انقلاب السحر على نتنياهو
نهاد أبو غوش | فلسطين
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
مثل انشقاق القطب الليكودي غدعون ساعر عن حزبه، وإعلانه تشكيل الحزب الجديد “أمل جديد”، وحل الكنيست نتيجة عدم إقرار الموازنة العام 2020، لحظة انفجار التناقضات المتراكمة داخل حزب الليكود ومجمل النظام السياسي في إسرائيل. وسرعان ما توالى انسحاب نواب الليكود وانضمامهم لساعر حيث أصدر كل من زئيف ألكن، وشيران هسكل، وميخال شير، ويفعات شاشا بيطون إعلانات مدوية اتفقت جميعها على إدانة سلوك ومواقف بنيامين نتنياهو، واتهامه بأنه يجيّر كل شيء لمصالحه الشخصية على حساب الدولة والشعب. وسبق لعضوين آخرين من كتلة أزرق أبيض هما تسفي هاوزر، ويوعاز هندل أن أعلنا انضمامهما لحزب ساعر، ما يجعل بداية ساعر، قوية وجدية، بل إن كل الاستطلاعات تشير إلى أن الحزب الجديد سيكون المنافس الأبرز لحزب الليكود، وسوف يجرف ما لا يقل عن ثلث قاعدته الانتخابية ، بل سوف يستقطب جزءا مهما من معاقل القواعد الانتخابية لأحزاب “يمينا” و”يوجد مستقبل وتيلم” وحتى من قاعدة “أزرق أبيض” المنحسرة باطّراد.
قبل ذلك، كان في وسع نتنياهو أن يفاخر بأنه صاحب أطول فترة في موقع رئيس الوزراء (15 عاما على 5 دورات)، وأنه باني إسرائيل الثانية، الكبرى والقوية والمزدهرة اقتصاديا، وصاحبة النفوذ الدولي الكبير، والتي تعترف أكبر وأهم دولة في العالم بسيادتها على القدس والجولان، وتقيم علاقات مفتوحة وتطبيعا مع عدد آخذ بالتزايد من الدول العربية والإسلامية. لكن احتمال أن يحتفل “بيبي” بهذه الإنجازات وهو خلف قضبان السجن وارد بقوة، والأمر مقترن باحتمالات خسارة نتنياهو لموقعه الحالي في رئاسة الوزراء.
ليس غريبا أن يسجن رئيس وزراء إسرائيلي، فقد سبق نتنياهو إلى ذلك سلفه ورفيقه إيهود اولمرت، ورئيس الدولة موشي كاتساب، وعدد يصعب حصره من الوزراء وأعضاء الكنيست أبرزهم اسحق مردخاي والوزير الحالي أرييه درعي، على تهم تراوحت بين التحرش الجنسي (كاتساب) والخيانة العظمى (الوزير السابق غونين سيغف) في دولة بات فساد طبقتها الحاكمة جزءا ظاهرا من ملامحها، مع اقتران الفساد السياسي المتمثل في استمرار الاحتلال والقمع والبطش والاستهانة بقيمة حياة الفلسطينيين وحقوقهم الإنسانية والمدنية فضلا عن السياسية، والتنكر لكل القوانين الدولية وحقوق الإنسان طالما أن هذا الإنسان من الأغيار، وارتداد أشكال الفساد هذه على الداخل الإسرائيلي عبر أشكال من الخراب السياسي والأخلاقي من رشوة وسوء ائتمان وخداع، وتربُّح على حساب المال العام، ومحاباة للأقارب والأصدقاء.
ويبدو أن نتنياهو لم يحسب عواقب أعماله، وراهن على قدرته المطلقة على إدارة الأزمات وتدوير الزوايا. صحيح أن أنصاره يدينون له بنجاحه في إنقاذ الليكود من الاندثار حيث كان يحظى بأحد عشر مقعدا فقط حين تسلمه نتنياهو محطما عشية انتخابات العام 2009، وساهمت سياسات نتنياهو في إضعاف خصومه ما أدى لاختفاء حزب كاديما عن الخريطة، وقرب اندثار حزب العمل الخصم التاريخي لليكود، لكنه في المقابل كان مدمرا وجيّر كل شيء لمصالحه الشخصية.
فقد اتصفت سياسات نتنياهو بالشعبوية، مغازلة الفئات الشعبية بالكلام والتحريض العنصري مع انحياز دائم لليمين وقيمه المحافظة ومبادىء الخصخصة وحرية الأسواق، وتعصب قومي صهيوني في مواجهة الفلسطينيين بما في ذلك في مواجهة المواطنين غير اليهود، هذه السياسة دفعت نتنياهو للاصطدام الدائم مع مؤسسات الدولة من جهاز القضاء والمحكمة العليا، ووسائل الإعلام، وحتى مع الشرطة. وتماشيا مع نزعاته العنصرية والفاشية تميز نتنياهو بأنه لا يقيم وزنا للمؤسسات والنظم الداخلية ولا للأعراف، فنجح في تحويل حزب الليكود من حزب متعدد الأقطاب والآراء إلى حزب يتحلق حول الزعيم الفرد الأوحد، قادته وممثلوه في البرلمان هم أعوان هذا الزعيم المطلق ومريدوه، ومن لا يتماشى مع هذا الخط يجري تهميشه واستبعاده كما جرى مع أقطاب بارزين مثل دان مريدور وميخائيل ايتان وبيني بيغين وأخيرا مع ساعر.
حاول نتنياهو أن يفعل بالدولة مثلما فعل في حزبه، فهمّش شركائه، وانقلب على اتفاقه الائتلافي مع بيني غانتس، وقبل ذلك استعدى لأسباب شخصية كلا من أفيغدور ليبرمان زعيم حزب يسرائيل بيتنا، ونفتالي بينيت زعيم حزب يمينا، وهما شريكان طبيعيان له في اليمينية والتطرف، واحتكر القرارات حتى في المجالات الحساسة التي تخص وزراء ومسؤولين آخرين، حيث حجب معلومات التطبيع والعلاقات الجديدة عن وزير الخارجية أشكنازي، كما سبق له أن استفرد في إقرار صفقة الغواصات من دون أي اعتبار لآراء هيئة أركان الجيش وقيادة سلاح البحرية.
إذن قطع نتنياهو شوطا طويلا في بناء دولة التمييز العنصري وإنجاز التحول الفاشي، ولا عجب أن جمهورا واسعا في إسرائيل يعرف ويدرك أن نتنياهو متهم بالفساد، لكنه يحبه ويعيد انتخابه المرة تلو الأخرى، تماما مثلما ينتخب عشرات الملايين في أميركا دونالد ترامب على الرغم من علمهم بأنه عنصري ومتحرش ومتهرب من دفع ما عليه من ضرائب. لكن ما لم يتحسب له نتنياهو جيدا هو أنه خلال كل هذه الفترة وسع دائرة خصومه وأعدائه، وبات يهدد بتقويض أسس القوة التي تستند لها إسرائيل، كدولة قانون ومؤسسات وحريات عامة لليهود على الأقل، ما أدى في النتيجة إلى انقلاب السحر على الساحر وتراجع فرص بقائه في منصبه.
الانتخابات قادمة ستكرس على الأرجح سطوة اليمين العنصري والاستيطاني الإسرائيلي، والفارق أن أية حكومة قادمة بدون نتنياهو سوف تستوعب بكل سهولة وسلاسة أحزابا مثل حزب يوجد مستقبل وتيليم وأوسع صف ممكن من أحزاب اليمين العلماني والديني، بكل ما يعنيه ذلك من استمرار سياسات نتنياهو تجاهنا كفلسطينيين.