الاستفتاء قبل الانتخابات
عدنان الصباح | فلسطين
الطبقة السياسية الفلسطينية بكل تلاوينها مختلفة بذاتها موحدة على الشعب وبعد سنوات طويلة من الانقسام الذي لا زال متواصلا حتى اللحظة والاف اللقاءات والاجتماعات والمشاورات وعديد الاعلانات عن الاتفاقيات والمصالحات غير الحقيقية تخرج علينا اليوم فجأة بإعلان الانتخابات على التوالي لا على التوازي دون ان ندري كيف ولماذا ودون ان يجري التوافق على البرنامج الوطني السياسي والموقف من اوسلو ومنظمة التحرير والمقاومة ودون محددات وروافع لتحقيق الوحدة الوطنية للوطن والشعب.
رسالة مفاجئة جاءت من اسماعيل هنية للرئيس محمود عباس يعلن فيها موافقته على برنامج انتخابي ثلاثي على التوالي دون ان يتطرق ابدا الى اية شروط واو تحديدات وكان كل ما مضى من تخريب للقضية والغاء الى الاتفاقيات والمصالحات والوساطات كان مجرد نكتة ” سمجة ” لا داعي لها وان لا احد يتحمل مسئولية أيا مما دار منذ الانقسام او الحسم او التمرد فالاسماء كثيرة وكل يطلقها على هواه ومصلحته وان لا خلافات واذا كان الامر كذلك فلماذا لا زال الانقسام قائما حتى اللحظة.
الرئيس عباس استجاب فورا لرسالة رئيس حركة حماس اسماعيل هنية وهكذا بكل بساطة اصدر فرمان الانتخابات ومواعيدها وكل التعديلات الضرورية لأجلها وكان لا خلافات ولا ما يحزنون ومرة اخرى يطل سؤال ابله لماذا اذن وعلى ماذا اذن كان الاختلاف اذا كانت الرسالة ستاتي بهذه البساطة والاستجابة ابسط منها ومن هو الذي يحمل سنوات المعاناة والقهر والتخريب.
الطبقة السياسية الفلسطينية بكل تلاوينها تسعى لإطالة امد وجودها وحصر مستقبل القضية والوطن والشعب بذاتها وان اختلفت بين بعضها وذلك عبر الاجراءات التالية
اولا: اجراء الانتخابات على ذاتها نفسها وكأنها قدر هذا الشعب
ثانيا: اغلا ق الطريق امام المستقلين باعتماد النسبية وحدها عبر الاحزاب والفصائل طريقا للمجلس التشريعي والوطني وطبعا للرئاسة
ثالثا: اغلاق ملف الاختلاف والصراع وكان لا احد اخطأ ولا احد أصاب وان لا راي للشعب بذلك
ذلك يعني ان نفس الذين انقسموا واختلفوا وقسموا الوطن سيعودون لتجديد شرعياتهم دون ان يعتذروا للشعب عما فعلوا ولا باعتراف خجول بالجريمة’ مع ادراكنا التام ان من سنقترع لتثبيتهم هم انفسهم من صنعوا الجريمة بعد الانتخابات فما الذي يتغير لنذهب مرة اخرى لانتخابات جديدة بنفس الادوات التي لم تتغير ولن تتغير لا هي ولا اجنداتها أيا كانت هذه الاجندات.
ستجري الانتخابات هذا ان ولنا الى ذلك اليوم اصلا بأجواء ضبابية فلا احد يدري من يريد هذه الانتخابات بهذا الشكل ولا لماذا ولا زال الوطن منقسما ومن الواضح ان الانتخابات نفسها ستجري ان جرت اصلا على نفس الارضية ولا يبدو ولا يجري الحديث ابدا فيما اذا كانت الانتخابات هذه ستلغي الانقسام ام ستكرس دويلتين ايذانا بفتح الابواب لدويلات اخرى تصبح فيها المحافظات امارات والقرى لها استقلالية الحكم الذاتي والمخيمات عصية على الجميع.
فجأة صنعت انتخابات المجلس التشريعي السابق انقساما لا زلنا نعانيه وفجأة انتهت نتائجها وانتهى مجلسها الا من رواتب اعضائه وامتيازاتهم بدون المغضوب عليهم ممن اتهموا بانهم من جماعة دحلان الذين فقدوا كل امتيازاتهم وفصلوا من مجلسهم دون ارادة مجلسهم وها نحن فجأة نجد انفسنا مرة اخرى امام موعد لانتخابات جديدة دون ان نمحو الاثار الكارثية لتلك التي مضت.
كان من المفترض ان تأتي الانتخابات كنتاج طبيعي للمصالحة وليس العكس فاي انتخابات سنذهب اليها معا وكل الحنق والخلاف لا زال على اشده وعلى قضايا كبرى كاتفاقيات الحكم الذاتي والمقاومة ومشاريع التسوية والعلاقة مع امريكا واليات تنفيذ الانتخابات وضمانات نزاهتها ونجاحها والاعتراف بها من الجميع وتنفيذ هذه النتائج على ارض الواقع ودون ذلك فان هذه الانتخابات قد تتحول الى كارثة على شعبنا وقضيتنا.
أي انتخابات سنذهب اليها والاختلافات او حتى التناقضات نفسها لا تزال قائمة ولم يجري حتى التحدث عنها علنا واي ضمانات يمكن ان تكون لان يحترم العالم هذه الانتخابات ونتائجها خصوصا وان الرئيس اجرى تعديلا على قانون الانتخابات والغى اشتراط التوقيع على اعتراف بمنظمة التحرير والتزاماتها بما فيها اتفاقيات الحكم الذاتي وبالتالي فلا يوجد ما يبرر في زمن التطبيع ان ينصاع احد من عالم منحاز للإمبريالية والصهيونية وستواصل كل جهات الحصار فعلها بمحاصرة شعبنا.
ان المسائل التي تحتاج الى بحث واتفاق هي اكثر بكثير جدا من نقاط الاتفاق فلا يعقل ابدا ان تتفق الطبقة السياسية المختلفة على الزام الناس بإعادة انتخابها قبل ان تتيح لجمهورها الاقتراع عليها او الاستفتاء على افعالها ودون ان تلجأ هذه الطبقة حتى للاعتذار لشعبها عما مضى وان تلتزم بان لا تعود اليه وان تقدم فورا وقبل الانتخابات الى فعل ذلك بالتشارك جميعا ومعا في حكومة انقاذ وطني تملك القدرة والدعم من الجميع لإحقاق القانون وضمان انتخابات سلمية نزيهة يلتزم بها الجميع وتضمن انتقالا سلميا للسلطة ان كان هناك سلطة اصلا.
التعديلات التي طالها المرسوم الرئاسي شملت تغيير لقب الرئيس الى لقب رئيس الدولة بدل رئيس السلطة وهذا ايضا سيجد رفضا من كل الجهات المعادية لشعبنا وعلى راسها امريكا ودولة الاحتلال ومعهم كل المطبلين والمزمرين المرتزقة المرتبطين ارتباطا جذريا بالإمبريالية ويعملون وكلاء لها لا حول بأيديهم ولا قوة وكل المؤشرات لا تظهر استعدادنا لفتح معركة الدولة مع الاحتلال ودائرته وقد كانت تجربة وقف التنسيق وسحب السفراء من الدول المطبعة واموال المقاصة وما آلت اليه الأمور اكبر اثبات على حالنا واستعداداتنا.
نحتاج اولا الى الاستفتاء على الطبقة السياسية نفسها من خلال افعالها ونحتاج ثانيا وطنا وشعبا موحدا على برنامج وطني قادر على الحياة ويملك الادوات الكفاحية لتطبيقه ونحتاج ثالثا الى حكومة انقاذ وطني تؤسس لسلم اهلي عميق يمنع أي دور للانفلات الامني من التأثير على الانتخابات فلا احد يضمن مجرى الاحداث وتطوراتها في ظل وجود سلاح منفلت ونشط وجهات قادرة على استغلال هذا السلاح وتنشيطه لصالح توسيع الفجوة القائمة ولن يدري احد الى اين يمكن لذلك ان يصل بنا.
ان جعل الانتخابات مقتصرة فقط على نظام النسبية يلغي اية فرصة او يقلل فرص ظهور مستقلين فلا الوقت ولا الامكانيات ولا الظروف تسمح بتشكيل قوائم وطنية متوافقة على برامج محددة عدا عن الاحزاب والفصائل القائمة كما ان الوضع الحالي ذاتيا وموضوعيا لا يؤشر الى قدرة القوى والاحزاب خارج فتح وحماس قادرة على تشكيل قوة رادعة للفصيلين الكبيرين ولذا فان نتائج الانتخابات لن تعطي فرصة لتغيير سياسي حقيقي والانتخابات ان وصلنا اليها وانتهت بأجواء ديمقراطية مع كل الاحتمالات التي تشير الى صعوبة ذلك فهي ستكرس سلطة الحزب الواحد فتح او حماس وبالتالي لا شيء سيتغير.
الظروف القائمة في غزة والضفة وسيطرة حماس في غزة وفتح في الضفة ولا يبدو ان هناك من يفكر بتغيير الحال او حتى بخلق اجواء مناسبة وايجابية لكل جهة لدى سلطة الطرف المقابل ففي غزة السلطة مطلقة لحماس وهي لا يبدو انها على استعداد لتغيير ذلك ولو لصالح الانتخابات وكذا الامر بالنسبة لفتح.
لم يفكر احد على الاطلاق كيف سيرد الاحتلال في موضوعة القدس والى أي درجة سيجد طرقا ووسائل للتدخل سلبا في هذه الانتخابات ان جرت بما في ذلك التضييق على العملية الاجرائية والتدخل الاخطر في موضوع القدس ومشاركة مواطنيها بالاقتراع وكذا التواصل بين غزة والضفة واحتماليات اسوأ لأشكال التدخل ليس لها حدود مع عدو خبرناه جيدا وخبرنا ايضا.
من كل ما تقدم فان كل المؤشرات تضعنا امام انتخابات اقل ما يقال فيها انها اقرب الى دور العبوة الناسفة التي لا ندري موطنها ومتى ستنفجر فكل الاجواء لا تشير الى ضمانات حقيقية لعملية ديمقراطية سلمية كاملة وقد تبدأ الصرعات عند البدء باختيار المرشحين ففي بلادنا لا احد يسلم باولوية احد بعد ان خرج او كاد القادة التاريخيين من الصورة او ان ما بقي يحمل صفاتهم قد فقد قداسة مكانته ولن يسلم له احد ليس في فتح فقط بل وفي حماس وباقي الفصائل خصوصا وان هذه الانتخابات تأتي وانتخابات حماس على الابواب وتظهر ملامح الصراع على هذه الانتخابات بسعي القائد السابق لحماس خالد مشعل بالعودة الى القيادة من جديد ووجود من لا يرغب بذلك على ما يبدو كما ان دخول الرئيس عباس في النصف الثاني من الثمانينات من عمره يجعل الساعين لخلافته يفتحون شهيتهم للسلطة بكل ابوابها ووسائلها الى جانب وجود تأثير للقيادي السابق في فتح محمد دحلان في الداخل الفلسطيني وليس فقط في الخارج وهو قطعا لن يقف ومؤيديه متفرجين بل سيسعى للمشاركة مما يضعف فتح او يفتح طاقة جهنم لن تنسف الانتخابات بل والابعد من ذلك وتضعنا وبلادنا وقضيتنا في مهب العاصفة.