شجرة البرقوق الشائع
محي الدين الوكيلي | المغرب
كل يوم كان الطفل ينهض باكرا، يقوم بنظافته اليومية و قبل أن يتناول طعام الفطور، دأب على المرور نحو الحديقة الخلفية حاملا سطلا ممتلأ بالماء. يدفع الباب القصديري الذي يفصل المنزل عن الحديقة. و بين شجيرات الزيتون و التين تظهر شجرة صغيرة لفاكهة البرقوق الشائع. منذ أن جاء بها والده و غرساها معا أصبح العربي الصغير ، كما كان يلقب في القرية، الساهر على الشجرة الصغيرة و الحريص على الإهتمام بها. بالإضافة إلى سقيها كل صباح و تشذيب أغصانها و نثر السماد المكون من روث البهائم حولها، كان العربي الصغير يصنع لها في بعض الأحيان مظلة تقيها من حرارة الشمس حين تشتد. كانت أمه تسخر منه حين ترى ذلك الإهتمام لكن في نفس الوقت كان يسعدها ما يقوم به ولدها و كانت تشعر بالفخر و بالطمأنينة و الرضى و هي تراه يهتم بالأرض و الأشجار كما هو حال أبيه.
مرت الأيام و الشهور، كان العربي الصغير لا يكل و لا يمل، كان اهتمامه كبيرا بالشجرة حتى أنه كان يلاحظ كل تغيير يطرأ عليها بين يوم و ليلة. كم كانت فرحته كبيرة حين رأى لأول مرة بزوغ أول ثمار للشجرة. كويرات صغيرة خضراء تخرج من رحم أزهار بدى عليها أثر الأيام حتى ذبلت و تفتت أغلب أوراقها تحت تأثير حرارة الشمس. سارع يومها إلى أمه و عيناه تملؤهما الفرحة. صاح بملإ فمه:
– لقد ظهرت، لقد ظهرت، لقد ظهرت
– من؟ ماذا؟ ما بك؟ سألت الأم و هي تلاحظ تعابير طفلها المنفرجة
– ثمار البرقوق الشائع، ثمار البرقوق الشائع يا أمي
جر العربي الصغير أمه من يدها و أسرعا معا للإحتفال بهذه البشرى الجميلة.
كانت فرحة العربي الصغير تزداد كلما تغير شكل الثمار و كانت بهجته تكبر كلما تحول لونها من الأخضر إلى اللون المدادي المفتوح. كان اهتمام العربي الصغير بالشجرة يزداد كلما أحس بقرب موسم جني ثمار مجهوده الخاص. كان في المجالس العامة و الخاصة يتحدث بافتخار عن ما قام به. أما مع أطفال القرية فقد كان متلهفا لليوم الذي سيقتسم مع بعضهم ثمارا لا توجد بتاتا في حقول و بساتين القرية، وحده حقله الصغير من ينفرد بوجود هذا النوع من الفاكهة.
مرة الأيام على هذا المنوال، و بدأت ألوان الثمار تأخذ لونا مداديا جميلا يسر الناظرين. أما فرحة العربي الصغير فلم يكن لها نظير و يوم القطف أصبح على مرمى حجر.
قام العربي الصغير يومها عالعادة، قام بواجبه نحو الشجرة، أخذ فطوره المعتاد، حمل محفظته فوق ظهره وخرج متجها نحو المدرسة. في طريقه مر عبر الحديقة ليلقي نظرة على شجرته، كان لا يجرؤ على لمس الثمار حتى لا يزيل عنها ذلك الغبار الذي يزيدها جمالا و ذهب مطمئنا إلى المدرسة.
كانت المدرسة تبعد بنحو أكثر من كلومترين عن القرية. يأخذ العربي الصغير الطريق صعودا و يعود إلى المنزل نزولا. في منتصف الطريق صادف عمه و إبن عمه القادمين من المدينة. كان عم العربي قد ترك سيارته الفخمة قرب المدرسة و ترجعو إبنه للذهاب إلى القرية،فرح العربي الصغير بقدومهما و لم يفوت الفرصة ليحدث إبن عمه عن شجرته الصغيرة. تابع طريقه بعد ذلك نحو المدرسة بينما نزل الآخرون نحو القرية.
في المساء، و العربي الصغير عائد إلى المنزل، عرج نحو الحديقة، رغم وجود أشجار أخريات كان العربي الصغير لا يبصر سوى شجرة البرقوق الشائع. بدأت دقات قلبه تزيد من سرعتها، و كاد يسعق و هو يكتشف غياب الثمار من أغصان الشجرة. رمى بمحفظته و أسرع إلى المنزل باكيا مستفسرا. كان يريد أن يقتسم فرحته مع ابن عمه أما الآن فالألم يعتصره و هو يرى مجهوده و قد سرق منه. نظر إلى عيني أمه باحثا عن جواب يشفي غليله. تفاجأت أمه بحال العربي الصغير. لم تكن تظن أنها حين سوف تسمح لإبن عمه بقطف الثمار سوف تترك هذا الجرح الغائر في نفس طفلها الوحيد.
أكثر من ذلك، كان هذا الحادث بالقوة الكبيرة التي تركت آثارا لا زالت بادية على شخصية العربي إلى الآن.