معصرة القهر الشامية

مريم الأحمد | سوريا

لست من قرية كبيرة في جرد الساحل السوري مثل حمين أو النقيب. ولا من أسرة عريقة مثل ونوس أو عمران أو حيدر
لم يترك لي أهلي معصرة زيتون مع خمسة بغال تدير الحجر و تطحن البشر
و لا مزرعة تفاح في الدريكيش
لم يستأجر أهلي عمالاً لقطف الزيتون وهل من زيتون أصلاً؟
عمل جدي بنبر الزيتون عند البيك، و أبي عند الآغا
كرم العنب “للسادة” قرب كوخنا
كم تدلت يا فيروز عناقيدٌ كثريات الذهب، واكتفينا بصحن الألومنيوم مع برغل باللبن
دجاجة جدي الوحيدة خطفها ثعلب البيك.. دفعت جدتي ثمنها للبيك
فمعدة الثعلب أصابها إسهال وتشنج وفطس ثعلبه.. وا حر قلباه.
و آه…..يا دجاجة جدتي.
مر عيد الأضحى والحصى والقهر في الدروب والقلوب.
مرّ العيد و بعده عيد واشترى لي أبي ذات مرة فستاناً بقبّة البحّارة الكحلية و عقدة حمراء.. لونه أبيض كتان.
ارتديته في عرس جارتنا نجيبة المسكينة.. نجيبة عريسها نحيل جداَ يعمل حارس في المزرعة.. يكاد يصبح بلا أسنان فاستعاض عنها بإطلاق شوارب يقف عليها النسر
و عبرت نجيبة الجسر
و لم تعد
قالوا ماتت في الوحام.. و قالوا سقاها الفقر سماً زؤام
و العريس عتريس طُرد من المزرعة.. ولم يهتم أحد لأمره سوى أبي
أعطاه منجلاً وفأساً، وقال له: كل هذي البراري لك اذهب و اعمل و استرزق بما تريد.
عاد عتريس شاباَ من جديد
بنيته قوية، أسنانه لبنية، سواعده حديدية،
و تزوج عمتي.
عمتي الجميلة الشقراء ذات العيون الزرقاء
لم تلمح القرى والجبال أنقى من بشرتها و لا قلبها
طردتها الذئاب ونجت في القبر
حزن عليها عتريس دهرا
أطلق ذقنه، و زهد في النساء
صار شيخاً عفيفاً يمسك التراب يقلب بين يديه قمحاً
وزع للفقراء منح بركاته للتعساء
توفي عتريس في ختام عهد الإقطاع
اقتطع أبي من حياته عهداَ
حملنا خارج القرية/ السنديانة وحمل فرشة الإسفنج و ربابة
و لازال يجوب البلاد و لا يجد
لبؤسه شفاءً أو دواء
وابنته الوسطى تجول الساحات من بعده تبكي نجيبة وتارة عمتها وهيبة
و القهر قهر لازال يعصر في معصرته قلب البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى