إيقاف الراهن والمعتاد وتحديد ماهيات النص في قصة العازف لـ”هدى حجاجي”

حميد العنبر الخويلدي

القصة والشعر جنسان ادبيان يتشابهان ويختلفان..من وجهة نظر اصحابنا، يتشابهان كونهما يَدقُّهما مضربُ العبارة ونَوْلُها، حيث لاحيّزَ ولاخللَ بالنسيج ولامُزقَةَ .. صميدانِ في البناء تشغلهما الموسيقى والايقاعات هنا عال وهنا مرتخٍ… ومختلفان ..ولعلي اركّز على الفكرة، من انَّ القصة كتبها قلمُ الوجود والطبيعة، وبحكم ضرورات وارتباطات تشكّلت وتشاكلت… فصنعت مبناها ومعناها من دون ان يجلسَ انسانٌ يتخيّلُ ويخلق قصةً.. ولنا امثولة بالقص القرآني..اذ نتطّلع عليه.. فهل جاء الانسان وفعّل عناصرَه واخبارَه .تفكيرا….؟ودخل مكاشفاته وصنع المنلوج والدراما وتناول جدليات الفكر الفني والوعظي..محمولة في سبيكة رفيعة الادب والصياغة.. وما اجدر ان تؤشر الاشياء بتاشيرات خارج بلاغات الانسان…فلعله الذي تؤثَر عليه الجهات من دون ان يمنع حالا .. .اما الشعر فقد يجمع حسنَه ويمنع قبحَه..نستدعيه من جيوب الموجودات استدعاءا.. على اقل تقدير…تلعب به الاحاسيس دورا.. فالعازف عنوان لقصة تعبيرية ..حبكتها كذلك العبارة حبكا ونسجا. من دون تدخُّل من انسان والموحي عن ذلك…الوجود والزمكان..تحرك الحبيب بعاطفياته مثيرا الوقت في حاصل حركي اعتباري جميل وبدافع اكيد مثالي ..اننا نؤمن بالمثال يدخل في مشاطرة العناصر التي تهيّأت لخلق طور القصص او اي مبتكرة ابداعا. حتى ولو كانت صخرة لتمثال ما.. من اعتقادنا بأنَّ الغيبي الذي نعني به المثالي هنا يزيد المبصر ابصارا متوازنا لاخلل ولاتثريب… وياتي مقاسا جدا مشتملا على الزمن واطرافه وبؤرته..في مفاصله التوقيتيه..ماضٍ آن مستقبل..ومحسوبة له كامل نصاباته بالتاثير والتأشير ومكاشفة الارتباط وكامل فلسفة الحياة..حتى ولو جزءيّة مستترة لايفوتها القدري…الاهرامات..الملوية..برج خليفة. وما دونها.. هذي النصوب الخالدة تدخل في ادراكات الزعيم والمَلِك وتدخل في ادراكات تلميذ الصف الاول الابتداءي وغيره.. فالعازف برمزه المركزي ،والذي هو الحبيب ،تلقّى بوجوده كبطل كامل ايعاز الكون ونواميسه..حتما جزما وكان لابد من ان ينشيء لنا امثولة جمال في وقت اطراده، وبحال ان اعلن الوقت في تجمّع افراد موضوعة القص.. كان الوالد الذي صعدت به حمى التصيّر وماعليه الا ان يتذكر مغامراته ، ويعلن للجالسين في حفلة سمره عن اداءه يوم كان ،يوم مارس الحب.وكانت اغصان جسده يافعةً بالغرايزي والعاطفي والمغامراتي..وقد حلا للجميع كيفية تناقلِ حدثِه ،وهو يروي حرارة وصفات وادوات زمانه ، اذ كان يُقرنُ الفكرةَ بالفكرة…والحضور يمتثلون الى لون من الوان النقد الناعم…بين مرحلتين زمنيتين ،او بين كيانيين ذكوريين وكيانيين انثويّين ، حتى ان المتلقّيين خرجا بالنافع من الحكمة والحب واستجمعا واستنقصا طرفي مغامرة مُرَكّبة يطرحها الوالد بلسان حاله ومآله وموقف وجده وفقده..ايامَ ماكان..وهذا بحد ذاته بطاقة تأييد حرة لمناخ مجتمع يتناول الحب النظيف..حيث نستنتج مانريد من معطيات تدفع بالحال وتنمي بالرشد الجمعي وماله من تاثير…اذ يكون المجتمع هو المُتَبَنّي للعادة النظيفة.. وهذي دلالات ناقد ينقشها على جداريات ومداخل حياة شعب في وقتهم وغيره … (غمرته السعادة عندما قرر الاطباء دخوله المستشفى لرابع مرة…لا لشيء، الا لانه سيكون بجانب حبيبته في كل لحظة.. من لحظات يقظته واحلامه وباحدى الجلسات العاءلية ..بمنزلة اجتمع والداه.. وكانت حبيبته هي النجمة المتلالاة وسطهم..كاحد افراد العايلة…) وكمثل ماتبين لنا المشهد وكان قد علّقنا و تفلسفنا تنقيدا ..ومن بعد تركْنا الاشاراتِ على خط بيان التصعيد النصي للقصة.. حيث القاص ادى واجب الكشف وهو في راينا تنقيبي كعالِم الحفريات…نعم.. القصة ايما قصة..مثلها كمثل تحفة تاريخية..تصنع من قبل… يعملها ويصنعها وقت خاص قوي الارادات مستجلب السخونة مطّرد الصفات الفنية يبرم امسادَهُ ويرخي طرفا ويمد آخرا ليحمل البنى بحياطينها وايقوناتها وبشخوصها الملاءكيين وبتامِّ انشطتهم قد تكون قصورا ومدنا. تصويريا وتعبيريا وبما يتواءم مع النتايج والاسباب.. الناعم للناعم والخشن للخشن والمزكرش لمثله زكرشة…وهكذا توزيع النسبي وتوازنات الموضوع والذات…هذا نهوض عفوي تلقاءي. واحيلها نباهةً كم جميل هو القص اليوسفي.. ماكتبه خيال ذهنية وحس وقلم انبرى في ساعة..انما كتبه قلم وجود لُدني اعتباريا..بموسيقى باهرة ماتعبت وماذلت… القص المريمي جميعا وجميع قصص الكتاب المجيد .. نبض الكون ونبض الطبيعة…نذكر هذا لا من اجل نكوص او احباط انما نريد الحلول بالمثالي حلولا صوفيا..فالتي تحبها تحبك وتعطيك سرَّها وتفشي لك باللذيذ والنفيع.. فمن هذا الذي جعل ..الرمز الآخر والذي هو الانثوي…ليلى… (تمعن النظر فيها وتطري القول بها وتصف بدقة كل شيء ظاهر وملفت للنظر، من عظمة وكبرياء… وفي تلك الاثناء اشار لها الوالد الى صورة كانت تستمع منه الى التاريخ والمناسبة التي اخذت له فيها وعن ايامه التي كان فيها في اعز ايام شبابه…وقد زاد من اعجاب الوالد وفخره هو تعليق ليلى الجميل ..) هنا مزاجية حلول جادة تلبّست ليلى اذ تضايفت عليها رافدان من القص والحب..حبُّها هي مع محبوبها باعتبارها الفاعل المقابل لقصة الابن ..ورافد قص ثان يقصه والده وقد كان اعجبها حسب ميزان العبارة والاسلوب في السياق العام المتبع… هنا انذهلت وولهت حتى انها حين قامت عثرت ماكانت بحواسها ابدا انما افترضت عليها تباصير مشتته غير احاسيسها وما ركّزت ،اذ ضربتها البيانو الكتلة الصلبة وكان آذتها ولم تشعر.. فوجع الحبيب لذة…دايما…

(…وعلى اثر تلك الرغبة من ليلى طلب الجميع الحبيب المتيم ان يعزف لهم بعض المقطوعات الموسيقية المحببة له وامام الحاحهم قام من جلسته واخبرهم بانه سيعزف مقطوعة جديدة يستمعون اليها لاول مرة… ولم تكن تلك القطعة الموسيقية التي عزفها الا جزءا من حياته وتصويرا واقعيا لمشاعره واحاسيسه ومايختلج في مكنون نفسه من ضيق وآلام اخفاها بين جنبيه…..) ولكي نسند فكرتنا التي تقول ان القصة البالغةعبارة عن .. (انتيكة..) تاريخية صنعت صناعة وجودية من دون تدخل وتفكير انما الطبيعة جهّزت ادواتها التعبيرية ورموزها واعطت صافرة البدء ومن ثم نقطة بداية للشروع الحركي والتفاعل الجدلي حيث الحياة والزمن مسرح عرض ضمن حدود كل موضوع …حيث التحصين والتناسب والتقارب والترابط واستجلاب رفد مادة القص كل هذا محسوب بالنسبة وكأنَّ عقلا مستشرفا بالحال على كل حركة… ولو اردنا لم الكيفية بعبارة خاصة عن مجريات هذا الفعل المعروض عفويا نقول ان الضرورة هي المقدِّرةُ للنُظُم البارعة… ولكي لا نكون بعيدا عن روح القص واتقاناته نستطيع ارجاع هذا المؤدى الى ضرب مركزي بَلْوَر الجدلية الموضوعية واثارها في نفوس ابطالها ..من خلال وجود نقص او حاجة في الزمكان ترتبت علما وهجسا..وبما انها الحاجة او العوز اذن..لابد من

تجلي تصيُّري يربك الرموز يثيرها يلم اطرافها على بؤرها مخضا وتمرية ، وهذا مطلوب بكل صورة تبتكر…حيث ننتج من خلاله مانسميه.(.. بالعوض..) الذي هو نتيجة لمعادلة العَوَز الواقعي حتى اكمال نقصه..هنا نقول حدثت اللُّجة التي يعنيها النقد القصصي العربي… اذ كل قصة لها قانون تُبنى عليه..وهو …مقدمة… موضوع جدل تحريكي.. حبكةصراع.. انفراج.. خاتمة… هكذا هي اليوم ..انما نحن لا نقول اتخذنا منهجا مختلفا عن هذا انما هو تَميُّز واسلوب فكر… وبعد ان صارت روح للقصة وتملكت اراداتها في رحم الوقت وتبيّنت عن مخلوقها صورةً وقواما..اخذ هذا الجوهر يتمثّل اراداته الموجبة…رغم انه يتنامى في ارتباطات العناصر او الرموز الجمالية التي زمت موضوعَنا… ففضل القاصة على هذا كله من وجهة نظرنا..هو الاحتراف الفني والخصيصة الاتقانية والفرز الابتكاري في جينة اي مخلوق بل تشخيص اول خلية…وتعيين ادبيتها هل هي سرد شعر ام سرد قصة..وكله يجري مجرى موسيقى طافحة في كهوف الغامض..بعد ان هدم كتلته ودخل على ماهيات الموجود… القاصة…اغرت واثرت كاشفت ..وآنست..اجتذبت حقيقة الصورة..القصصية كاملة..مع كيفيات تحديد وقطع الحبل السرّي وحبال النصب والرفع والجر والاسناد.. وكيفية استجلاب هذي الكتلة العامرة… كمن يجر بكتلة صخرية لاتجر الا بماء بحر…وهذا هو الفن ومقوماته الاستمكانية..واعني انها وفرت علينا مناخا باهرا نشيطا كالريح…هي اهاجيس الرومانتيكية والحلم والموسيقى الجارفة… هنا كل مبدع حتما يمتلك سرّاً يدفع هذي الاشياء…بخيال حالم ..وموسيقى جارفة كالريح…وحلم كانه الواقع…او اقرب منه..حتى يرسي…الى منصات تدجين صراع الرموز وتنضيج بؤر الجمال المطرد بالسياقات.. والاعلان عن مستوى بلوغ العمل.. سوى عن نفسة القصصية في التناص الفني…او عن كشفه واجتذابه اتقانا وحرفة حيث كمال الصورة ودخول العرض الكوني…

***

العازف – قصة قصيرة للكاتبة : هدى حجاجي أحمد  

 ” غمرته السعادة عندما قرر الأطباء دخوله المستشفى لرابع مرة لا لشيء إلا لأنه سيكون بجانب حبيبته فى كل لحظة من لحظات يقظته وأحلامه وبإحدى الجلسات العائلية بمنزله اجتمع والداه وكانت حبيبته هى النجمة المتلألئة وسطهم كأحد أفراد العائلة ، وكعادة الوالد فى تلك الجلسات المحببة إليه وجميعا أخذ يروي لهم قصة من قصص بطولته وهو فى عز سنين عمره وقد أخذ يقدم لهم الصور التى تمثله وهو فى أوج عظمته ومجده ويشرح لهم مناسبات كل منها وبين كل صورة وأخرى أخذت “ليلى ” تمعن النظر فيها وتطرى القول بها وتصف بدقة كل شئ ظاهر وملفت للنظر من عظمة وكبرياء ،وفى تلك الأثناء أشار لها الوالد إلى صورة كانت تستمع منه إلى التاريخ والمناسبة التى أخذت له فيها وعن أيامه التى كان فيها في أعز أيام شبابه . وقد زاد من إعجاب الوالد وفخره هو تعليق ليلى الجميل ، وعندما أرادت الالتفات خلفها لتعود إلى مكانها فاصطدمت بالبيانو صدمة قوية ولكنها أخفت آلامها أمام عظمة صنع البيانو وجماله ، وأخذت تتفحص صناعته وهي تبدي إعجابها به وتمنت لو أنها تعلمت العزف عليه وتسمعهم أعظم الألحان التى يحبها الجميع ولتسلي نفسها وقت فراغها . وعلى أثر تلك الرغبة من ليلى طلب الجميع الحبيب المتيم أن يعزف لهم بعض المقطوعات الموسيقية المحببة له ،وأمام إلحاحهم قام من جلسته وأخبرهم بأنه سيعزف مقطوعة جديدة يستمعون إليها لأول مرة . ولم تكن تلك القطعة الموسيقية التى عزفها إلا جزءا من حياته وتصويرا واقعيا لمشاعره وأحاسيسه ،وما يختلج فى مكنون نفسه من ضيق وآلام أخفاها بين جنبيه ، فلقد نسى نفسه وهو مندمج في آداء هذا اللحن بالذات ولم يشعر الجميع بأنه يؤدى ذلك اللحن أمام جمهور غفير جاء خصيصا ليستمع إلى ذلك اللحن بالذات ، ولقد أجاد العزف فى تصوير مشاعره وظهرت تعبيرات وجهه فى الآداء الذى امتزج ما بقلبه وكانت دموعه التي كان يخفيها بين وقت وآخر هي التي كانت تزيده حماسا وقوة في العزف . لم يكن الأب بليها بالدرجة التى تنسيه شعوره وأحاسيسه نحو فلذة كبده . فقد أخذ قلبه يرتفع فى عنف تارة وينخفض فى بطء ثقيل والتهبت مشاعره من قوة تأثير اللحن على الجميع وأحس وكأن أوتار قلبه هي التي يعزف عليها ابنه وعلى أثر ذلك اندفعت الدموع بغزارة من عينيه لدرجة أنها ملأت زجاج نظارته وحاول أن يخفي تأثره هذا عن الجميع ولكنه لم يجد حلا لذلك إلا أن يومئ برأسه أرضا كي لا يشاهده أحد وهو يخرج منديله ليمسح دموع أحاسيس قلبه المتألم . ولكن هيهات .. فلم يكن هو موضوع لفت أنظار الاخرين لفعلته هذه بل كانوا هم أسبق منه ،ولكنهم كتموا ذلك الشعور بين قلوبهم وعندما اتجهت عيونهم نحو الأب كانت دموعهم أسرع من أي حركة بدرت منهم .. ولكن تلك الاثار والأحاسيس سرعان ما أزيلت اضطرارا قبل أن ينتهى من معزوفته وقبل أن ينظر إليهم ليرى شعورهم ورأيهم فى هذا اللحن فكانوا أسبق منه وأبدوا إعجابهم المصحوب بالتصفيق الحاد منهم وسرعان ما جرت الابتسامة بين شفتيه . ولم تمض لحظات حتى اقتربت منه ليلى وألصقت جسدها بجانبه ووضعت يدها اليسرى على كتفه وهى تنحنى نحو البيانو وتلعب بأصابعها وهى تقول : لقد كانت مقطوعة رائعة حقا .. يا صديقى العزيز . وأجابها فى إعجاب بالغ قائلا : هل أعجبتك صراحة . ثم عاد الاثنان ووقفا أمام بعض وأمسكته هي بكلتا يديها من وسطه قائلة : _ يا سلام .. إنه أول لحن تنبهت له كل أحساساتي ومشاعرى .. كم يشبه حبك الموت..يثقب قلبي ليخطف أنفاسي يثقب ذاكرتي..ليمسح كل ما فيها ويحتويني بلا شريك ..

يا سلام .. إنه أول لحن تنبهت له كل أحاسيسي ومشاعرى .. وأقشعر له كل جسدى. وأحسست بأننى في معبد كبير من معابد أجدادنا العظماء الخالدين وكأني أستمع إلى تراتيلهم التى تنسي النفس المعذبة آلامها وتتجه بها إلى عالم آخر نحلم به . أو إحدى معزوفات بتهوفن الرائعة _ عظيم جدا منك هذا .. بجد إنك تبالغين كعادتك دائما معي وتجامليننى على طول أكثر من المعقول . _ هذه هي الحقيقة التى أشعر بها نحوك .. وعلى كل فلنحتكم إلى رأي الوالدين ثم بعده نوجه جميعا لك سؤال واحد هو ممن استوحيت هذا اللحن الرائع . وعلى كل أجيبك بلا أدنى مبالغة .. وهي الحقيقة التي أعيش عليها الان وكل الناس المحيطين بي.. أعمالهم .. عواطفهم .. حنانهم شعورهم نحوي .. كل أولئك ولا ننسى أنك مبعث هذا الإحساس والشعور . وأجابته فى شيء من السعادة قائلة اؤلئك لم يكتملوا بدونك يا .. حياتى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى