قراءة في قصيدة سِفر العاشقين للدكتورة زينب أبوسنة
كتبها: د. أيمن أبو الدنيا
أولا – قصيدة: ﴿سِفْرُ العَاشِقينْ﴾
عَلىٰ مَوعِدٍ
دُونَما آخَرينْ
ستَصحو الشِّفاهُ
معَ الياسَمينْ
يُعربدُ شَوقيَ
بَيْنَ الحَنايا
وَيَنثرُ بالحُبِّ
وَردَ اليَقينْ
أَنا زَينبٌ
زَهوُ هَذا الزَّمانِ
وَمِنْ ضِحْكتي
يُولدُ الطَّيبونْ
يَسيرُ بِنا الحُبُّ
دون انتهاءٍ
وَنَبْقىٰ مَعًا
في فَضاءِ الجُنونْ
عَليْنَا
يُطِلُّ المَساءُ
فنَغفو
وَنَحلمُ شَوقًا
معَ الحالمينْ
وَتَنسابُ صَحوًا
خُيوطُ الصَّباحِ
وَتمسحُ بالنُّورِ
فَوْقَ الجَبينْ
وَنَضحكُ..
حتّىٰ تفيضَ الدُّموعُ
وَتَمنحُنا
شارةَ العاشِقينْ
سَنوقفُ دَقَّاتِ
هذا الزَّمانِ
وَنَبقىٰ مَعًا
حَيثُ نَبقىٰ..
يَكونْ
علىٰ وَجنَتَينا
يَنامُ النَّدىٰ
وتُشرقُ
شَمسُ الضُّحىٰ
في سُكونْ
وَنُهدي
رَشْفَةَ حُبٍّ لكلٍّ
مِنَ الظَّامِئينَ
لشَهدِ الحَنينْ
نُشَيِّدُ مِحرابَ
حُسنِ الدَّلالِ
فَيأتون صَوْبَ
الجَمالِ المُبينْ
هو الحُبُّ يَسعىٰ
ويُفضي إِلينا
كما النِّيلُ يَجري
طَوالَ السِّنينْ
ويَسْطعُ
في اللَّيلِ قِنْديلُنا
علىٰ فرحَةٍ
لم تَسَعْها العيونْ
أَنا جَنَّةٌ
فَوَّحَتْ عِطْرَها
وَمَا زِلْتُ أَحْلمُ
في كُلِّ حِينْ
بسِدْرةِ عِشْقٍ
تَضُمُّ الحَكايا
فنُحسَبُ
مِنْ زُمرةِ المُغْرَمينْ
ثانيا- القراءة الأدبية
إنه حال العاشقين في يقظتهم ومنامهم فهم دومًا على موعد جديد مع الحب مع اللهفة مع الشوق موعد مع السعادة حيث قلب الحبيب.. عيون الحبيب.. زهور الياسمين وشذاها وجمال وبهاء الحب والحبيب.. حينما يفيض كشلال جارف يتخلل القلب والروح، مفعم بالمحبة واليقين والأمل في حياة يملؤها الحب والصدق والنور والجمال.
أنا زينب زهو هذا الزمان
ومن ضحكتي يولد الطيبون
زينب تلك الجميلة المزدانة بكل جمال طيبة القلب نقية الروح ابنة نيل مصر الوفية الطيبة سلطانة الشعر هكذا أراها ويراها الكثيرون؛ لكن المفاجأة أنها أيضًا ترى نفسها هكذا وأكثر في سِفر العاشقين ولسان حالها يقول: خاسر من عرفه الناس فأحبوه ولم يعرف نفسه ليحبها. فهي المُحبةُ العاشقة لكل جميل وصادق ونبيل وهي الجديرة بكل محبة المزدانة بكل جمال وبهاء.
يَسيرُ بِنا الحُبُّ
دون انتهاءٍ
وَنَبْقىٰ مَعًا
في فَضاءِ الجُنونْ
عَليْنَا
يُطِلُّ المَساءُ
فنَغفو
وَنَحلمُ شَوقًا
معَ الحالمينْ
وَتَنسابُ صَحوًا
خُيوطُ الصَّباحِ
وَتمسحُ بالنُّورِ
فَوْقَ الجَبينْ
يسير بنا الحب.. الله حينما يُسيرُنا الحبُ صَوبَ الأماني السعيدة حيث الفضاء الرحب.. حيث جنون الحب الذي لا يعرفُ منطقًا ولا يعترف به وهل يسير المجنون وفق ضوابط تحكمه.
علينا يطل المساء.. يطل المساء ويأتي الصباح فنحيا بأجمل شعور محلقة قلوبنا في سماء مزدانة بالنجوم تشرق شمسها بنور المحبة ويُحلق الطير في أرجائها حيث الفضاء الرحب ينثر عبيره في كل مكان لتشدو الطيور بعذب الألحان.
وتنسابُ صحوًا خيوطُ الأماني.. لتمسح أحزاننا وآلامنا وخوفنا من فقد الحبيب بالنور يسري بالقلوب ليمحو كل ظلمة وُيبددُ كل خوف وحيرة.
وَنَضحكُ..
حتّىٰ تفيضَ الدُّموعُ
وَتَمنحُنا
شارةَ العاشِقينْ
سَنوقفُ دَقَّاتِ
هذا الزَّمانِ
وَنَبقىٰ مَعًا
حَيثُ نَبقىٰ..
يَكونْ
علىٰ وَجنَتَينا
يَنامُ النَّدىٰ
وتُشرقُ
شَمسُ الضُّحىٰ
في سُكونْ
ونضحك حتى تفيض الدموع.. ياله من تعبير ينبض بالجمال حيث لانعرفُ العاشقين إلا إذا فاضت ضحكاتهم بالدموع كما تقول السلطانة وهي العاشقة الحالمة المحبة لكل جميل وما أجملها حين تكتب عن العشق الإلهي وهي سلطانة العاشقين.
سنوقف دقات هذا الزمان..وكم عاند هذا الزمان عشاقًا وخالفهم وكم بات الكثير منهم على المحبة والود والأماني الوارفة فإذا بهم يستيقظون على فقد حبيب وهجران خليل ونكران ودّ وقلوب محطمة.. فليت دقات الزمن توقفت عند لقاء الحبيب وبسمات الحبيب ونقاء المحبة وفرحة اللقاء.
الله..
على وجنتينا ينام الندى
وتشرق شمس الضحى في سكون
ما أجمل هذه الكلمات وأعذبها وأنداها وهي تصف مشاعر الحبيب وإحساسه وفرحته بلقاء المحبوب وكأن الأوقات تمر في سرعة خاطفة من فرط جمال الوصل مع الحبيب فلا تشعر الحبيبة بالوقت وهو يمر سريعًا حتى أن ندى الصباح تعانقه شمس الضحى في ود ومحبة وسكون مع أن ضوء الشمس في طبيعته لا يأتي هادئًا ولا ساكنًا ولا خافت الضوء أبدًا.. لكنه الحب الذي غَيَّرَ قوانين الطبيعة في قلب المُحِب وعقيدة العاشقين.
وَنُهدي
رَشْفَةَ حُبٍّ لكلٍّ
مِنَ الظَّامِئينَ
لشَهدِ الحَنينْ
نُشَيِّدُ مِحرابَ
حُسنِ الدَّلالِ
فَيأتون صَوْبَ
الجَمالِ المُبينْ
هو الحُبُّ يَسعىٰ
ويُفضي إِلينا
كما النِّيلُ يَجري
طَوالَ السِّنينْ
ونهدي رشفة حبٍ لكلٍّ.. من الظامئين لشهد الحنين.. هي لا تكتُب شعرًا إذن.. لكنها تنثر ورود محبة على قلوب العاشقين حيث يفيض من قلبها كشهد عذب تسقيه بيديها للأحبة المخلصين فلا حب دون وفاء ولامحبة دون تضحية وفداء وعطاء.نُشيد محراب حسن الدلال..وقد شيدنا محرابا للجمال لينشده كل قلب محب للسحر والحسن والجمال..هو الحب يسعى كما النيل يجري طوال السنين.. وماذا يمكنني أن أضيف وقد شَبَهتْ الحب في عطاؤه بالنيل في جريانه حيثُ الخِصبُ والنماء والحياة فعلى ضفافه تزدهر الأشجار اليانعة ومن مائه يرتوي العطاشى وفي جوفه أودع الله سبحانه وتعالى الرزق والخير الوفير لعباده.. وكأن الشاعرة حينما تصف الحب بالنيل تقول لنا أن الحياة الحقيقية لا تكون حياة إلا بالحب والحب نبع صافي به تزدان الحياة.
ويَسْطعُ
في اللَّيلِ قِنْديلُنا
علىٰ فرحَةٍ
لم تَسَعْها العيونْ
أَنا جَنَّةٌ
فَوَّحَتْ عِطْرَها
وَمَا زِلْتُ أَحْلمُ
في كُلِّ حِينْ
بسِدْرةِ عِشْقٍ
تَضُمُّ الحَكايا
فنُحسَبُ
مِنْ زُمرةِ المُغْرَمينْ
ويَسطَعُ في الليل قِنديلُنا.. وقنديل المحب إنما هو قلبه الذي يرقص فرحًا بلقاء الحبيب فلا يحتاج الحبيب قنديلًا ينير له ظلمة الليل فقد فاضت أنوار المحبة بقلبه لتضئ أرجاء المكان والزمان..
أنا جنة
فوحت عطرها..
وهل هناك أعظم أو أجَلُ أو أسمى
مكانة من الجنة..
فكم ذاب حبًا في طلبها العابدون
وكم بذلوا أرواحهم من أجلها شهداء ومريدون..وما كان طلب الجنة إلا من مُحبٍ يَعلمُ قدرها والشاعرة هنا تسمو بمشاعر الحب إلى أعلى درجات السمو ولسان حالها يقول: أنا لا أدعو لمحبةٍ وعشقٍ عبثي لا أصل له ولا مكانه.. لكنني أدعو إلى حب مستقيم مُلهم نبيل يرتقي بالأحبة إلى مصاف العابدين.. فما زلت أحلم بأن يملأ الحب عالمنا ليعم الخير والمحبة والسلام حين نصل بالحب إلى أعلى مكان وأسمى مكانه وحينما تنبض القلوب بالصدق والمحبة واليقين.
وفي نهاية هذه القراءة المتواضعة لقصيدة سفر العاشقين لسلطانة الشعر الدكتورة زينب أبو سنة. أقول لها وللقراء المحترمين. أنا لا أكتب كثيرا عن قصائد أقرأها.. لكنه الجمال الذي يحرك الفؤاد ويُلِح عليه كي يُعبر عن إحساسه مُحبًا صادقًا واصفًا لروعة الكلمات والمعاني..قارئًا ما بين سطوره من نبضات قلب لشاعرة عاشقة للمحبة والصدق والجمال ومتعلمًا من حروفٍ تحمل الحب والنور والدهشة والإلهام.. وإن كان الجمال دومًا معبرا عن نفسه يدعو أحباؤه ومريدوه إلى سِفر العاشقين.