صديقنا المثقّف.. غريب الأطوار
بقلم: رشيد مصباح (فوزي) | المغرب
جئتُ اليوم أحكي لكم حكاية عن أحد الأصدقاء؛ متقلّب المزاج غريب الأطوار، وأنا متيقّن من أنه لابد أن يكون هناك؛ في كل بيت وحيّ، وفي كل بلدة ومدينة، نموذج وشبيه له: وسبحان من “يخلق من الشبه أربعين”.
وصديقنا هذا الذي أردتُ أن أكتب عنه اليوم، شخص متعلّم، ولا أقول مثقّف حتى لا أتعرّض لمزيد من اللّوم والعتاب، كما حدث لي مع أحد المعارف الذي لامني بشدّة حين وصفتُ صديقي هذا بالشخص المثقّف وقال لي بالحرف الواحد: “أحشم عيب عليك ماتقولش مثقّف. هل صاحبك هذا ألّف كتب؟ هل لديه براءات اختراع؟ هل زاول تعليمه بإحدى الجامعات الكبرى، الأمريكية مثلا. وهل.. وهل…” ورفع من نبرة صوته حتى ظننته سيصفعني. فابتلعتُ لساني، وأطبقتُ فمي.
لكن ومع ذلك فأنا، وكل من تعرّف على صديقنا هذا و احتك به، يعترف له بالفطنة والذكاء، وسرعة الحفظ والبديهة. وهي علامات كافية ترفع صاحبها وتميّزه عن غيره، فهو متميّز عنا جملة، متفوق علينا جميعا بما حباه له به من مواهب؛ لو عرف كيف يستغلّها لكان له شأن آخر.
وكما أن “لكل جواد كبوة” ــ كما يقال ــ، فإنّه ومع كل هذه المواهب الفذّة التي تميّز بها عن عنّا، يعاني صديقنا من بعض المشاكل النفسية، والكمال لله وحده، والتي لم يجد لها علاجا ناجعا، فاضظرّ إلى تقمّص العديد من الشخصيات، حتى إن الذي لا يعرفه يظنه مريضاً، نظرا لتصرّفاته المختلّة.
ومثال على ذلك، فصديقنا هذا يحبّ التواضع، ويدافع عن الإسلام والمسلمين، وخاصة المستضعفين منهم، وبشراسة منقطعة النظير. ويحفظ الأحاديث عن ظهر قلب.. لكنّه لا يواظب على صلاته، ويكره الأئمّة وينفر من المساجد. وصديقنا هذا جواد كريم، ووفيّ مخلص، لكنّك لاتجده وقت الشدّة، ولا هو يحافظ على المواعيد.. وعلى الرّغم من كل ذلك، فإنّك لن تجد واحدا من بيننا يصبر على فراقه.