قراءة نقدية في قصيدة تسبيحة للشاعر السوري عمر هزاع

محمد بركات | مصر 

النص:

وخصرك بالرقص إن حصحصا
أذاب الخلاخيل
شق العصا
وسل الجمادات
من صمتها
وعلم تسبيحة للحصا
وأسقط في هزه مهجتي
كعصفورة
تحت زخ الرصااااا
(بأسماء ضحكاتك)

.
هذا نص للشاعر الضخم عمر هزاع قصير في الألفاظ، طويل في الدلالات والإيماءات، قرأته اليوم فأدهشني في رسم صورة لراقصة لعوب، تضل الناس، وتهدي الجماد، ومطلع النص بدأ بواو وهذه الواو تفتح الأفق لتقدير كلام سابق يعطف عليه الكلام التالي فكأن النص أمامنا بلا بداية محددة وإنما هو يصف صورة اقتصها الشاعر من مشهد كامل.
ثم نأتي لكلمة (حصحصا) ومعرفة معناها ودلالتها في السياق، وهي هنا تحتمل معنيين: إما من الظهور والوضوح، ومنه قوله تعالى في سورة يوسف (حَصْحَصَ الحَقُّ): وَضَحَ، أو هو من المبالغة يُقَال:} حَصْحَصَ الرّجُلُ، إِذا بالغَ فِي أَمْرِهِ (تاج العروس: 17/523) وأنا أرجح المعنى الثاني، كما يمكن أن نجعل معنى الظهور والوضوح للخصر إذ الرقص يظهره واضحا جليا للنظارة، ومعنى المبالغة للراقصة في أنها تبالغ في رقصها وأسندت الحصحصة للخصر مجازا. وهنا نلاحظ بصمة الشاعر ودقة اختياره للفظ حصحصا مع أن الأقرب للسياق أن يقول (رُقِّصا) بالبناء للمجهول والذي أزعم أن أي شاعر غير هزاع كان سيضعه لتلك القافية في ذلك الموضع، لكننا أمام شاعر يختار مفرداته بدقة متناهية.
هذا هو فعل الرقص بالراقصة فهي تبالغ في رقصها وتظهر مفاتن خصرها وهذا من دلالات لفظة حصحص، فكيف فعل
هذا الرقص المبالغ فيه بالكون الخارجي إن يذيب الخلاخيل ويشق العصا ويخرج الجماد عن صمته فيعلم الحصى التسبيح للخالق العظيم ولعل في هذا استدعاء وتناصا مع تسبيح الحصا في يد النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما يوحيه إلينا اختيار التسبيح للحصا بالذات، وكل هذه مبالغات وادعاءات من الشاعر ترشح كلمة (حصحصا) في مطلع النص، وها نحن نرى لفظة حصحص بمعنى المبالغة تنتظم النص كله.
وفي إسناد الشاعر الإذابة للخلاخيل والشق للعصا مراعاة لإعطاء كل اسم ما يستحق من الفعل المناسب له.
وفي قوله: (سل الجمادات من صمتها) جعل الصمت وهو أمر معقول ظرفا للجمادات، فنقل الصمت من المعقول للمحسوس وهذا فيه ما فيه من البلاغة العالية
رأينا فيما تقدم فعل الرقص بالراقصة وبالعالم الخارجي ثم ينقلنا الشاعر لصورة ثالثة وهي فعل الرقص به هو، فعبر تعبيرًا جميلا ليرينا الراقصة كنخلة تهتز فيسقط عنها التمر ولكن الساقط هنا هو مهجة الشاعر الضعيفة كعصفور يقاوم زخ الرصاص.
وهنا نلاحظ أن الشاعر حذف حرف الصاد من كلمة (الرصاص) فقال (الرصاااا) لضرورة القافية، وليس هذا من باب الترخيم، لأن النحاة اعتبروا ترخيم المحلى بـ(أل) شاذًّا في الضرورة، لعدم صلاحيته للنداء، إذ لا يرخم غير المنادى. ومن ههنا خُطِّئَ من جعل من ترخيم الضرورة قول الراجز:
القاطناتُ البيت غير الرُّيَّمِ
قواطنًا مكة من وُرْقِ الحَمِي
أراد: الحمام فكسر الميم وقلب الألف ياء
وما جاء به شاعرنا مستعمل في غير باب الترخيم وهو باب حذف بعض الكلمة للضروة، كما قال الشاعر: فلو كنتَ ضبِّياً عرفتَ قرابِتي … ولكِنَّ زَنجيّ عظيمُ المشافرِ
أراد ولكنك زنجي فحذف الكاف.
وقال الشاعر:
فلست بآتيه وَلَا أستطيعه … ولاك اسْقِنِي إِن كَانَ ماؤك ذَا فضل
أراد: ولكن
وغير ذلك من الشواهد المبثوثة في كتب النحو.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى