جيل يغبط جيلا
د. أحمد الطباخ | مصر
كنا نغبط الجيل الذي سبقنا بأنه كان أسعد حظا منا في أنه نال قسطا وافرا من التعليم الجيد على يد كوكبة من العلماء والأساتذة الذين كانوا يتمتعون بالخلق الرصين، والعلم الغزير، والتواضع الجم، والأبوة الحانية، والإدارة الحازمة، والثقافة الواسعة، والتفاني في أداء عملهم بهمة ونشاط قلما نجدها اليوم في هذا الجيل، فقد كانت المدرسة والمؤسسة التعليمية مصنعا للتربية والتعليم كما كانوا يطلقون على تلك الوزارة التي تشرف على التعليم آنذاك، فلا تجد من المعلم إلا كل حب وتقدير لطلابه، لا يشغله سوى أن يؤدي واجبه، ويبلغ رسالته عن حب وقناعة، بأنه ما خلق إلا لذلك، فيسعى في سبيل ذلك باذلا كل جهده ووقته في سبيل أن يؤدي ما عليه دون أن ينتظر جزاء، ولا شكورا من أحد، وكان المدير في المؤسسة التعليمية يقوم على ذلك بنفس هذه الروح.
أما البيت فدوه لا يقل عن دور المؤسسة فإنه يحرص على أن يتواصل مع هؤلاء عن طريق ولي الأمر الذي لا يكل ولا يمل في سبيل أن يهيء لأبنائه ذلك الجو الأسري دون اختلاق لمشكلات، وإنما بروح المودة والرحمة والسكينة التي كانت تعشش على تلك البيوت آنذاك.
كنا نعتقد أننا لم ننل ما ناله أساتذتنا من جو علمي مثلما حصل لهم فكنا نغبطهم وهم يتحدثون لنا، ويقصون عن معلميهم الذين تلقوا العلم على أيديهم من ريادتهم وتفردهم، وأنهم كانوا علماء يبذلون جهدهم وطاقتهم ووقتهم؛ ليعلمونهم دون تقصير، وكنا نظن أننا أقل حظا منهم، فلما توالت الأيام رأينا أننا أسعد حظا من تلك الأجيال هذه الأيام التي لم تجد مدرسة تحتويهم، ولا معلما يؤثرهم على دروسه الخصوصية، وشكواه الدائمة التي لا تنتهي من قلة ذات اليد، وشح الأيام عليه بما يريد، ومقارنته بغيره، وإحساسه بأنه مقهور ومظلوم ومغبون بالقياس إلى غيره من أصحاب الرواتب العالية والدولارات الخليجية.