بقلم: د. أحمد الطباخ
(سنوات والمنصور يأمر ولاته بالعثور على معن بن زائدة وقتله ثم تفاجأ المنصور بأن معن يقاتل معه وبجانبه)
كان معن بن زائدة الشيباني أحد القادة العسكريين بينما كان والي العراق زمن الأمويين هو يزيد بن هبيرة، فلما اندلعت الثورة العباسية ووصلت جيوشها إلى العراق عام 749م استبسل معن الشيباني في قتال العباسيين والدفاع عن الدولة الأموية، لدرجة وصلت روايات بأنه هو من قتل قائد الجيوش العباسية قحطبة الطائي، وكذلك قاد عدة معارك وحركات تمرد ضد العباسيين، فجد الخليفة العباسي أبو العباس السفاح وأخيه أبو جعفر المنصور في البحث عنه.
وعندما تولى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الحكم، استمر في البحث عن معن بن زائدة الشيباني وكان يرسل للولاة بشكل مستمر أن يعثروا عليه وأعلن المكافآت المالية لتحقيق هذا الأمر، حيث كان أبو جعفر المنصور ينظر لمعن بن زائدة بأنه خطر متحرك قد يقود ثورة ضده، وكذلك ينظر له بنظرة الخصم الذي أضر بالجيش العباسي زمن الثورة.
وأما معن الشيباني فخلال سنوات هروبه وإختفائه عاش لسنوات في الصحراء، لدرجة أن وجهه تغير لشدة حرارة الشمس، واستمر معن في الصحراء إلى أن ابتكر خطة للاختباء، وهي بأن يقوم أحد معارفه الموثوقين بشراء بيت له بجانب قصر الخليفة المنصور، وبالفعل تم شراء البيت، ونجح معن الشيباني في التسلل له والسكن فيه، وبقي معن حبيس هذا البيت، وخادمة يتصرف أمام الناس بصفته صاحب المنزل، وأما أبو جعفر المنصور فاستمر بالإرسال لولاته أوامرا بالعثور على معن، ولا يخطر ببال المنصور أن عدوه يسكن بجواره.
واستمر الوضع على هذا الحال إلى عام 759م، حيث في إحدى الليالي استيقظ معن بسبب أصوات غريبة قادمة من أمام قصر الخليفة، وحينما نظر من النافذة، وجد جماعة من الفرس الرواندية يحملون في الوسط رجل يتشبه بالخليفة المنصور في ملابسه وجلوسه على عرشه، وأما البقية فيدورون حوله ويهتفون: (أبو جعفر يا منصور يا رب البيت المعمور).قال ابن جرير: فأتوا يوما قصر المنصور فجعلوا يطوفون به ويقولون: هذا قصر ربنا.
وتظن هذه الجماعة الرواندية بأنهم عندما يكفرون بتأليه المنصور سيقوم المنصور بتقريبهم وتعيينهم في المناصب، وأما المنصور فعندما رآهم استهان بهم وأخذ معه عددا قليلا من الحرس وخرج ليقتلهم بنفسه.
وعندما خرج المنصور وحرسه ووقع القتال، تفاجأ المنصور بأنهم مسلحون وماهرون في استعمال السيوف فكاد أبو جعفر المنصور يلقى حتفه في تلك الليلة.
ودارت المعركة أمام قصر الخليفة ومعن ينظر لها من النافذة ويشاهد الخليفة وهو يقاتل بنفسه، وأصبح في داخل معن رأيان، الأول أن يبقى مراقبا فإذا انتصر الخليفة يبقى آمنا وإذا قُتل الخليفة يستريح من عدوه، وأما الرأي الثاني والذي يحركه النخوة فهو أن يخرج ويقاتل بجانب الخليفة المنصور.
فمال معن للرأي الثاني، فحمل سيفه ولبس خوذة تخفي وجهه، وخرج من بيته وقاتل في صف الخليفة، وذهب للخليفة المنصور وقال له: “يا أمير المؤمنين ارجع! نحن نكفيكهم”، فرفض المنصور الرجوع واستمر في القتال راجلا.
واستبسل معن في القتال بقتل عدد كبير من الرواندية، وكان يرتدي القناع الحديدي، وانتبه له الخليفة وحار في هويته، فكان النصر على يده، وانتهت المعركة بإبادة الرواندية.
وبعد إنتهاء المعركة ترك المنصور كل شيء وخاطب معن قائلا: ويحك، من تكون؟
فكشف معن لثامه، وقال: أنا طلبتك معن. فسر المنصور به، وقدمه وعظمه، وأسكنه في قصره لأشهر، ثم قام المنصور بتعيين معن واليا على اليمن، واستمر معن واليا على اليمن حتى عام 768م، ثم واليا على السند التي تعاني من تمرد الخوارج، ونجح معن في قمع الخوارج وإنهاء تمرد سيستان واستمر حاكما على ولاية السند إلى أن قتل غدرا عام 770م على يد رجال من الخوارج دخلوا قصره لمقابلته بحجة أن لهم مظلمة.
وبعد مقتله قام المنصور بإكرام أبنائه فقام بتعيين ابنه زائدة بن معن واليا على اليمن، وأما ابنه الآخر شراحيل بن معن فعينه واليا على السند وجعله أحد قادة الجيش، وكثر الولاة والقادة من القبيلة الشيبانية في زمن الدولة العباسية.
مصدر القصة: البداية والنهاية، ابن كثير