حكايا من القرايا ” صديقي “
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
حدّث الحج خليل الجابري، قال: كان صديقي، صديقي من بلدة مجاورة، يزورني مرة كل أسبوع على الأقل…ولأنه صديقي العزيز كنت أقوم بواجبه خير قيام، أقدم له الغداء في حينه، مما تيسّر وقسم الله من دجاج قاع الدار، أو زغاليل الخشّة، أو أرانب (الموتشرة)… وأوفر له العشاء في حينه، مما قسم الله وتيسر، كما أوفر له الاحترام، إنه صديقي، كما كنت أجهز له تعليلة رائعة مع أهل البلدة الرائعين… وعند النوم أفرش له فرشتين اثنتين، مع الأغطية الكافية… ووقت الفطور حيّاه الله… يبدأ فطوره بفنجان القهوة، ثم بما قسم الله، وينتهي بكاس الشاي مع الاحترامات… كان صديقي يقول لي دائماً: آه، والله يحق لي أن أزعل عليك، كم مرة زرتك وقدمت لي الواجب وأكثر، وأنت لم تزرني ولا مرة واحدة… كنت أربّت على ظهره وأجيب: نحن أهل يا بو خالد، وهاي مش بيننا… فيستدرك ” الأكل بين الصحاب دين، وعلى الأنذال صدقة” توكل على الله يا رجل… نحن إخوة، ولا مقسوم بيننا إلا ما حرّم الله…
زادت زياراته لي أكثر عندما زوّح أمه في القرية المجاورة لقريتنا، فأصبح أبو خالد يمر بي، وهو ذاهب لزيارة أمه، ويريّح دابته ويستريح يوماً وليلة، قبل مواصلة السير إلى بلدة أمه، وعندما يقضي زيارة أمه، يزورني في طريق العودة… وكأن بيتي مطار ترانزيت… ويا حيّا الله… وشو خجول هالرجّال، وشو مناه طول الحياة أن أزوره في مأواه…
راحت الأيام وأجت الأيام، ونحن في سعادة ووئام، أنا وصديقي، وفي يوم من أيام الزيتون، حمّلت حمارتين زيتوناً، كل حمارة شوالاً أبو خط أحمر، وخرجاً، وهذا كل ما كنت أملكه من الزيتون… وتحت كل شوال وضعت مشتيلاً من الحديد، كي أحمل فيه تنكات الزيت… واتجهت صباحاً رباحاً إلى المعصرة في بلدة الصديق أبي خالد… وأنا أضرب أخماساً في أسداس، وأخمن والله من أسبوع ما رخّص لي بمغادرة بيته… الرجّال هميم كريم… ويوم المنى عندما أزوره… وصلت بلدته، ومررت من جانب بيته، ناديت: ” أبو خالد” فخرج الرجل، قلت له: أنا ذاهب إلى العصارة… والدنيا الصبح فش داعي للزيارة… وافق… ذهبت إلى العصارة، ولحقني، كان بيده منشار ومقص شجر، لعله سارح إلى أرضه، ساعدني في فسخ الحمل عن الدابتين، وقال: أراك… وذهب… خمّنت أنه سيغيب ساعة من زمن ويعود كي يكرب وجهه معي، انتظرت دوري في العصارة ساعة… ساعتين… ساعات، أذّن العصر، وصاحبي لم يأتِ… وهات واحد يعطيني رغيفاً أبلّه بالزيت وأخفف من جوعي، أنا خجول في الطلب… ولم يأتِ صاحبي… (بلّش الفار يلعب في عبّي)… قبل أن تغطس الشمس في البحر أنهيت عصر الزيتون، وبدأت بتحميل الزيت، وبعض الجفت على الحمارين… وإذا به يأتي… ها هو سقط علي من السماء… رحب بي، وقلت في نفسي” اللي غاب وحضر، عدّو ما غاب ” ساعدني في التحميل… والحقيقة كان ماهراً في شد الحبال، والتحبيق على الحمل في المشتيل، وفوقه الجفت… ومشينا خارجيْن من العصارة، نتحدث… ومررنا من جانب بيته، ولا حِس ولا خبر… وظل يباريني حتى خرجت من آخر بلدته… وقال بصوت متهدج” أنا داري الواحد بدّو يعزمكم بس إنتو ما بتقبلوا عاد، ودايماً مستعجلين” فوقفت وقد هاج قلبي، واهتز بدني، وشعرت بأنني سأنفجر، وصحت: ولك انت قليل حيا – البعيد سافل – ولك انت مش زلمي، وعيب تعد حالك من الزلام… ولك انت جربت تعزم… ولك انت من زلم العازيم…؟ ظُب حالك وانظب… لكن والله ان شفتك في هذيك المنطقة إلا إجرك (أتشسرها)… وبالفعل كنت أراه يسير طرقاً التفافية حتى لا أراه في البلدة… أو حتى مارّاً منها…