تصحيح لخطأ شائع في تقسير آية قرآنية

محمد موسى العويسات

 

قال تعالى: ” وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)”

ظنّ كثير من المفسرين وتبعهم في ذلك عامّة الناس أنّ سليمان عليه السلام انشغل باستعراض الخيل فأشغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، فطلب أن تردّ إليه تلك الخيول فأخذ يضرب أعناقها وسوقها بالسّيف، لأنّها أشغلته عن صلاته وذكر الله. وهذا كلام يُردّ من جهتين:

الأولى: من جهة أنّ سليمان نبيّ معصوم منزّه عن الغفلة عن ذكر الله، ومنزّه أن يقوم بقتل الخيل التي هي أعظم وسيلة في جهاده ودعوته، فلو كان هناك ذنب فلا أظنّه يكفّر بذنب أعظم هو قتل هذه المخلوقات العظيمة النفع.  فهذا كلام لا يجوز على نبيّ. وما كان هو محض إسرائيليّات تناقلها المسلمون على لسان كعب الأحبار وغيره، فجازت على كثير من علماء التّفسير.

الثاني من جانب اللّغة: فهناك من دفعته تلك الرّواية الباطلة إلى ادّعاء التّضمين في الفعل: أحببت، فقال بأنّ تعدّي الفعل أحببت بحرف الجرّ (عن) جعل هذا الفعل يحمل معنى: آثرت.. أي آثرت حبّها عن ذكر ربّي. والحقّ أنّه لا تضمين في الفعل، وإنّما هناك حال محذوفة، أي إنّ الحرف (عن) متعلّق بحال محذوفة تقديرها: صادرا أو ناتجاً عن حبّ ربّي، إي إنّه أحبّها لحبّ الله وحبّ الجهاد في سبيله.

ثمّ إنّ سياق هذه الآيات هو المدح لسليمان عليه السّلام، وللسّياق أثر كبير في قضية التّضمين ومعرفة دلالات الألفاظ وتفسير النّصّ. فقد تقدّم عليها قوله تعالى: “نعم العبد إنّه أوّاب”. ثمّ كيف لنبيّ أن يأمر جنده، سواء من الإنس أم من الجنّ، بردّ الشّمس بعد غيابها، فهذا أمر لا يكون لمخلوق. فالهاء في (ردّوها) تعود على الخيل التي مرّ ذكرها (الخير) ولا ذكر للشّمس ليكنّى عنها بالهاء التي في (ردّوها)، وتوارت بالحجاب هي الخيل غابت عن ناظريه. أمّا المسح فلا يكون في لغة العرب بمعنى القتل، وإنّما مسح باليد عليها الماء. وما ورد في المعاجم بمعنى القطع والقتل فمستند إلى هذا الفهم الخاطئ للآية.

وهناك رأي لأحد كبار المفسرين:

يقول الإمام الرازي في (التفسير الكبير): ” الحقّ المطابق لألفاظ القرآن، أن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها (أي جعلها تجري) وقال: إنّني لا أحبّها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنّما لأمر الله وتقوية دينه، وهو المراد بقوله: عن ذكر ربّي، ثمّ إنّه أمر بإجرائها حتى توارت بالحجاب، أي غابت عن بصره، ثمّ أمر بردّها فلمّا عادت طفق (أي شرع) يمسح بيده سوقها وأعناقها يريد تشريفها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدوّ.” 

والله أعلى وأعلم… القدس .. 13/12/2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى