في آلية الانحطاط
الدكتور خضر محجز | مفكّر فلسطيني
الانحطاط نزول من مرتفع. وكل نزول سهل على من لا يحبون صعود الجبال.
إن تحول الشريف إلى وضيع، لأسهل كثيراً من تحول الوضيع إلى شريف.
يمكنني القول بأن الوضيع لا يصبح شريفاً أبداً، فيما يمكن للشريف أن يتضع.
بكلام آخر:
أنت لا تستطيع أن تتحضّر إذا عاشرت المنحطين، فالانحطاط مرضٌ معدٍ، في الأسلوب والمحتوى. فتعودك على سماع نهيق الحمير، سيجعل تغريد العصافير لديك من بعد مستغرباً.
فإذا قلت لنفسك: سأعاشر المنحطين، دون أن أتأثر بهم، أخطأت: لأن ما سيحدث من بعد هو الآتي:
1ـ في البداية سوف تسمع الكلام المنحط، فتصمت وتنكر في قلبك. وربما تحاول إصلاح الانحطاط ولكنك لن تنجح، فالانحطاط له عادات تتأبّى على السمو، إذ هو يرى أنك أنت الغريب المنحط، ويطمع في أن تنزل إليه. وإن للكثرة قوةً قليلاً ما تخيب.
2ـ فإذا واصلت التواصل مع المنحطين، فسوف تعالج نفسك على عدم الاعتراض على حطتهم، لكي يستمر التواصل. وبهذا يصبح الانحطاط لديك أمراً واقعاً.
3ـ وكل أمر واقع يصنع أدوات قبوله، بمرور الزمن. ومن هنا تكتشف بعد مدة أنك صرت ترى الانحطاط أمراً مقبولاً.
4ـ من هنا تبدأ في التحول إلى منحط، يعيش بين المنحطين، ويستعذب نهيق الحمير ويستغرب تغريد البلابل.
أتدري لم حدث هذا معك؟
لأنك قبلت بما قيل عنه المساواة. وما علمت أن المساواة إنما تكون أمام القانون فحسب.
جرب أن تقول لمنحط إن الشتائم عيب، ثم انظر كيف سيقدم لك ألف دليل، على جمال الانحطاط.
لقد عايشت أناساً لم يقرأوا من السيرة النبوية إلا قول أبي بكر لكافر: أمصص بظر اللات.