صورةٌ من أيامنا
ميسون حيدر | سوريا
أن يكونَ الجو ربيعياً في كانون وأن تكونَ شمسهُ ملتهبةً تغازلُ وجودنا أمرٌ ليس بالعادي لكنّ الطبيعةَ تتمردُ أحياناً على طقوسها وعادتها المألوفة.. حسناً فأنا لا أحبُّ المطر ولا أطيقُ البرد مع أننا بحاجة إليه فالمطر هو الحياة أختلف كثيراً مع أصدقائي حول موضوع محبة الفصول .لكن الظروف هي التي جعلتنا نخافُ من كلّ شيء
تابعت جولتها في السوق وهي تحدّثُ نفسها ورغم شرودها كانت تراقب واجهة المحال بحرص وتوتر
دخلت إحدى المحال
صباح الخير
أهلا تفضلي كيف أستطيع مساعدتك
حسناً أريدُ أن أسألكَ عن سعر شجرة الميلاد أريد أن أفرحَ أولادي بها
لديكِ الأصغر بخمسين ألف وأنتِ صاعدة
تنهدت بقوة وقالت: ياعفو الله ماهذه الأسعار إنّها لم تكلف خمسة آلاف وتريد خمسين ألفا
ردّ عليها بتذمر: لديك السوق كلّه إذا وجدتِ أرخص من ذلك فاشتري فأنا لا أمزح معك وليس لديّ الوقت
خرجت من المحل وهي تنظر للأرض وكأنّها تهمسُ لها أنا أمُّ لا أستطيع أن أُفرح أولادي ماهذه القسوة أيتها الحياة
هي هي سمر. ألم تريني
عفواً غادة. أهلا أهلا
لماذا تنظرين إلى الأرض.. العالم تنظر إلى فوق ههههه
سمر:لعلي أجد فيها الأمن أكثر
غادة:ماذا تفعلين في السوق؟ الأسعار نار أنا لا أتجرأ أن أقترب لكنّ طريقي من هناا
سمر: أنا جئت عامدة متعمدة أريد أن أشتري شجرة لأولادي
غادة بسخرية: “بلاجدبة” الشجرة بمئة ألف هناك أشياء أهم وأنفع
سمر: صحيح لكنهم صغار ولا ذنب لهم بشقاوة بحياتنا من العام الماضي وأنا أعدهم بها
غادة: الحمد الله كبر أولادي وهربوا من هنا تعالي معي نشرب القهوة
سمر: لا أستطيع لديّ الكثير من الأعمال
حسنا وداعا أراك بخير إن شا الله وكل عام وأنت بخير
تابعت سمر طريقها وهي تضرب أخماسها بأسداسها وهي تفكر بكيفية صمود هذا الراتب أمام هذا الغلاء الفاحش فهي لم تعد ترى في طريقها لا أشخاص لا محال لا أسعار لعلّ الدمع أفقدها حاسة البصر لكنّ بصيرتها كانت متوهجة كعادتها دائماً فمشكلتها في الحياة هي التفكير وعمق التقكير غيرت طريقها وذهبت في اتجاه خاطىء وشارع مغاير لشارع بيتها لتقودها قدماها على سبيل الصدفة الجارحة إلى سوق الذهب ولم تستفيق من شرودها إلا بعد أن كادت تصدمها سيارة يكاد يصل ثمنها إلى المليار فهي لاتعرف بأسعار السيارات ولا ماركاتها ولكنها ظنت ذلك نزلت من تلك السيارة فتاة متغنجة تهمس للشاب الذي معها:”آه حبيبي”أريد الخلخال الذي وعدتني به
توقفت سمر لتراقب المشهد ونظرت إلى واجهة المحل الذي دخلا إليه لعله الفضول لعله التمرد وربما الحسد والغيرة هما الذي جعلاها تراقب المشهد المنتهي بشراء خلخال بقيمة خمسة مليون ليرة خرجا وهو يقول لها: ما بيغلي عليك شيء اطلبي فقط
ضحكت سمر وعلت ضحكتها أرجاء المكان واستمرت في الضحك إلى أن وصلت إلى بيتها لترى أطفالها المنتظرين عبر النافذة قدوم أمّهم والشجرة التي لما تأتِ بعد