بلاد العرب أوطاني.. قصة قصيرة
رزق البرمبالي | القاهرة
دماء العروبة تسري في عروقه، هموم أمته تقض عليه مضجعه فتحجب عنه النوم، يتألم كثيراً لحالة العداء والتشرذم المنتشرة في الجسد العربي، والتي قضت على الأخضر واليابس وعمقت من الجراح،
في أجازته السنوية لإحدى المنتجعات السياحية الأوربية، أصيب بوعكة، بعد فحوصات عديدة، كتب له رئيس الفريق الطبي دواء واحدا فقط، عبارة عن زجاجة شراب بطعم الكرز الأحمر، ما إن تناوله حتى اختفت الآلام من جسده، وانشرح صدره، وهدأت نفسه، وعلت همته، وأزهرت روحه،
رفع الزجاجة لمستوى بصره، نظر إليها ملياً، ثم قربها إلى فمه ولثمها بشفتيه في حنو بالغ، أعادها إلى الطاولة أمامه ضاحكاً،
وشعر بشيء عجيب، جعله ينهض فزعاً كمن لدغته عقرب، هذا لا يمكن.. كيف حدث هذا؟!
إن هذا لشيء عجيب!
ذلك أنه بعد الشراب وجد أن حالة الكره والعداء ضد معارضه اللدود والذي يمضي عامه الخامس عشر خلف القضبان بأمر منه، قد انتهت من صدره تماما، كما اختفى كل حقد كان يحمله لعدد من الرؤساء والملوك العرب،
رفع الزجاجة مرة أخرى وأعاد تأملها، وشرب منها جرعة ثانية، فإذا صدره يزداد انشراحاً واتساعاً، وحالة التسامح تتمكن منه وتغذي روحه، زادت دهشته، وأمر بجلب خمسين كرتونة من هذا الشراب، وإلغاء برنامجه السياحي، ومن ثم العودة إلى دياره لإصدار أمر بالإفراج عن زعيم المعارضة وكل السجناء السياسيين، وأيضا لزيادة التأكد من مفعول هذا الشراب لدى الغير من خلال أمر قد عزم عليه،
كانت حرب مشتعلة منذ فترة ليست بالقصيرة بين اثنتين من زوجاته، لدرجه أن كل واحدة لجأت للسحر لجلب الضرر للأخرى،
أرسل لكل واحدة منهن بزجاجة، وكانت المفاجأة صِدق ما قد ذهب إليه، انتهت حالة العداء، وعاشتا بعدها في حب ومودة كالأختين الشقيقتين لا يعكر صفو حياتهن شيء،
زادت سعادة الزعيم كثيراً، وكتم سر هذا الشراب المعجزة عن كل الناس، وأراد أن يستخدمه في عمل معجزة تنهي القطيعة والحروب بين أبناء العروبة،
فدعا إلى جلسة طارئة للجامعة العربية على أرض بلاده للمصالحة بين الفرقاء،
وحرص على عدم تخلف زعيم واحد عن هذا الاجتماع، وقد كلفه هذا الأمر عناء عام كامل،
في النهاية تم الاجتماع بحضور ٢٢ زعيم عربي، ووضع لهم الشراب في عبوات عصير الكرز المركز عن طريق رئيس مخابراته، الذي بدوره وضعها مكان عبوات الكرز الأصلية، دون أن يلحظ أحد،
شهدت الجلسة الختامية مصالحة شاملة وأحضان وقبلات وانسكاب للعبرات الساخنة، ومع المصالحة خرج البيان الختامي بإقامة السوق العربية المشتركة، والعملة الموحدة، وتوحد الجيوش في جيش واحد، وإلغاء التأشيرات والاكتفاء ببطاقة الهوية فقط في التنقلات بين البلاد، وإقامة الجسور وربط الدول العربية بشبكة طرق للتجارة البينية، وفوق كل هذا كان الاتفاق على البدء فوراً في إقامة مصانع لصناعة السلاح والدواء والغذاء، ودعوة العقول العربية المهاجرة إلى العودة لمهدها لبعث الروح في معامل البحوث والابتكار… إلى أخره،
وبعاصفة من الدهشة و التصفيق والدموع انتهت الجلسة الختامية العجيبة والنادرة.
عاد الزعيم بعد وداع إخوانه من الملوك والأمراء والرؤساء إلى قصره دامع العينين،
سعيدا بما قدم من خير للعرب والعروبة،
استيقظ صباحاً ضائق الصدر فأمر بالقبض على زعيم المعارضة، ووجد الخلاف نشب بين زوجتيه من جديد، وأتته أخبار الدول المتناحرة، دقت فيها طبول الحرب من جديد، وعاد العداء والحقد إلى سابق عهده،
وفي وسط كم هذا الحزن والضيق، تلقى مكالمة من الرئيس الأمريكي يخبره فيها ضاحكاً: أن الشراب الذي بحوزته مدته ٢٤ ساعة فقط، ويسمى شراب السعادة. ويخبره أيضاً بأنه أصدر أمرا بوقف تصنيعه، ثم تعالت ضحكاته الساخرة قبل أن يغلق الهاتف.