أمَّا كرمي فلم أنطرْه

خالد جمعة | فلسطين

أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم، كخيام قيدار، كشقق سليمان، لا تنظُرْنَ إليَّ لكوني سوداء لأن الشمسَ قد لوّحَتْني، بنو أمي غضبوا عليّ، جعلوني ناطورة الكروم، أما كرمي فلم أنطرهُ. [من مقدمة نشيد الإنشاد]

لوني، في خرائطِ الربِّ غافياً مثلَ عَمَلٍ حسنٍ في عينِهِ، إلى قلبي ينظرُ، ولم يعُدْ ربَّ الجنودِ اسمُهُ، صارَ ربَّ الوردةِ على شبّاكي، وفي حكاياتِ جدّتي دائماً أطلَّ كبلسمٍ على مأساةِ الموجوعينَ قبلَ النهايةِ بقليل.
جثوتُ أمامَهُ حينَ تجلّى كضوءٍ على جبلٍ على ماءٍ على غيمةٍ على ريشٍ على جناحِ نَسرٍ على نارٍ على انتظارٍ لا ينتهي، سكبتُ أدعيتي وقرباني دمعُ عينيّ الفائضِ عن الحَبسِ.
تجوّلَ النّورُ فيَّ وانهمرتْ سَكينَةُ السماواتِ كثلجٍ على حريقِ صدريْ وصارَ قلبي راقصةً كغزالةٍ في مَرجٍ في ربيعٍ في إحساسِها بخِشْفِها الأوّلْ يركُلُ قلبَها فتؤلِّفُ روحاً جديدةً وتغزلُ حُبَّها الغريزيَّ كَفَرْوَةٍ لشتائِهِ الآتي.
في خيمَتي، رتَّبتُ وعودَ الرَّبِّ تحتَ وسادتيْ، وخرجتُ لأَنطُرَ كرومَ بني أمّيْ، خفيفةً بلا همٍّ يكادُ يسوقُني الهواءُ كريشةِ عصفورٍ على رملٍ في فراغٍ في عاصِفة، وحينَ ودَّعتُ الشَّمسَ وألقيتُ تعبي على حصيرتي التي جدّلتُها من بقايا القمحِ الذي أفْلَتَ من مناجلِ الحصّادين، لم أجِدْ وسادتي ولم أجِدْ ما تحتَها.
لم أعرِفْ أبي ولم أعِ أمّي، ولم أكُنْ حزينةً لهذا، لم أعرف غيرَ الكرومِ التي نطرتُها كي أهوِّنَ غضبَ الغاضبينَ الذي لم أعرفْ من أينَ كانَ يأتي دائماً كمطرٍ لا ينقطِعْ، كنتُ دائماً انتظرُ هديّةً خبّأَها الرّبُّ في اختباراتِه الهائلةِ لجسدي القصبيّ، وقلبي الذي لا يقوى على هشِّ قُبَّرةٍ عن حبّةِ قمحٍ في كرمٍ أنطُرُهُ.
أحبَبْتُ الرَّبَّ كما قالت الوصايا، لم أنطِق باسمِهِ باطلاً، وقدَّستُ سابعَ أيامِهِ فلم أشعِل ناراً ولا نطرتُ كرماً فيهِ، وسَقَطَتْ خامسُ الوصايا لأني لم أعرفْ والديَّ فأشفقتُ على كل رجلٍ وامرأةٍ، لم أعرف رجلاً بين ذراعيّ ولم أقتل نملةً ولا نظرتُ بعين الحسدِ إلى شيءٍ، لذا برّأَني الرَّبُّ من كلِّ دَنَسْ، أحسُّ براءتَهُ في قلبي كلما أيقظني ديكُ المعبدِ قبلَ أن تفرك الأرضُ عينيها من وخزِ الشَّمسْ.
يكذبون في سبيلِ الرّبِّ، جميعُهُمْ، يبكونَ في حضرتِهِ، ويكذبونْ، يذبحونَ ماشيتَهمْ القريبةَ من الموتِ قرباناً ويكذبون،يصلّونَ كي تنجحَ تجارتُهُمْ ويكذبون،يهدمونَ قلاعاً ليسبوا نساءها عبيداً للربِّ ويكذبون، يكذبونَ ويكذبون…
أنا سوداءُ وجميلة يا بنات أورشليم، أمي ما كانت إلا وصيَّةً في حِجْر جدّتي، أما كرمي، فلم أنطُرْهُ، ولم أرَهُ، وربما كان واحداً من الكرومِ الكثيرةِ التي نطرتُها، فمن غيرُ الرَّبِ يعرِفُ؟ ومَنْ غيرُ الرّبِّ قادرٌ على أن يعيدَ العالمَ إلى بداياتِهِ المسالِمةْ…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى