تاريخ

من مظاهر احتفال الأيوبيين والمماليك بشهر رمضان

بقلم: د / صالح محروس محمد
رغم انشغال الأيوبين (1174- 1250 م) بقيادة صلاح الدين يوسف الأيوبي بالجهاد ضد الصليبيين (والذى انتصر في معركة حطين 583هـ/ 1187م التى اعتبرها مايكل لي لا ننغ من المعارك المائة المؤثرة في التاريخ واعتبر مايكل لي ننغ صلاح الدين الأيوبي أعظم قائد عسكرى في زمانه)  فكان يتم إضاءة المساجد والمآذن مع بداية الشهر الكريم . ولقد كان حسام الدين لؤلؤ قائد الأسطول الحربي لعهد صلاح الدين الأيوبي يحتفل بشهر رمضان احتفالاً مشهورا فيملأ ثلاث سفن بالطعام كل يوم ويدخل إليه الفقراء في صفوف منتظمة وهو قائم بنفسه و بيده مغرفه وأطباق فيعطى لكل صائم حظه من السائل والجاف وكان يبدأ بالرجال فالنساء ثم الغلمان دون أن يتزاحم أحد عليه وكان لا يهدأ حتى يطمئن أن كل فرد حصل على حقه من طعام الإفطار وظل مستمراً على ذلك طيلة أيام رمضان . وهذا على عكس ما ذكره بعض المؤرخين أن الدولة الأيوبية السنية حرمت الاحتفالات الدينية التى كانت تقوم بها الدولة الفاطمية الشيعية السابقة لها . وإن كانت قلت في عهد الدولة الأيوبية لإنشغالهم بالحروب مع الصلبيين حيث قاموا بعبء الدفاع غن البلاد الاسلامية ضد هذا الخطر .


على أن دولة المماليك (1250م -1517 م) تداركوا ما تركه الأيوبيون من أبهة واحتفاء بالشهر الكريم . ففى ليلة الرؤية لهلال شهر رمضان يخرج قاضى القضاة ومعه القضاه الأربعة للمذاهب الشرعية(الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة ) ووراءهم التجار و رؤساء الطوائف الحرف من حدادين وسباكين وحائكين وشماعين لرؤية الهلال من فوق منارة قلاوون فإذا ثبتت الرؤية أضيئت الأنوار على المتاجر والدكاكين والمآذن والمنارات وسار قاضى القضاه في موكب رائع يجمع عليه القوم في المقدمة وجمهرة العامة في الوسط والنهاية تحف بهم الشموع والفوانيس ويتقدمهم الجند وحملة المشاعل والمباخر حتى يصلوا إلى ميدان القلعة فيروا السلطان في سرادقه المنصوب ويتقدم إليه قاضى القضاه بالتهنئة ثم ينهض السلطان ليستعرض أحمال الدقيق والخبز والسكر وطوائف الغنم والبقر المخصصة لصدقات رمضان وتمرُ من أمام بعد أن يتم عرضها في مختلف الشوارع والدروب بين تصفيق المشاهدين وزغاريد الحاضرات . وأوردت المصادر أن أول ظهور لمدفع الافطار كان في دولة المماليك على يد السلطان خشقدم حيث كانت قد جاءته مجموعة مدافع وأثناء تدريب الجنود عليها خرجت طلقة وقت الأفطار فظن الشعب أن هذا إيذانا لهم بالإفطار ووجد السلطان خشقدم أن هذا الأمر فيه بركة فقال سأجريه على الناس فكانت هناك طلقتين طلقة عند الفطار وأخرى عند الإمساك . وكان السلطان برسباي يجعل الشوارع مضيئة بالقناديل منذ وقت الأفطار حتى الإمساك . وكان السلطان برقوق أكثر السلاطين سخاء فكان يهتم بأوجه البر والإحسان حيث كان يذبح كل يوم من أيام رمضان 25 بقرة ويتصدق بلحومها على الفقراء والمساكين وكان يفطر جموعاً غفيرة من الصائمين ويأمر بتوزيع الصدقة عليهم، كما اعتاد السلاطين المماليك إعتاق ثلاثين عبداً فى رمضان.وعمرت المساجد بالمصلين وأعد الدعاة الدرووس التى كانت تلقى في المساجد بين المغرب والعشاء منذ أيام الأيوبين ثم الممليك . ولقد فرض المماليك على كبار العلماء قراءة صحيح البخارى بالجامع الأزهر من أول ليلة من رمضان حتى ختام الأحاديث في ليلة العيد حيث يتم احتفال مهيب بحضرة السلطان وقضاة المذاهب ثم توزع الخلع والهبات على العلماء والفقراء والطلبة داخل المسجد وعلى الأيتام والأرامل والمرضى . فيكتمل في ليلة العيد من السرور والبهجة مما يجعل يومها التالى عيداً بروحه ومعناه قبل أن يكون عيداً بتاريخه وساعاته .
وجدير بالذكر أن الأوقاف على رمضان لم تعرف قبل العصر المملوكى فالمماليك أول من رصدوا في حجج أوقافهم العقارات والأطيان الزراعية لتنفق غلاتها في إقامة الشعائر الدينية وتوزع النفحات المالية طوال أيام رمضان وذلك لم يكون إلا عن عناية حافلة واهتمام أكيد بشهر رمضان المعظم .
وفي الريف المصرى في مصر الإسلامية خاصة في عهد الأيوبيين والمماليك أيضا كانت هناك مظاهر للإحتفال بشهر رمضان تبدأ بإضاءة المساجد والمآذن تبدأ من اليوم الأول معلنة قدومه الشهر الكريم . وكان يطوف المسحراتى في الأزقة والحارات بطبلته ومصباحه التى كانت صورة مميزة لتقاليد رمضان منذ الفاطميين وكانت تستمر الذبائح يوميا بالقري بعد أن كانت لا تشهدها إلا في المواسم المتفرقة مرتين أو ثلاثة في العام الطويل. وكذلك إلقاء الدروس الدينية في المساجد عصرا . وكان الأطفال يلتفون حول المأذنة ينتظرون الصيحة الأولى من الآذان فإذا دوت في السماء تبعها صياح وضجيج فرحاً بموعد الإفطار . وبعد ها يسعد المسلمون بصلاة العشاء والتراويح .
كانت تعقد مجالس قراءة القرآن في منازل الأغنياء ويتوافد الزائرون من كل ناحية يستمعون بتلاوة القرآن ويشربون البارد والساخن حتى يحين وقت السحور فيقدم صاحب المنزل مائدته لمن يريد ثم يتجه بعد ذلك الناس إلى صلاة الفجر بالمسجد وكانت تزدحم الشوارع وقت الفجر بالماره حتى وكأن النهار قد سبق وقته بساعات . وكان لفجر رمضان في القري له من الروعة والجمال ما لا يبلغه الوصف من حلاوة الترتيل للقرآن والخشوع في الصلاة وعلى ذلك حتى نهاية الشهر . ثم كانت توزع زكاة الفطر على الفقراء في عطف وتواد وذلك في اليوم الأخير من شهر رمضان أى في ليلة عيد الفطر .
وهكذا كان لشهر رمضان المعظم طقوسه في مصر زمن الايوبيين والمماليك وإن كان في دولة الأيوبين تبدو مظاهر الاحتفالات قليلة لإنشغالهم بالجهاد ضد الصليبيين إلا أنها ظهرت بشكل قوى في عهد دولة المماليك حيث كانت احتفالية رؤية هلال شهر رمضان وإقامة الموائد والأوقاف على رمضان في عهدهم ومدفع الإفطار أبرز ما يميز هذه الاحتفالات والمراسم في شهر رمضان المعظم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى