عزفنا سيمفونية الحجر بصحبة الشيخ سالم العبري
بقلم: محمد سليمان المدفع| كاتب سوري
قيل إن للسفر خمس أو سبع فوائد، وأنا أؤكد من خلال تجربتي الطويلة في الترحال أن له فوائد لا تحصى. فكل حدث أو تفصيل يمر به الرحالة هو فصل هام في تجربته.
وأهم هذه الفوائد الثقافية والاجتماعية؛ هي توفير مجال أوسع للتواصل مع أشخاص ذوي ثقافات وتجارب يُحتذى بها ومن الواجب التنويه عنها.
فكيف وإذ كانت رحلتي اليوم دعوة كريمة، وصحبة رجل كالشيخ سالم بن محمد العبري، أحد شيوخ قبيلة العبريين في سلطنة عُمان الشهيرة بكرمها وعراقة أصلها وهو رجل علم وثقافة وسياسي أمضى ثلاث دورات في مجلس الشورى العماني، وعمل كملحق ثقافي وإعلاميّ للسلطنة في القاهرة، وشغل وظيفة مستشار بوزارتي الإعلام التعليم العالي.
استقبلني الشيخ سالم العبري في بيته العامر، لننطلق سويا بصحبته أنا وناصر ابوعون رئيس تحرير جريدة عالم الثقافة الدولية برفقة ابنه الأصغر أحمد ناصر باتجاه ولاية الرستاق إحدى ولايات محافظة جنوب الباطنة لزيارة قلعة (الحزم)، أوقد أُستقبلنا بحفاوة بالغة كضيوف عند الشيخ سالم من قبل مشرفي القلعة الذين أبدوا كثيراً من الاحترام والتقدير للشيخ ولنا.
قدم لنا المرشد السياحي شرحاً مفصلاً عن قلعة الحزم، حيث بناها سيف بن سلطان عام 1711 م، ولها ثلاثة أبواب لا تلتقي بممر واحد، وفيها مدافع أثرية وسلالم وممرات سرية، ومساقط أعلى المدخل لصب الزيت أو عسل التمر المغلي على المهاجمين، كما يوجد فيها سجون وغرف خاصة للإمام وعائلته ومدفن يضم قبور الأئمة.
ثم أكملنا مسيرنا إلى (وادي السحتن)، وأفاض علينا الشيخ بالشرح عن المنطقة التي تنتمي إليها عشيرته. ثم مررنا بأول قرية في الوادي (الطباقة) ثم قرية (الخضرا) و(وادي بني عوف) ومركز الوادي في (عمق).. ويسهب الشيخ سالم بكل هيبة وتواضع ومعرفة في شرح تفاصيل الأماكن حتى وصلنا إلى (الفرّاعة) وكان لنا استراحة في بيت أحد معارف الشيخ تناولنا الفواكه والتمر والقهوة العمانية الطيبة. وعندما سئلت عن انطباعي عن (وادي السحتن)؛ فأجبت بأنني احسست أن هذه الأحجار تنطق بل تعزف (سيمفونية الحجر).
تابعنا المسير إلى بولاية (الرستاق) في الجزء الشمالي من سلطنة عمان، وتتمثل بكونها تجمع لواحات النخيل (حولي 170 قرية) تعتمد بالدرجة الأولى على نظام الأفلاج التقليدي لاستخراج المياه من باطن الأرض لتجري على السطح على شكل أنهار صغيرة وجداول تمتد لآلاف الأمتار، وتحصى أعدادها بالعشرات أو ربما المئات في الولاية.
وفي نهاية الجولة في الرستاق حٌضرت الذبائح على شرف الشيخ سالم وصحبه، تناولنا الطعام والشراب وسط إستقبال شعرنا بحضور وهيبة الشيخ سالم العبري في كل مكان ننزل فيه.
ختام الرحلة كان مدينة (نخل) حيث زرنا (نبع الثوارة) الكبريتي، وحصنها الأنيق المعمار المبني من الجص والحصى والرمل والطين والحجارة الكبيرة في عهد ما قبل الإسلام. تم تجديدها في القرنين الثالث والعاشر الهجري خلال فترة حكم أئمة بني خروص واليعاربة.
ثم عدنا إلى مسقط، وكنت أسمع، ونحن في السيارة، الشيخ يرتل بصوته شعراً فيه شجن وعذوبة عرفت أنه يجمع المجد من كل أطرافه.
في النهاية لابد أن أسجل أن الشيخ سالم العبري الذي أكرمني باستقبال بهي، رجل يوزن بالذهب ويدخل القلب بدون استئذان.
…………..
هامش:
محمد سليمان المدفع، كاتب سوري من مواليد الرقة 1958، سورية مترجم عضو في السجل الوطني للمترجمين المحلفين في بلجيكا ومن أهم كتبه:
– كتاب (بل اذهب لترى – دعوة إلى الترحال) دار سامح للنشر في السويد.
– كتاب (ثلاثة أسابيع في غرب أفريقيا – جمهورية بنين، موطن السحر الأسود وتجارة العبيد).
– كتاب بالفرنسية DE LA GUERRE À L’ ACCUEIL “من جحيم الحرب إلى بر الأمان” عن اللاجئين السوريين في بلجيكا
– في مجال الترحال: زرت حتى تاريخ اليوم 67 بلداً في مختلف قارات العالم.
– 1979 حاصل على شهادة الدروس العالمية للغة الفرنسية من جامعة ديجون.
– 1982 حاصل على ليسانس في اللغة الفرنسية وآدابها من جامعة حلب – سورية.
– 1991 حاصل على شهادة دولية لتأهيل مدرسي اللغة الفرنسية من مركز علم اللسانيات التطبيقي CLA في جامعة فرانش كونتيه في بيزانسون – فرنسا.
– 1996 حاصل على منحة فرنسية لإقامة علمية علمية عالية المستوى لموجهي اللغة الفرنسية في المركز الدولي للدراسات التربوية CIEP في سيفر – فرنسا.
– 2014 شهادة حضور محاضرات في القانون الدولي وحقوق الإنسان في المدرسة الملكية العسكرية في بروكسل.
– قبل سفره من سوريا كان بوظيفة مدرس وموجه اختصاصي للغة الفرنسية في محافظة الرقة.