عام الأوبئة .. كورونا ومستوطنون واحتلال وفاشية الإمبريالية راعية للجميع

سعيد مضيه | مفكر سياسي ومترجم فلسطيني

 

استهل رئيس الحكومة الفلسطينية جلسة الإثنين الإعتيادية، وربما آخر جلسات هذا العام بتكرار نداء الإستغاثة الى ” المجتمع الدولي” يطالبه ” إلزام دولة الاحتلال بوقف مخططاتها الاستعمارية”؛ عام كامل تميز ، الى جانب وباء كوفيد 19، بما هو أفدح أضرارا وخطورة من الوباء. إسرائيل سادرة في مصادرة الأراضي وتجريفها والبناء عليها وقلع الأشجار وهدم البيوت واضطهاد الفلسطينيين، أهل البلاد الحقيقيين. البعض يلوم العام، فيتستر على صراع يدور منذ عقود. الزمن محايد والكوارث عالقة طفيليات.

لعل خبرة المقاومة الفلسطينية بالذات توفر للقيادة الفلسطينية الوسيلة الأنجع لتوجيه الرسائل المستجابة وتحميل الأيام نتائج مبهجة. ففي الأيام الأولى للاحتلال أضرب المعلمون بدعم الأهالي رفضا لتغيير المناهج الدراسية . والمنهاج الدراسي احد المصادر الرئيسة للثقافة الوطنية. استمر الإضراب أشهرا وتم التراجع عن الإضراب دون ان يحقق أهدافه؛ كان مسوع التخاذل مصلحة الطلبة. اشعر هذا التخاذل المهين المحتلين ان بمقدورهم العناد ورفض المطالب الفلسطينية. استمر الحال تحت يافطة ” الاحتلال الرؤوف” حتى انتفاضة 1987، حيث أبدت الجماهير المنتفضة إصرارا على رفض الاحتلال ونظام الأبارتهايد المستظل بالعنصرية الصهيونية. وفي مذكرات الرئيس الأميركي الأسبق ، بيل كليتون نعثر على تأثير الحراك الجماهيري على الإسرائيليين. فقد أورد كلينتون جزءا مما دار في إفطار عمل مع إسحق رابين، رئيس حكومة إسرائل حينئذ، بعد إبرام اتفاق أوسلو، نقل عن رابين قوله: ان “الانتفاضة قد أظهرت أراض محتلة مليئة بشعب ساخط لم يجعل إسرائيل أكثر امناً، بالعكس كانت مصدر عدم امن “. توجه رابين جادا للتخلي عن المناطق الفلسطينية بغية إقصاء الفلسطينيين عن دولة إسرائيل ، غير أن اغتياله تم بتحريض تآمري استهدف تحويل كامل فلسطين دولة يهودية ، وكان ان استمرت مصادرة الأراضي والبناء الاستيطاني تحت قناع عملية سلمية مزيفة.

خرج بحث ميداني أجراه مركز أبحاث الأراضي، وأعلن عنه السيد جمال العملة، مدير المركز ، يوم الأربعاء 30 كانون أول، كانت الحصيلة خلال العام 2020 توسيع 60 مستعمرة وتجريف الأراضي حولها، وبعض المستعمرات تمت تسويتها ويجري إضافة 720 وحدة استعمارية. أصدر الاحتلال نحو 79 مخططاً استيطانياً تستهدف السيطرة على 8860 دونما منها مستعمرات مقامة يتم شرعنتها بأثر رجعي و/أو توسيع لحدود مستعمرات على حساب الأراضي الفلسطينية. كما أعلن عن المصادقة و/أو ايداع للمصادقة على 2111 وحدة استعمارية جديدة. أضاف تقرير المركز أن 18 بؤرة استيطانية تم إنشاؤها تبدا بخيام وبركسات زراعية، تأوي اغناما أو أبقاراً،[ تتطور لاحقا الى مستعمرات] ؛ كما تم تجريف الأراضي المحيطة بها بنحو 1600 دونما. تم شق 23 طريقاً استعمارياً عبر الأراضي العربية تقدر اطوالها بنحو 32كم. واعلنت السلطات العسكرية مصادرة 2304 دونما في أنحاء الضفة، منها 676 دونما في محافظة قلقيلية، و441 دونما في محافظة الخليل جنوبي الضفة، و381 في محافظة طوباس بالأغوار، و377 دونما في بيت لحم، و266 دونما في محافظة سلفيت وسط الضفة، و145 دونما في رام الله و12 دونما بالقدس و4 دونمات في أريحا ومثلها في طولكرم.

وخلال حقبة السلطة الوطنية حتى العام 2018 تضاعف الاستيطان من 144 مستوطنة، لنحو 550 مستوطنة وبؤرة استيطانية، وارتفع عدد المستوطنين من25200، إلى حوالي 834000. وارتفعت مساحات الأراضي المصادرة، من حوالي 136000 دونم إلى نصف مليون دونم، أي بزيادة نسبتها نحو 368%.

يتمدد الاستيطان لأن اتفاق أوسلو أغفل قضية الأرض؛ وطوال حقبة أوسلو تصاعدت فاشية المستوطنين وحكومتهم اليمينية الموغلة في إشاعة الكراهية العنصرية وازدراء الفلسطينين. باتت أحداثا يومية هجمات المستوطنين، الخاضعين لقيادة ضمن الأركان العامة للجيش، والمزودين بالأسلحة وبتصاريح القتل العشوائي للعرب، تصاعدت وغدت نذيرا بحرب عصابات ومطاردات مسلحة للوجود الفلسطيني بغية اجتثاثه من الضفة.

تدور هذه الفواجع الدرامية بتحريض ودعم المسيحية الأصولية بالولايات المتحدة والمحافظين الجدد الملتفين حولها. فهذا التيار المهيمن على السياسات الأميركية بات قوة فاشية مىتحكمة في عهد ترامب. وتلبية لمشيئته تقدم إدارة ترمب الدعم بلا تحفظ لسياسات إسرائيل الفاشية، منها نقل السفارة ومنح القدس لإسرائيل وتفرض صفقة القرن. إدارة ترمب تزدري القانون والاتفاقات الدولية ، وتزدري أيضا قوانين العلم والحقائق والوقائع، وبجهالة مطلقة قاربت وباء الكوفيد 19، فعرضت مئات آلاف الأميركيين لموت مجاني . ويضاعف من خطورة الجريمة ان ترمب ابتهج لأن الوباء فتك بأحياء الفقراء والسود من أصل أميركي ومناطق المهاجرين الملونين. ركز ترمب على دعم التيارات الفاشية وعنصرية البيض ضد الملونين وسائر الأنظمة العنصرية الفاشية في بقاع المعمورة.

الفاشيون المسيحيون، او المسيحيون الصهاينة، يدعمون بالمطلق إجراءات دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين، وهم ، شأن جميع الحركات الفاشية، يخلقون حقيقتهم الخاصة، تستقطب تأييدهم تصرفات ترمب البهلوانية. ومثل جميع الأنظمة الشمولية تتتنكر المسيحية الفاشيىة للعالَم القائم على الحقيقة.

وما من تباين نوعي في سلوك إدارة بايدن البديلة؛ إذ لاحظ المراقبون أن بايدين التقط المعينين للمراكز الرسمية من دوائرالحزب الديمقراطي ونخب الشركات الكبرى، اولئك المسئولين عن اللامساواة الاجتماعية في أميركا، وعن الصفقات التجارية وتقليص الصناعات وعسكرة الشرطة ونظام السجون الأكبرفي العالم وبرامج التقشف وإنعاش الحرب الباردة مع روسيا والصين والمراقبة الحكومية الشاملة للشعب، وكذلك إفقار الطبقة العاملة وحرمانها، والحروب التي لا تنتهي بالشرق الأوسط .

لاحظ كريس هيدجز ، صحفي التقصي المشهور في الولايات المتحدة، ان قائمة مسئولي إدارة بايدن تضم أنتوني بلينكين، المعين وزيرا للخارجية، عمل نائب مستشار الأمن القومي ونائب وزير الخارجية، وهو من أشد الداعمين لنظام الأبارتهايد في إسرائيل وأحد مهندسي غزو أفغانستان والعراق وداعية للإطاحة بمعمر القذافي، حيث اسفرذلك عن دولة فاشلة جديدة بالشرق الأوسط؛ كما تضم أيضا الجنرال المتقاعد للويج اوستن وزيرا للدفاع ، عمل في هيئة إدارة شركة رايتون تيكنولوجيز وشريك في باين أيسلند كابيتال التي تستثمر في صناعات الحرب.

الحزب الديمقراطي يفتش دوما عن أعداء خارجيين، بهم يبرر الانصياع لمطالب التجمع الصناعي العسكري – الأمني، والزيادة المضطردة للموازنة الحربية.

ويلاحظ الصحفي هيدجز ان ترامب ربما يغيب قريبا، لكنه ترك خلفه حزبا فاشيا ، لا يراعي القيم الديمقراطية ، عدوا للعلم والحوار القائم على الوقائع والحقائق. وفي الجولة الانتخابية القادمة سوف لن يكون على نفس الشاكلة من عدم التنظيم والوهن. سوف لن يتبدد حزب الجمهوريين ، بل سينمو، خاصة بوصفه هراوة عدم التموضع الاقتصادي، بما يسفر عن ذلك من بوادر طرد ملايين الأميركيين من مساكنهم. في أميركا يجري هجوم متواصل عبر العقود الماضية على الثقافة والصحافة والتعليم والفنون والجامعات. تم تهميش التفكير النقدي ويجري تجاهل اولئك المعنيين بقول الحقيقة باعتبارهم مختلين مزعجين .اميركا مستهلكة بجنون عظمة يقدمها سادة الشركات الكبرى بسخاء على حساب الحقيقة. هذا الأمل الخلب المخادع هو الذي يقضي على أميركا .

تتجاهل القيادة الفلسطينيةهذه الوقائع وتحتفظ بحسن الظنون بالولايات المتحدة ، وبإدارة بايدن. وبعد أن أقدمت في أيار الماضي على رفض تسلم أموال المقاصة، وهددت حكومة نتنياهو بوقف التنسيق الأمني وتواتدت مع افصائل اظلخرى على تنشيط مقاومة شعبية، عادت وتراجعت واضعة كل شيء على الرف . فجاة وسط دهشة عارمة وخيبة أمل الساعين لتوجه كفاحي شعبي ضد نظام الأبارتهايد وسياساته القرصنية في مناطق السلطة، تراجعت القيادة الفلسطينية في نوفمبر / تشرين ثاني. أعادت التنسيق الأمني، وهو تنسيق اقتصر على حماية امن المعتدين المستوطنين ولم يحفل بأمن الفلسطينيين. اخلت القيادة الفلسطينية بتعهدات قطعتها بالتعاون مع الفصائل الوطنية الفلسطينية، وانتهاج خطة تمتين الجبهة الداخلية وتنشيط مقاومة شعبية متنامية باضطراد. تخبط يشي بالتعاطي الموارب مع صفقة القرن والانصياع من جديد لإغراءات الدخول في متاهة التفاوض. نودع العام والمقاومة الفلسطينية أضعف وأشد ارتباكا واوهن عما كانت عليه ونحن نستقبل العام المنتهي.

القيادة الفلسطينية عاجزة عن طرح سياسة صمود وترويج ثقافة مقاومة وطنية من خلال ترقية نظام التعليم. وشأن جميع الأحزاب والحركات الوطنية في البلدان الخارجة من السيطرة الاستعمارية تحولت فتح بالضفة وحماس في قطاع غزة، من قائدة النضال الوطني ألى تابع لسلطة استحوذت عليها لدرجة الإنهاك ممارسات الفساد وشجون السيطرة على المواطنين وقمع الحراك الوطني المستقل.

البديل مجرب وأثبت نجاعته، حيث تغيير المناهج وترقية الوسائل والأساليب التربوية أسفر عن تحولات في الاقتصاد والثقافة وفي حياة المواطنين. ظغن تنمية الكفاءات الإنتاجية للبشر عن طريق التعليم قد نقل بلدانا متخلفة الى تنمية مستدمة. من هذه المجموعة الصين التي تصدرت العالم ، من حيث مكافحة فيروس الوباء وحدت من انتشاره . اما من حيث وتائر التطور الاقتصادي ومكافحة الفقر ورفع مستويات الحياة فكات مثال الصين لافتا للأنظار. يهمنا في مثال الصين التجربة الناجحة في إحلال منهجية العلم بدل الشعوذات الخرافيبة وتخبط السياسات .

كيف نجحت الصين في بناء قدراتها العلميمة – التقانية ، وضمن أي منطلقات اجتماعية جرت عمليات البناء؟ التحرك عبر درب المنهج الماركسي، حيث لا تقدم بدون العلم. المجتمع الصيني مضى في مسيرة تحققت خلالها الثقة والاتفاق على منهجية العلم واحترام الحقيقة العلمية، فأثمرت المسيرة مجتمعا متماسكا يحترم الحقيقة العلمية ويتمسك بعلاقة السبب والنتيجة. كان محور المسيرة المشتركة ” العلم ثم العلم ثم العلم” قوة دافعة لتطوير الحياة بجميع جوانبها.

في مجال تكريس الجهود للنشىط في مجال العلوم والتعليم أشار دينغ هيسياو بينغ، الذي بادر بإدخال التحولات وفق نظام الاقتصاد السياسي الماركسي، في مداخلة ألقاها في 8 آب / أغسطس 1977.. أشار الى ان ” الصين يجب أن تلحق بأكثر البلدان تطورا في العالم”. كيف ؟ ” أومن أن علينا الشروع في مواجهة مهام تطوير العلوم والتعليم”. تطرق الى تفاصيل مهمة التطوير، مركزا على العملية التعليمية في المقام الأول، إذ اوصى ، ” يجب علينا العمل بصورة جيدة في ميدان التعليم، لأن البحوث العلمية تتوقف على التعليم لتزويده بالمتدربين”. وفي مناسبة أخرى يوصي بجعل التعليم متاحا للمزيد والمزيد من الناس. “علينا أن نخلق داخل الحزب مناخ احترام المعرفة واحترام الكوادر المدربة؛ وعلى الهيئات القيادية في الجيش أن تزيد من معارفها ، وأن تحترم المعرفة. يجب فتح مدارس من مختلف المستويات كي نمكن الكوادر القيادية في الجيش إتقان العلوم والثقافة وفنون الحرب الحديثة أثناء التدريب. في مناسبة أخرى يشدد بينغ على ضرورة دمج العمل في مناهج المدرسة الأولية والثانوية. من المهم للغاية غرس حب العمل في سن مبكرة. وفيما يتعلق بطلبة الكليات يجب التركيز على المشاركة في العمل المرتبط بموضوع الدراسة. يلح بينغ:”علينا إيلاء العاملين في سلك التعليم مكانة معادلة من حيث الأهمية لمكانة الباحثين العلميين، والتأكد من أنهم يحظون بنفس التقدير والاحترام. فالمدرس في المدرسة الابتدائية الذي او التي تكرس الطاقة لقضية التعليم رصيد نفيس. والعمل المبذول من قبل معلمة المدرسة الأولية لا يقل عما يبذله أستاذ الجامعة. ومن ثم فيجب ان تحظى مهنة معلم المدرسة الابتدائية بنفس تقدير أستاذ الجامعة”.

حقا ، إن إدخال العلم في الإنتاج، وليس في الاستهلاك فقط، هو ما يدخل العلم في حياة المجتمع ويربي الأفراد على احترام العلم ومراعاة أحكامه. عبر العقود المتتالية تحقق احترام العلم في المجتمع الصيني، وبات الأفراد يسترشدون بالعلم في حياتهم ، وهو ما تجلى لدى المواجهة الجماعية للفيروس الفتاك. خلال عقود أربعة تطور الإنتاج الصيني من 150 مليار دولار عام 1978، ليبلغ 14 الف مليار عام 2019.

اما النتائج الاجتماعية فهي أكثر تجذرا وأقوى فاعلية. بمجرد إدخال العلم في الإنتاج، والتوسع في هذا المجال يصبح العلم ثقافة شعبية للعامة تتحول هذه الثقافة إلى ثقافة عقلية تجريبية، خالية قدر الإمكان من الخرافة والشعوذات؛ تتعزز في الوعي الاجتماعية علاقة السبب والنتيجة والتفسير المادي للظاهر. وفي هذه الحالة يكون المجتمع مجتمعا علميا، وثقافته ثقافة علمية، هو مجتمع الأمن والاستقرار، والتوازن والعقلانية .

تتوثق علاقة الثقافة بالعلم وبالمصلحة الوطنية : العلم بلا ثقافة تعالم وانعزالية، والثقافة المعزولة عن مصالح الوطن عقيمة . تجمع الثلاثى – العلم والثقافة والوطن- وحدة لا تنفصم ، حيث العلم يؤصل. والثقافة تبعث، والوطن يحيا.

تجربة قدمها الحرص على تقدم المجتمع وتطوير القدرات الذاتية والتحول من التبعية والمناشدة غير المستجابة الى فرض المصلحة الوطنية واجبة الاحترام والمراعاة، فرض الهيبة الوطنيةظ، والحفاظ على الوطن من التآكل الحثيث وعلى المجتمع من التبدد والتطهير العرقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى