصف والذي حذّر فيه من تدافع العرب على صناديق الاقتراع، الى ارتدائه عباءة “أبو يائير أبو يائير” ولن يكون مستبعدا في مسرح الاستهتار الاسرائيلي لو استعار كوفية توماس ادوارد لورانس (لورنس العرب) كي يحصل على ما يريد.
ان ما يميز هجوم الاحزاب الصهيونية وتنافسها على النفوذ بين الجماهير العربية، فيه تجديد لنهج قديم شهد تراجعا حثيثا في العقود الخمسة الاخيرة التي تلت يوم الارض. في الانتخابات السابقة كاد يتلاشى نفوذ الاحزاب الصهيونية، لكنه يعود في جوقة متزامنة تبدو أبعد من مسألة التنافس الانتخابي فحسب، بل تبدو مندفعة بالفكر الصهيوني وعقيدة الضبط والسيطرة. كما ان احزاب اليسار الصهيوني والعمل وبالذات ميرتس، فإنها تسعى الى ضمان بقائها مستجيرة بالصوت العربي، وهذا دليل انتهاء دورها في المجتمع الاسرائيلي.
وهذا ما شأنه ان يوضح لنا كيف تهدد قوتنا وقوة تنظيمنا وحضورنا السياسي مشاريعَهم. ولذلك نشهد حملتهم المنهجية في السعي لإحباط جماهير شعبنا، وفي اطلاق العنان لحرية عمل منظومة الجريمة واقتصادها وقوتها التفتيتية للمجتمع، وفي دمج المؤسسة الحاكمة بين استراتيجيتي القوة الترهيبية والقوة الناعمة تجاه جماهير شعبنا في الداخل. ولا يجدر الاستخفاف بأثر هذا التوجه، كما لا ينبغي التراجع امامه وعن مركبات الخطاب الوطني الكفاحي.
صحيح ان نتنياهو سعى بشكل حثيث الى تفكيكها وتشتيت قوتها، ولو كان غيره لفعل ذات الشيء فهذه سياسة دولة، إلا أنه وبخلاف غيره من القادة السياسيين الاسرائيليين فكل مصيره الشخصي مرهون بفوزه في الانتخابات وفي الملفات التي يحاكم عليها، والتي لا يجدر ان تشغل الفلسطينيين اينما تواجدوا بمن فيهم المواطنين في اسرائيل، وبالتاكيد لا ان تشغل الراي العام العربي الاقليمي. بينما سياسيا فإن نجاحه في العودة لترؤّس الحكومة مشروط بإضعاف وزن المشتركة، وللأسف وجد شريكا عربيا يتعاطى مع هذا المنحى.
لقد نجح هذا الجهد في قراءة الشق في المشتركة واللعب على وتره ليصبح حقيقة بعد ان تناغم مشروع الحركة الاسلامية الجنوبية برئاسة منصور عباس بالانشقاق عن القائمة المشتركة، ضمن مشروع سياسي يتناغم مع الحزب الحاكم اسرائيليا، وبصفته حاكما مهما كانت هويته وحلفائه وسياسته. وهذا يندرج ضمن ما يسمى “الواقعية السياسية”.
اما داخليا وعلى مستوى الجماهير العربية فانتخابات الكنيست والاصطفافات بشأنها، ليست هي شكل التنظيم الكياني لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني، لكن تعزيز قوة هذا الجمهور في اي موقع هي تعزيز لمجمل قوته، كما ان إضعافنا هو إضعاف لكل شعبنا.
لا تنازل عن الارتباط بين قضايا الداخل وقضية شعبنا، ولا تراجع عن دورنا في احقاق حقوق شعبنا الفلسطيني في انهاء الاحتلال العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة. ما يميز استهدافنا من الاحزاب الصهيونية ليس اداء المشتركة او النواب، بل لاننا عرب فلسطينيون وبالذات لاننا أقوى من هيمنتهم واننا نحبط مشاريعهم. وفي هذا نختار الطريق الاصعب، لكن المضمون اخلاقيا لانه طريق النضال الشعبي والحق والكرامة الوطنية.