ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والجبابرة (5)
محمد زحايكة | القدس – فلسطين
إبراهيم ملحم.. ” بلسم الحكومة ” وحالة إعلامية مدهشة قد لا تتكرر؟
كانت الإطلالة الأولى للصاحب على عالم إبراهيم ملحم.. هذا الإعلامي الخطير أثناء حرب الخليج الثانية وهو يرسم العناوين الرئيسية والافتتاحية وسياسة التحرير الباهرة في جريدة الشعب المقدسية كما علم الصاحب من أكثر من مصدر موثوق في حينه، وينافح بقلمه المهول عن بلد عربي عريق يعتبر رمزا للحضارة الإنسانية الضاربة في أعماق التاريخ.. وهو العراق الذي فقدناه وضاع أخيرا ضمن مؤامرة استعمارية كبرى ما زلنا نشهد فصولها المتلاحقة لتمزيق العالم العربي شذر مذر حيث حقق الغزاة وربيبتهم إسرائيل الكثير على هذا الصعيد.. للأسف الشديد؟ ما علينا؟
كان الصاحب يتابع هذا النفس القومي المتأجج في جريدة الشعب حيث علم أن صاحب هذه اللمسات والبصمات الفوارة والمشحونة بالتألق والتمرد على الواقع الذليل البائس هو الزميل إبراهيم ملحم ، ذلك الإنسان الحيي الخجول الذي يمارس مهنة “صاحبة الجلالة في الزنزانة ” بصمت وهدوء ولكن باقتدار وعنفوان مشهود.. ولا ادري حتى اليوم كيف تم تمرير خبر “ملغوم” ، فبركه الصاحب على الصفحة الأولى في جريدة الشعب من وحي أجواء حرب الخليج وفرقعة صواريخ الحسين في سماء المنطقة.. وصورة صدام التي ظهرت في القمر والعنزة التي تكلمت في النقب وأخبرت عن ظهور السفياني والمسيح المخلص والهيجان الشعبي العارم.. وما شابه من قصص خرافية.. ملخصه يقضي بأن مواطنة من ضواحي القدس قد صحت منتصف الليل على صياح الديك وهو يصيح باسم الرئيس العراقي صدام حسين.. ص د ا م؟ وحين أشرقت أنوار الفجر وفتحت المواطنة باب خم أو قِن الدجاج وجدت الديك قد نفق؟ ربما في نبوءة متقدمة لمصير صدام في النهاية؟
المهم.. أن أحد الخواجات من المستعربين الذي قال إنه من الجامعة العبرية اتصل في اليوم التالي مستفسرا عن فحوى الخبر.. فأنكر الصاحب علاقته بالخبر لأنه ببساطة لم يذكر عليه المصدر.. ويظن الصاحب أن ملحم وهيئة التحرير في جريدة الشعب، لا بد أنهم غمزوا من قناة الصاحب على هذا “التسلل” المهضوم أو ” التمريرة ” المراوغة، حسب المصطلحات التي يبرع ويبدع فبها ملحم الذي عمل محررا رياضيا لفترة من الزمن .. ولكنهم اعتبروها من قفشات الصاحب ونهفاته التي لا تتوقف ومروا عليها مرور الكرام..
ودهش الصاحب خلال متابعته لمسيرة إبراهيم ملحم الإعلامية الحافلة بمفرداته المبهرة ولغته الصحفية السلسة وتحليله الرصين المنطقي واصطياده العبارات والمصطلحات المذهلة والمدهشة من واقع الحياة اليومية والتي تغدو بعد ذلك ماركة مسجلة باسمه في عصر السطو على الملكات الفكرية، وأن اقتبسها الكثيرون بعد لأي وتنافسوا في تقليدها، لما فيها من طزاجة ولذاذة كما وصفها الصاحب في مقالته ” أقلام تعجبني” عن إبراهيم ملحم وقلمه العابر للحدود في جريدة القدس والمترع بالجماليات الأنيقة ذات سنة .
المدهش في تجربة إبراهيم ملحم، عمله الدائب على تطوير نفسه وادواته حيث خاض غمار معظم انواع وأشكال الصحافة المطبوعة والمرئية والمسموعة من رياضية وسياسية وثقافية واجتماعية وتقديم برامج تلفزيونية منوعة وغيرها من أشكال ومضامين الصحافة وبرع فيها جميعا إلى أن وصل إلى ناطق باسم الحكومة أو ” بلسم الحكومة ” حاليا وهذه من بنات أفكار الصاحب؟ ورأينا كيف سطع نجمه وتألق في تلخيصاته المثيرة من السهل الممتنع حول جائحة كورونا .
والصاحب يزعم أن إبراهيم ملحم جاء من مدرسة صحفية تحتفي بالكلمة الجذابة المشرقة والعناوين اللافتة الذكية المحيرة، والسرد الممتع المدهش الذي يخلب لب وعقل القارئ ويجعله “يهجم” على المادة الصحفية ليأتي عليها كلها، ويشبع نهمه منها وكأنها طبق حلوى لذيذ أو منسف ساحوري من لحمة خروف “رمسي” طري ولين كالزبدة.. وهذه المدرسة من الصحافة لها فرسانها المعدودين على الأصابع في بلادنا.. يظن الصاحب وبعض الظن إثم، أن ملحم هو رائدها وقبطانها بامتياز وبدون منازع.
وفوق ذلك، إذا استمعت إلى ابراهيم ملحم سرعان ما تكتشف عمق اطلاعه وحديثه الشيق في الشأن العام وأحكامه الموضوعية المبنية على دراسة مستفيضة لمختلف زوايا القضية المطروحة، فلديه ميزان حساس في تقليب القضايا والحكم عليها بتؤدة وتبصر بعيدا عن المزاجية والهوى وتقلب الآراء والنفوس.. وهو على استعداد تام لتصويب نفسه إذا شعر أنه غالى أو كان قاسيا في قضية ما، من القضايا الشائكة التي طالما طرحها للنقاش بأوسع هامش من الحرية المتوافر وهو ما ينم عن شخصية راقية تعرف حدودها وإمكانياتها وقدراتها جيدا دون تنطع او مغالاة أو فشخرة زائدة ..
كما يمتاز إبراهيم ملحم بطاقة إيجابية هائلة من خلال ترحيبه بنتاجات ومواد زملائه الصحفيين وتحريرها بمهارة ووضع لمساته الجميلة والأخيرة عليها بحيث تخرج في أزهى ثوب بديع ممكن تحريرا وتوضيبا ومونتاجا واخراجا مع اهتمامه الكبير بالصورة التي تساوي ألف كلمة..
إبراهيم ملحم.. طاقة إعلامية مبدعة وخلاقة وموسوعية ونظرته إلى الأمور شفافة وموضوعية ومتسقة مع روحه الجميلة وابتسامته الوادعة المرتسمة على محياه على الدوام ونظراته الحانية وعقله المتفتح وقلبه المشرق بالفرح والحب لكل من حوله.. ليت لنا من أمثاله الكثيرين، لنشتهي ونشعر بمذاق وطعم ساحر ممتع للحياة .
مزيدا من التقدم والابداع والحضور الطاغي لهذا الإنسان الراقي النبيل..