قصة قصيرة: الوجه الغائب

بقلم: هدى أحمد حجاجي | مصر
كان وجهه الغائب يطاردها كطيف لا يرحم، حاضر في كل زوايا مخيلتها، ينبض بشدة الألم والحنين. كان كقصب مثقوب، يمرّ من خلاله الهواء مثل جرح مفتوح، يحمل رياح حنين تعصف بروحها، تعزف شدو ناي يخرّب صمتها، يثقل أنين المسافات، ويزيد وحشة الدروب التي لا تنتهي.
تعبت من هذا الصوت الذي لا ينقطع، من الصدى الذي يرنّ في قلبها كل لحظة، لكنه كان سلاحًا مزدوجًا؛ هروبًا من واقع قاتم، وأيضًا سجنًا لا تستطيع الفرار منه.
لم يكن هو شمسًا تنير لها الطريق، بل ظلًا مسمومًا أفلت من بين يديها، تاركًا خلفه فراغًا مميتًا، ألمًا يقضمها في صمت، نيرانًا تخنق أنفاسها مع كل غروب.
كانت تجمع شتات ذكرياتها، تلك المختنقة بعصرة الفراق، تحاول أن تمسك بأطرافها المتداعية، بينما المجاديف التي كانت تحملها يومًا ما ذهبت مع آخر نفس من أملها.
وفي ذلك السواد، حيث لم يعد للصبر مكان، حيث يشتد وجع الانتظار حتى يكاد يقتلها، أدركت أنها لا تملك سوى أن تموت قليلًا كل يوم، أن تذوب في نار الحنين حتى لا تبقى منها إلا رماد.
قالت لنفسها بصوت متهدج، بين دموعٍ جفت وحسرةٍ لم تبرأ:
“أنا أتوب منك، أتوب عن حبٍ كسرني، عن انتظارٍ خانني، عن وجهٍ رحل ولم يعد.”
لكن حتى في التوبة، كان وجهه الغائب يضحك، كأنه يملكها بالكامل، يأبى أن يتركها تنجو من لعنة الذاكرة.




