زمنٌ خاطىء.. قصة قصيرة

محمد حسين | كاتب فلسطيني – سوريا

 

الأظافرُ التي اعتادتْ طلاءها في المساء، كسرت أجنحةً صمتِها ، الموسيقا الصاخبة التي فرغت حممُ براكينها نامت على زند الهدوء، لم تكن تعلمُ أن طربوشَ والدها يماثلُ طرابيشَ كثيرة في الواقعِ المزيف، كانت تأملُ أن يكونَ مختلفاً قليلاً، فعاشتْ هندُ وهي تبني أبراجاً من الأحلام عن فتى المستقبل عندما كانت طالبةً في الثالثِ الثانوي، كان همُها الوحيد النجاح لدخولِ عالمِ الجامعة التي حلمتْ بها، بعد جهدٍ كبيرٍ نجحت بتفوق وأصبحت طالبةً جامعيةٌ، تعرفت على زملاءَ كثر هناك، إنه عالمٌ آخر بالنسبة لها ابنة القرية الريفية ، أعجبتْ بزميلٍ لها لم تستمر علاقتها معه إلا شهوراً ، فقد حضرَ( عريسُ الغفلة) شابٌ تعليمه بسيطٌ من القرية نفسها يطلبُ يدَها. ترفضُ هند الزواجَ بشدة، تريد أن تكملَ تعليمها ، وبعد أخذٍ وردٍ وضغط من كل أفراد العائلة( يبدو أن الكل يلبس طرابيش الواقع المزيف هنا) توافق هند وتضع شرطاً لزواجِها هو متابعة دراستها الجامعية، يوافق جمال على هذا الشرط، يتم الزواج ضمن الأعراف المتبعة.
لم يكن يملك زوجها بيتاً فأسكنها عند أهله،
كان والدهُ سكيراً يشربُ على مدارِ الساعةِ ويرتادُ حاناتِ الليل، والدتُه في مشاحناتٍ يوميةٍ مع والده ، بقيةُ أفرادِ العائلة يعانونَ من مشاكلَ متعددة،
تطلبُ هند أن تسكنَ لوحدِها لكي تتمكنَ من الدراسةِ ومتابعةِ حياتها بشكلٍ طبيعي فيرفض طلبها ،
يتأزم الخلافُ بين هند وجمال الذي أصبحَ يرتادُ أماكنَ السهرِ الليلي والسُكر، وبعد محاولاتٍ عدة لإصلاح هذا الوضع الذي استمرَ لسنوات، تطلب هند الطلاقَ وتذهبُ إلى بيتِ العائلة ، يبدأ الهجومُ العنيف عليها من قبل أهلها
_ ماذا ستقول عنك الناس الآن مطلقه كيف سينظرون لك ؟!
هند: أنا إنسانةٌ، تزوجتُ ولم أستطعْ إكمالَ مشواري مع زوجي وانفصلنا ، هل هذه جريمة يعاقب عليها القانون والدين ؟!
والدها: لا لكنَ نظرةَ المجتمعِ للمرأةِ المطلقةِ نظرةٌ سيئة وأنا وأمك وأخواتك لا نحتملُ حديثَ الناس…
إذا أصريتِ على موقفكِ عليكِ ألا تخرجي من البيت ولا تذهبي إلى الجامعة .
تدخلُ هند في حالةِ انهيارٍ كامل، حتى أصبحت ترى النهارَ ليلاً ، جثةٌ تتحرك بدونِ أحاسيس،
يا رب ما هذا الواقع المستبد الذي يحيل الورد إلى أشواك ماذا أفعل !
في ليلةٍ قمريةٍ ضوؤها يتسللُ من زوايةِ الغرفة، يرنُ هاتفُها، تنظرُ إليه بحيرةٍ، هذا الرقم غريب تترددُ في الردٍ ثمَ ما تلبثُ أنْ تردَ بعد تكرارِ الرن..
هند: ألو
صاحب الرقم: مساءٌ الخير يبدو أنني أخطأتُ الرقم أنا آسفٌ جداً .
يتابعُ صاحبُ الرقم الحديثَ وهند تستمعُ إليه بعنايةٍ
كانَ صوتُه يرشقُ روحَها الجافةَ برذاذِ الياسمين ، تتعرف هند على صاحبِ الرقم لكنَ الزمانً والمكانَ كان خطأً، لم تستطعْ أن تفعلَ شيئاً سوى الحلم ،لم يستطع أن يعاندَ الواقعَ خوفاً عليها ، لكنهما استمرا بربط روحيهما بحبلٍ سري لا يعرفه أحدٌ ، بعد عامين تعودُ هند إلى واقعها لأن طريقها مرصوفٌ بطرابيشَ لا ترى شيئاً ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى