نظرة على تجربة الفن الروائي النسوي العربي
مروى فتحي منصور| فلسطين
عند سماعك لمصطلح الأدب الروائي النسوي، تواجه إشكالية قائمة: هل هناك فرع من الرواية انبثق عنها ما يدعى الرواية النسوية؟ ما هي خصائصها وسماتها؟ أم هو مجرد تصنيف جندري للدلالة على أن الكاتبة امرأة؟
ما هي حدود الأدب النسوي حسب التجربة النسوية في الرواية العربية، موضوعيا وشكليا؟ وهل صحيح ما اعترى المصطلح من احتمالات تأويل أتت فعليا من غموض المصطلح واتساعه، فهل هو ما كتبته النساء؟ النساء اللاتي يكتبن في كل شيء-الوطن والأمومة والحب والمجتمع والفساد والسياسة-إلا الأنوثة والرغبة الجنسية وحقوق المرأة المسلوبة؟ أم هو ما يهتم بقضايا النساء؟ وهل فعلا قضايا النساء تختلف عن قضايا الرجال؟ فتجنح المرأة إلى الجزئيات تاركة الكليات، إلى الإنشائيات تاركة الخبريات، والفكريات؟ تغوص في الذات وتعيش دراميات القهر والبؤس والاضطهاد متكئة على ذاكرة جمعية إما مؤيدة مقدسة أو رافضة مستريبة، متجاهلة قضايا المجتمع المستجدة ودورها الأساس في الحياة وهو البناء الفكري والعاطفي، والقضايا الوطنية التي تعد في الوطن العربي عموما وفي فلسطين خصوصا شخصية بامتياز، تترتب عليها آفاق المستقبل وتبنى وفقها المخططات والاستراتيجيات؟ ما هو واقع الرواية النسوية العربية المعاصرة؟
بداية تراوحت الروايات النسوية العربية بين القوة والضعف، وبين الشهرة وعدمها، وبين العمق في تناول القضايا الإنسانية على تشعبها وبين سذاجة الطرح وأحاديته، فهناك رواية تشيد بناء شاهقا باسقا لمنظومة الحياة فتعيد تشكيلها، في هيئة خالصة حرة من الجمال التكويني والتفصيلي، وهناك من يعيد التقاط مشاهد من الحياة كمصور فوتوغرافي، في قالب لغوي حكائي، وهناك من يجتر التاريخ، ويقيم الزمن الذاتي في زمن موضوعي في تاريخ مضى، لأنه باختصار يستتر بذلك عن هروب الحدث والقصة التي ابتدعها، وهناك من يقيم الزمن الذاتي بأساسات من الزمن الموضوعي التاريخي لكي يضيء الحاضر بتجارب الماضي ويعطي الواقعية وينشئ صفقة الوهم بينه وبين المتلقي، وهناك من الروائيات من تمارس فن السيرة الذاتية أو الغيرية في قالب حكائي روائي، وذلك اتجاه ليس مرفوضا بل محببا رغم أن من أجدنه قليلات، ومن اعترفن به أقل، وهناك من تتنقل شخصياتها على الحروف من تقنية إلى أخرى سابحة في الفضاء الروائي ناثرة خلفها بذور الإلهام وعطر الورد الذي تقطفه مع كل حدث تجتازه صانعة عالما جماليا حتى لو كان ينز ألما ووجعا وواقعية مرة. والمرأة العربية في هندسة الرواية مارست أدوارا عدة، منهن من استكملت مسيرة الجدات الأسطوريات في الحكي الروائي، فكان حكيا لمجرد القص، أو قصا غير مترابط الأركان، كشراع غير متوازن لا يضبط السفينة، فتتأرجح في كل اتجاه، ومنهن من سارت في سفينتها قائدة لكن بدون وجهة أو اتجاه أو بوصلة أو دليل، فأضاعت شغف القارئ ووقته، بسبب ضعف حبكتها، وقصور موضوعاتها، أو ضعف تقمصها لشخصياتها، ومنهن من شيدت بنيان نصها وفق القياسات الهندسية الدقيقة لكنها لم تجمله بالألوان والديكورات التي تجعله جاذبا، ومنهن من أتقنت تجميله بكل حلية وقطعة أثرية لكنها وضعت مقتنياتها الثمينة في بنيان غير أنيق وغير صحي وغير متوازن هندسيا، ومنهن من تربعت على عرش الجمال في هندسة داخلية وخارجية دقيقة ورشيقة وأنيقة ومغرية وجاذبة لنصها.
لاحظ أن دوافع الكتابة واتجاهاتها لا يمكن حصرها، فلكل روائي تجربته الخاصة، وبالتالي مخرجات الرواية مختلفة باختلاف التجربة الخاصة، وليس هناك أرحب من الرواية في استيعاب تلك الاتجاهات والدوافع، فهي فن لم يكتمل ويفتح مصراعيه على التجديد الذي يبلور تجربته، فمثلا أحلام مستغانمي في رواية نسيان كوم اتجهت نحو إذابة الحاجز بين الراوي والروائي، فتقمصت كروائية دورها في الفضاء الحكائي وجعلت لها دورا بين شخصياتها، فكانت الروائية والراوية والشخصية الرئيسة، لكنها الشخصية الرئيسة التي تعلق وتتفاعل مع الشخصيات الأخرى في العمل لكشف اتجاهاتها وتسليط الضوء على أفكارها وعواطفها وآمالها وآلامها وكنه عقيدتها، وليس لتسليط الضوء على شخصيتها هي وأفكارها هي، إنها صورة للشخصية الواعية المدركة لعوامل الشخصيات المحيطة بها، وتستطيع التنبؤ بماضيها وكيف أُثر في سلوكها والتنبؤ بمستقبلها وتطلعاتها، تماما كما فعلت سحر خليفة في رواية حبي الأول، رغم أنها أعطت البطولة لشخصية نضال واستترت كروائية خلفها محملة إياها أفكارها ومشاعرها بخفة، لكنها أضمرت الكثير عن تفاصيل حياتها لصالح المحيط والتاريخ الإنساني للمكان الذي ترغب نضال في اكتشافه.
كثير من النقاد عدوا رواية نسيان كتابا وليس رواية مثلها مثل كتاب شهيا كفراق، لكني ورغم ميلي إلى اعتقادهم لا أتوانى عن عد أحلام مجددة في الشكل الأدبي الحكائي بسبب قدرتها الخارقة في خلط أوراق الأجناس الأدبية مشكلة بتجربتها الريادة أشكالا أدبية جديدة.
تعد حقبة الثمانينات من القرن الماضي أخصب فترة لازدهار الرواية النسوية، إذ برزت أسماء كثيرة لكاتبات تميزن في رواياتهن من حيث الموضوع والأسلوب واللغة، فلم تعد الرواية سجلا لأحداث سيرة الكاتبة، وإنما أصبحت أكثر شمولية لتشمل قضايا عامة ببعض الخصوصية الأنثوية والتي تدرس للتعرف على وعيها بذاتها وبأنوثتها وبحقوقها وبخطابها للآخر لتشكيل صورة عن هويتها وليس لزيادة عزلتها ومهاجمة صورها التي ترسمها بشخصياتها بحجة أنها تلتصق بها وتمثلها وبحجة أنها تصدر صورة غير مثالية عن المرأة وعن الأم وعن القواعد العامة المرسومة من قبل العادات والتقاليد المجتمعية الذكورية.
لقد استطاعت كثير من الروائيات النسويات العربيات إدخال روح التجديد على الرواية العربية، بطبيعة الموضوعات التي تناولنها، مما أضفى عليها خصوصية أنثوية، لكن هذا لا يعني أنهن شكلن فرعا من الرواية، أو خلقن جنسا أدبيا مختلفا، ولا يعني أنهن ارتقين بهذا الفن فوق أدب الرجال ولا يعني بطبيعة الحال أن أدبهن مجرد صراخ وندب..
الأدب النسوي العربي برأيي المتواضع ومن خلال قراءتي لنصوص متعددة غير محتكم لقضية ولا لشكل ولا لاتجاه، وفعليا لا شيء يقف حاجزا أمام أي رواية لتبني قضية أو السير في اتجاه معين؛ لأن الرواية لون من الفنون يعيد تشكيل ذاته مع كل تجربة، ولا يصلح مع الرواية اجترار التجارب، فليست مواضيع الرواية كأغراض الشعر يمكن طرقها آلاف المرات، وحتى لو طرقت الرواية مواضيع معالجة سابقا لكنها ستتميز بزاوية الالتقاط وأسلوب المعالجة الذي يحدد تقنياتها، وبالتالي تمتلك خاصية الزئبقية التي تتيح لها الحرية في التأطير والتشكيل لهذا العالم الواسع المتشعب سواء كان منتجه رجل أم امرأة؟
وكما أن لا شيء يجمع الرواية النسوية العربية فلا شيء يفرقها عن بعضها، ولا عن غيرها من أدب الرجال، إلا الاختلاف الفني والموضوعي النسبي رقيا وانحطاطا، إن الاختلافات التي ألحظها على أدب المرأة الروائي لا تعدو أن تكون ظاهرة تصبغ آدابهن كما يصبغ أدب مستغانمي مثلا بيئتها الجزائرية وثقافتها الفرنسية، فالأنوثة والرقة ومطالب تحرر المرأة جزء من المرأة وليس كلها، جزء لا تتنكر له وتتبناه، لكنه لا يلخصها، ولا يؤرقها على ما يبدو حسبما تصرح غالبتهن أنهن لا يحبذن مصطلح الأدب النسوي على نصوصهن، هي عوامل تؤثر عميقا في أدبها مثل بيئتها مثل ثقافتها لكنها لا تنمطها بصورة، مثلما لا يمكن تنميط الأدب الروائي الجزائري مثلا بصورة واحدة، فلكل أديب وأديبة تجربته الخاصة، يشترك مع غيره من الجزائريين في خصائص عامة، لكن لا تصل إلى حد ألا ينظر إليه خارجها، وخير مثال يكون على ذلك هو الأدب الفلسطيني، الذي رفع لواءه الروائي غسان كنفاني والروائية سحر خليفة، هل صار من العار الخروج عن مضامين صورهم النضالية في الرواية، برأيي أن مبدأ التنميط أصبح عارا على الإنسانية وسجن عبودية ونتاجا لهيمنة الآخر الذي راج على أنه قوي، على النحو الذي تروج فيه أميركا صورة المواطن الأمريكي والتجربة الأمريكية وتحاول تعميمها بسطوة هيمنة القوة!
وترى شيرين أبو النجا أن مصطلح الكتابة النسائية نجده عند بعض الناقدات مرادفا لتصنيف إبداع المرأة، وعليه فالأدب النسائي لا يعني بالضرورة أن المرأة كتبته بل يعني صراحة أن موضوعه نسائي، إذا التجربة دائما متغيرة حسب الزمان والمكان والطبقة والخلفية الثقافية والجنس والخبرات الجانبية ولا يمكننا تجاهل هذه العوامل لنضع مجموعة أعمال في سلة واحدة ونطلق عليها ” أدب نسائي” وإلا سقطنا في المطلق مرة أخرى في شبكة الصور النمطية.
ولأنني أرفض التنميط وأدعو إلى التصنيف من باب تسهيل التعريف والتناول، أعد الأدب النسوي الروائي مجرد تصنيف لأدب المرأة الروائي، بمقابل أدب الرجل الروائي، فيه من الخصوصية النابعة من الأنوثة والعاطفة المتأججة، وذلك ليس تنكرا مني لرسالة الأدب الروائي النسوي التنويرية في تحرير المرأة كليا من عقال الرجل وهيمنته، بل لأن المصطلح المستخدم والدائر في الأوساط النقدية يصف واقعا مغايرا لتلك الرسالة، وذلك بسبب الغموض النظري وغياب المرجعية لهذا المصطلح، وبسبب القصور في مواجهة الواقع النسوي في المجتمع العربي في الآونة الأخيرة.
بالمقابل أرفض تلك الأصوات التي تسميه بما هو فيه وفي غيره من النتاج الروائي الرجولي، فالرواية فن للبوح، والاستغراق في التفاصيل، لأن البوح هو تعبير عن مكنون الإنسان بمكوناته الروحية والنفسية والذهنية وهواجسه وتخيلاته وانطباعاته وأيدلوجياته، وهذا لا يكون فقط للمرأة، صحيح أن كثيرا من الأعمال الروائية النسوية طغت عليها المعالجة الداخلية فلجأت إلى تيار الوعي مثل روايات غادة السمان وبثينة العيسى وغيرهن لكن ذلك أيضا نلاحظه في أدب الرجل مثل روايات أدهم الشرقاوي وأيمن العتوم، فالرواية التي تجعل من الذات مركزا تدور في ضجيجها وتسبح في مدارات هواجسها ليس اتجاها نسويا كما يروج عنه، بل هو اتجاه روائي وجد في الذات الإنسانية السر الذي يريد اكتشافه، بمقابل المنهج الواقعي الذي خرج لاكتشاف الواقع في المجتمع، والعالم؛ فحدود الرواية زئبقية يحددها إشكالية الروائي وأسئلته، مهما كان جنسه وبيئته، وإذا كانت المرأة حدودها ضيقة في المجتمع بسبب عدم انخراطها فيه فإنها تلجأ إلى العالم التخييلي لكي تخترق الممنوع، وتعيش تجربة مختلفة، وإذا كانت منخرطة في المجتمع تجد اهتمامها بهذا البناء الفضائي الواقعي أقل فيكون فضاؤها الروائي متمركزا حول ذاتها وأعماق الإنسان الذي يبدو لها مسحوقا في خضم جلبة أحداث الواقع، وتسارعها.. فلم يتم استبعاد تلك الاحتمالات القائلة بأن الفنان ينشد في فنه ما هو يفتقده؟ ويتم التمسك بفكرة أن الفن يمثل خالقه حرفيا، خصوصا في فن الرواية والفنون الأدائية كالتمثيل والإخراج المسرحي والسينمائي، التي يعاد فيها تشكيل الواقع حسب رؤيته؟ وإذا افترضنا أن تلك الأصوات التي نظرت للأدب النسوي بأن منطلقه فردي وغايته من التعبير عن هموم الذات والتجربة الشخصية الخاصة مع عدم الاكتراث للقضايا العامة مثل رأي إبراهيم السعافين، أتت من خلال استقاء نصوص نسوية في فترة معينة، فإن ذلك حتما لا يمكن تعميمه على الأدب النسوي عامة، لأن الظروف المجتمعية التي تقبع في ظلها المرأة في تغير دائم، وإن بقيت مشكلاتها قائمة نتيجة التسلط الذكوري والاجتماعي والسياسي، بتفاوت نسب القهر من زمن إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى، إلا أن المشكلات بحد ذاتها والظروف تتشعب، وحاجات المرأة الشعورية كما الرجل تتغير وتتبلور، وتتفرع، وبالتالي حاجاتها إلى البوح تختلف من رواية إلى أخرى، فقد تجد لروائية رواية بوح ذاتي وأخرى في معالجة لقضايا مجتمعية وأخرى شاملة لكل مكونات الحياة، وبالتالي فإني أرى مثل ما ترى نازك الأعرجي أن التنظير لأدب المرأة عبر تنميطه بالذاتية عاملا تدميريا لرغبة المرأة في البوح، فحتى متى سيبقى النقد لسان المجتمع الذكوري يلسع بلسانه أدب المرأة بإلصاقه بحياتها الشخصية وسلوكها الاجتماعي، وأن خبرات أبطالها المتخيلين انعكاس لخبراتها؟
إني أرى بعد تصفح العديد من الروايات النسوية أنها لا تنحصر في الهموم الفردية للشخصيات، وهي تحلق خارج الذات كما تسبح في غورها، فمثلا رواية برج اللقلق لديمة السمان عالجت القضية الفلسطينية عبر تسلسل تاريخي بشكل يضع الكل الفلسطيني والعربي في مواجهة مع ذاته، وكانت قضايا المرأة من ضمن القضايا التي عالجتها وليس لكونها معالجة سطحية للانعتاق والتحرر من العادات والتقاليد كما يصورها النقد الذكوري، وفي مدار الهدف والأسلوب نفسه مع ارتقاء في التقنيات الروائية كانت معالجة سحر خليفة للقضية الفلسطينية التي تخاطب كل فلسطيني وكل عربي، وتضعه في مواجهة مع ذاته من خلال ثنائية المتخيل والواقعي من أصل تاريخي، فلا يقبل على هذه الأعمال الروائية مصطلح الأدب النسوي الذي يحتوي أيدلوجيا جعل المرأة كائنا خاصا لمجرد خصوصيته البيولوجية، أو لمجرد أنه تعرض للاضطهاد الذكوري في المجتمعات على مر العصور، فالخصوصية البيولوجية بحد ذاتها لا تجعل المرأة كائنا أعلى أو أدنى، أو مكلفا أكثر أو مكلفا أقل، وكذلك الاضطهاد فهو ليس مقصورا على المرأة، رغم أنه يشكل منبعا قويا للبوح، مثله مثل اضطهاد السجن الذي فجر البوح عن عذابات السجن في الأدب العربي، والحق أن تلك الخصوصيات التي تنعكس في رواية المرأة العربية تشكل هويتها، لكنها لا يمكن أن تشكل تخصصا في فرع خاص من الأدب كأدب الأطفال أو أدب الرحلات مثلا، لأن المرأة كائن متغير مثله مثل الرجل، تتغير ظروفه فتتغير قضاياه التي يبوح بها فيغير شكل هويته وصورته، مثل أدب التاريخ وأدب السياسة وأدب الربيع العربي وأدب الحروب الأهلية وأدب السجون وأدب الأسرى .. فهل يمكن لأي متغير في الظرف الذي يبوح عنه الأديب أن يشكل فرعا أدبيا بمسمى نقدي جديد؟ بالطبع لا هو يشكل هوية ذات خصوصية، ولا يمكن أن تسحب ظروف أواسط القرن التاسع عشر في الغرب حيث استخدم مصطلح الأدب النسوي لوسيلة تنويرية ودفاعية عن المرأة من قبل الحركة النسوية على ظروف المرأة اليوم، وحتى الروايات التي كتبت قبل عشرة أعوام لا يمكن أن يتم تلقيها بالطريقة نفسها التي تم تلقيها وقت نشرها، مثل رواية بنات الرياض لرجاء الصالح، الرواية السعودية التي وصلت إلى العالمية نتاج حركات الترجمة لها وسعة انتشارها ونسبة مبيعاتها، لأن التلقي لروايتها كان حادا عنيفا بصفتها اخترقت ستار خمر النساء في مجتمع يعدهن حريما محرمة، ولكن اليوم لا يمكن عد التلقي لهذا النوع من الروايات سيشكل ردة الفعل نفسها؛ لأن طبيعة المجتمع السعودي والعربي اختلفت بعد دخول العولمة عليه وانفتاحه-بغض النظر عن طبيعة هذا الانفتاح ومساحته وشموليته للمجتمع ككل- فما عد تحرريا من كل قيد اجتماعي أو ذكوري اليوم يعد شيئا عاديا مثله مثل أي قضية عالقة في المجتمع أو تم تجاوزها، وحتى صورة المرأة في رواية سحر خليفة حبي الأول وصورة المرأة في رواية برج اللقلق لديمة السمان وصورة المرأة في رواية الحفيدة الأمريكية لإنعام كجه جي وكثير من الروايات لا تعد من باب الانتصار لحقوق المرأة، فغالبا هي نماذج حقيقية أو قائمة أو موجودة بشكل ما، ولأنها مميزة دخلت في وعي الروائيات، وكثير من النماذج الغريبة من الرجال والنساء دخلت في وعي الروائيين الرجال، وبالتالي أي خروج عن الصورة المألوفة في المجتمع لكل من الرجل والمرأة يكون وجهة للفنانين بشكل عام، وما هو غريب اليوم قد يكون مألوفا جدا في الغد، وخلاصة القول الأدب النسائي لا يشكل أكثر من ظاهرة لها خصوصية وهوية، ولها خصائص وسمات لكن ليس بالحد الذي يجعله فرعا من فروع الأدب، وقد يفلح في تشكيل تلك الهوية الرجال الروائيون قبل النساء الروائيات، فقد عبر نزار قباني عن أنوثة المرأة ورغباتها، وقد عبر إحسان عبد القدوس عن قضايا المرأة في المجتمع الشرقي الشعبي، وبالمثل لقد خرجت المرأة الروائية ببنائها الروائي لكي تعانق عالما بكل موجوداته، فتنقلت شخصياتها من بلد إلى بلد، وسكنت في البلاد الغربية على نحو تجربة غادة السمان وأحلام مستغانمي، وعالجت قضايا المكان مثل رواية الأبواب الموصدة لابتسام أبو ميالة عندما انتقلت بشخصيتها الرئيسة من عمان إلى القدس في صراع على الهوية، وأبرزت روايات أخرى تمسك الشعوب بهويتها وإن اختلفت بها الأمكنة مثل رواية ثورة الحوامدة جنة لم تسقط تفاحتها، وفتحت الصراع على مصراعيه مع الآخر في رواية ماميلا لميرفت جمعة و رواية الحفيدة الامريكية لإنعام كجه جي، وعالجت الحرب الأهلية التي كان الصراع فيها دائرا مع الآخر الذي هو الأنا في نهاية المطاف مثل رواية كوابيس بيروت لغادة السمان ورواية ليانة بدر عين المرأة، ناهيك عن الصراع مع الذات لتشكيل الرؤية المناسبة لمقاومة الآخر مثل ما تضمنت رواية أبد الصبار لسحر خليفة التي أنشأت صراعا بين الأنا الفلسطيني مع الأنا الفلسطيني في مواجهة مثلى للآخر المتمثل بالكيان الصهيوني،وشكلت رواية طوق الحمام لرجاء العالم صراع التراث مع الحضارة والتوسع العمراني وقدسية المكان وخصوصيته، وبطبيعة الحال كان هناك طرح صراع الأنا الشخصية مع الأنا الشخصية لتجسيد حالة فصام ذهني- شيزوفرنيا – كمقاومة لتسلط الآخر الذكوري والكبت الاجتماعي، في رواية عروس البحر لبثينة العيسى، والذي يعد من الأدب الذي يغوص في أعماق الذات ويدرسه المنهجين النفسي والاجتماعي بعناية، وفي السياق ذاته طرحت الروائية المرأة قضية الانعتاق من الذكورة والتشبث بالنصف الآخر المكمل والمتمم لها-الرجل- والذي إن نسيها عليها الاستغناء عنه فورا من حافظة ذاكرتها، وتدعو إلى إعطائه من ذاكرتها المساحة التي يعطيها إياها من ذاكرته في محاولة لبت صراع الرجل والمرأة، الأنا والآخر، في رواية نسيان كوم لأحلام مستغانمي، بهدف الانتصار للأنا ومعالجة قضايا الذات، وفي محاولة انعتاقية للمرأة من قيود الرجل الذي يظن أن المرأة خلقت لتدور في مداراته، وأنها من ضلعه وجزء منه وليست كائنا كاملا بمحاذاته وكتفها بكتفه، وبالمقابل لم تغفل المرأة القصص الرومانسية التي تتوج العلاقة بين الرجل والمرأة بقدسية الحب، مثل رواية يا ليته يعلم لراما الرمحي ورواية موتان وحياة لرولا عرفات، وهكذا دواليك.. فانظر يا رعاك الله إلى طبيعة الموضوعات التي تطرقت إليها الروائية العربية، هل كانت في اتجاه واحد؟ هل دارت في فلك صراع واحد؟ هل يمكن لأي موضوع من تلك الموضوعات أو صراع مما تم تبنيه أن يشكل نوعا خاصا به؟ من ناحية المضامين والاتجاهات لا يمكن أن يقال إن الأدب النسوي الروائي العربي ينحصر في واحدة مما شيع حوله:
1) أنه أدب يسعى إلى الكشف عن الجانب الذاتي والخاص بالمرأة بعيدا عن تلك التي رسمها الأدب لعصور طويلة على حد تعريف ماري ايجلتون. وعلى حد تعبير إبراهيم السعافين بأن المرأة تكتب عن ذاتها وهمومها الشخصية الخاصة وقليلا ما تكتب عن قضايا عامة بسبب العوالم الضيقة التي يفرضها عليها المجتمع، مستلهمة الفكر الوجودي في الحرية والمسؤولية بصورة سطحية. وكما أكد جورج طرابيشي بأن العالم هو المحور فيما يمكن أن نسميه رواية الرجل، أما في الرواية النسوية فالمحور هو الذات. يبدو أن تقييم النقد الذكوري للتجربة الأدبية النسوية كان سلبيا فلم يجد في أدبها إلا كونه صراخا يفتقد كل المعاني الجمالية المتوقعة من أي عمل أدبي. وكما لوحظ مما سبق فإن موضوعات الرواية النسوية العربية متنوعة في طرحها وتناولاتها داخل الذات وخارجه.
2) أنه مظهر من مظاهر الحركة النسوية العالمية التي عرفها القرن الماضي وأدت إلى ظهور أعمال أدبية جيدة اتخذت من حقوق المرأة ومطالبها بالمساواة مادة أساسية للبحث على حد تعريف إلين مور. لو أردنا أن نصنف نتاج أديبة عربية على هذا الاتجاه وحده لن نجدها، إنما نجد قضية تحرر المرأة عند الرجال والنساء من الأدباء، وحتى نوال السعداوي وغادة السمان فهما نادتا بالحرية من أجل الحرية بأشكالها وأنماطها كافة، وحرية العقل قبل أي حرية للجسد وتقرير المصير.
3) أنه أدب خاص بالمرأة تنطبق عليه خصائص المرأة النفسية، فاختلاف حياة المرأة واهتماماتها وواجباتها ينتج عنه بالضرورة مضمون مختلف في أعمالها الأدبية، لكن هذه الرؤية بنظري تندرج تحت بند الخصوصية والهوية الخاصة بشكل لا يكفي لرسم تقاليد أدبية نسائية تسري على النساء جميعهن وتلزمهن، فهي كاختلاف البيئة والعرق والمذهب، وغيره وبالتالي لا تشكل فرعا خارج بوتقة الرواية العربية بشكل عام.
4) أنه أدب يعكس السمات الأنثوية بمعناها الثقافي الذي يميل إلى الضعف والاستلاب والرغبة، ودليلهم على ذلك كمية الشكوى والألم والمرارة في آدابهن، والعمق الذي تعبر فيه المرأة عن ضعفها، والحق أنه لا يمكن الحكم على نص بأنه أنثوي بالمعنى البيولوجي، فالأنوثة والرجولة تصنيف بيولوجي بحت، لا يظهر في اللغة إلا إذا تناولت المرأة قضايا تختص بطبيعتها البيولوجية كالأمومة وخصائصها الجسمية، لكن الرجل ليس بقاصر ولا منفصل عن العالم مثله مثل المرأة يستطيع معرفة دقائق المشاعر والأحاسيس والتغيرات التي تعتري المرأة من خلال التواصل والالتحام معها، وكثيرا ما فعل ذلك الفنانون، ناهيك عن وجود حس أنثوي عند بعض الأدباء مثل نزار قباني وعمر بن أبي ربيعة وغيرهم، مما انعكس رقة وعذوبة وعاطفة وسهولة في أدبهم، لا يخفى أن للأنوثة أثر في اللغة والمواضيع، فهي كأي عامل نفسي بيولوجي تتأثر به اللغة والمضمون، لكن لا يمكن الاحتكام إليه وحده لأن معايير الأنوثة مختلفة زمكانيا، ولأن الرجل قد يكتب بحس امرأة، وفي السياق ذاته فإنه في الخطاب الروائي تلجأ كثير من الروائيات إلى تبني شخصيات ذكورية، مثل أحلام مستغانمي في ذاكرة الجسد، بيد أنه لا يمكن من خلال لغة مستغانمي على لسان شخصياتها أن نستشف أنها امرأة، أو مدفوعة بعامل أنثوي رقيق، تستطيع اللغة بالمجمل أن تكشف لنا رهافة الحس وعمق الرؤية وحرارة الانفعال، لكن لا يمكن الكشف عن هوية الأنوثة برقتها وحساسيتها وعاطفتها من خلال نص روائي، قد يبدو طبيعيا في نص شعري، باستخدام أدوات منهجية مختلفة، لكن في الرواية من الصعب بمكان لتعدد أصواتها وزواياها وقضاياها، ناهيك عن أن مشاعر الضعف والاستلاب قد ظهرت في أدب السجون بقوة وكان أغلب كاتبيه رجالا. وأرى شخصيا أنه يجب دراسة اللغة في الأدب النسوي والأدب الرجولي إن جاز التعبير في باب الأدب المقارن لاستكناه الفروق بينهما في تجربة متحدة زمنيا وبيئيا.
“ثمة ما يفتح باب الأسئلة المشكلة حول ثغرة أو ثغرات قد ترتب للمؤنث الإبداعي حيزا في اللغة، على أن تساءل اللغة بأدواتها عملا بمقولة هيكمان “ما يفك بيت السيد، هي أدوات السيد “فليست بمقدور النسوية فكرا أو إبداعا أو نقدا أن تقفز خارج اللغة لتخترع لغة أخرى، فاللغة الأرضية ثابتة فيما ليست لأدواتها مثل ذلك”، في الوقت الذي ترى هيلين سكسوس أن الأدب النسوي أدب ذو لغة خاصة به هي لغة المرأة التي اكتسبتها منذ الطفولة، فلا يمكن للمرأة مثلا أن تبحث عن ذاتها وأن تكشف عن تجربتها الخاصة، وعن أسلوبها الذي يجسد وظيفتها التعبيرية، ويكشف عما لديها من جماليات مخبوءة حتى هذا الزمن دون هاتيك اللغة.
يستنتج مما سبق أن الأدب الروائي النسوي العربي بمفهومه المعاصر يتناول قضايا عامة خارج حدود الذات التي اتهم وحصر في زاويتها ردحا من الزمن، وخارج حدود قضايا المرأة كجنس غريب مجهول مسحوق كيانها في مجتمعها غير منسجمة في واقعها، الأمر الذي ظلم هذا النوع من الأدب وزاد من عزلته وخصص جمهوره بالمهتمين بقضايا المرأة، ولوحظ كذلك أن الأدب النسوي العربي لم يكن يستهدف التعرض للمشاهد الجنسية بحد ذاتها إلا لتوظيف درامي، وهو عكس ما يشاع عنه، مما حذا بي لتبني حدود المفهوم الرامي إلى كل ما تنجه المرأة من أدب، مدللة على ذلك بمضامين الأعمال الروائية وموضوعاتها، ولا شيء غير النص يحكي عن واقع المفهوم. وبعد تحديدي لواقع مصطلح الأدب الروائي النسوي العربي وفقا لما هو موجود من أدب نسوي روائي، وأصبح بالإمكان الحديث عن واقع الرواية النسوية العربية، صحيح أن غالبية الأديبات العربيات يرفضن مصطلح الأدب النسوي ويعممن رسالتهن دون تحيز، لكن الاتجاه العام في العالم نسوي اقتداء بتوجيهات الحركة النسوية الغربية، شاءت أو لم تشأ الأديبة العربية فإن بوصلة الجوائز العالمية ستسحبها إلى ذلك الاتجاه بوعي أو بغيره، ففي عام 2019 كانت ثلثي الأسماء في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر من النساء، صحيح أن الروائية العربية المعاصرة لا تجعل من حركة النسوية شعارات معلنة لها، ولكنها ما وصلت إلى ما وصلت إليه من حرية البوح والتقبل النسبي لكتاباتها كأنثى بعد موجة سخرية من أدباء ذكوريين قبل نقاد ذكوريين من فراغ، بل بجهد طويل ونضال شرس خاضته الأديبات الرياديات، فغادة السمان كانت أكثر حرية من الرجال أنفسهم، حيث كانت تنسى أنها تعيش ضمن مجتمع محافظ لن يرحمها، وأرادت أن تعلم الآخرين معنى الحرية من دمها وأعصابها وعذاباتها متجاهلة أن الأوساط الثقافية وليدة مجتمعات متخلفة، وبسبب ذلك كانت تواجه الكثير من الانتقادات والأعداء، وكذلك الروائية نوال السعداوي التي أهدر المتعصبون المتطرفون دمها في مصر لأنها كانت تدرب بنات جنسها من خلال بوحها الروائي وغيره على حرية الرأي والتفرد، والباحثة زهور كرام تقول أن رواية ليلى بعلبكي “أنا أحيا” الصادرة عام 1985م تعد الانطلاقة الأولى للكتابة النسائية، لقد مرت الرواية العربية بكثير من المراحل حتى وصلت إلى حد أدنى من الجرأة المقبولة في المجتمع، وكثير من الروائيات ما زالت تقبع تحت سلطة المجتمع فتنسل سيفه وتحاكم شخصياته فتهدم ما تبنيه وتخسر متابعة قرائها، ورغم تلك التضحيات تجد أيضا روايات ناشئة تجسد الحب العذري وتجعله موضوعا مثاليا متجاهلة أنها تعزز منظومة الكبت النفسي والاجتماعي التي أرسى دعائمها الرجل منذ فجر التاريخ. ولا يخلو الأمر من تجارب ما زالت تهدهد للرجل وتتعاطف معه وتغني بمثله وقيمه وتهاجم المرأة وتجرمها استرضاء له واستعارة لصوته، حتى يقبلها في منظومته، تلك التي تتجاهل أخطاء الرجل بكل تشكلاته السلطوية والمتخلفة في المجتمع وتلاحق المرأة التي أفسدت الحداثة فطرتها فأصبحت تتاجر بأنوثتها، وتظهرها للعلن، إنها المرأة الكاتبة التي وصفها الناقد عبد الله الغذامي بالمسترجلة، التي كتبت بقلم الرجل ولغته وعقليته، وكانت ضيفة على صالون اللغة، وكان دورها عكسيا، لكن لم تتجه الروائية هذا الاتجاه في استرضاء الرجل؟ لأنها تعرف أن العقلية الذكورية ما زالت تسيطر على المجتمع برجاله ونسائه حتى وإن كان يقبل على مضض شكل حياة العولمة المفروضة عليه، فمثلا رواية يا ليته يعلم لراما الرمحي تعزز الكبت الأنثوي، ربما هي تعكسه فعلا، لكن لو كانت صاحبة قضية لما طرحته بهذا الشكل السلبي-حسب ما وصلني- لأن هواجس المرأة أثناء إعجابها بالرجل وهواجسه بها كذلك تتبع منظومة متخلفة يجب أن يكون للروائية فيها دور توعوي يذيب الحواجز بين المرأة والرجل ويجعلها مقبولة بمشاعرها وانفعالاتها وأفكارها وانطباعاتها واعتقاداتها، لا أن تعززه، بعض الروائيات يجدن معالجة الحواجز بين المرأة والرجل ويؤدين دورا في صالح المرأة والمجتمع، مثل أحلام مستغانمي في رواية نسيان كوم حيث عالجت قضية أن المرأة ليس تابعة للرجل، ووجود الرجل في حياتها مكمل لها مثلما هي مكملة له، وعلى قدر مساحتها من حياته تكون مساحتها من حياته ولا يصح أن تذوب في كيانه تحت مسمى العشق، كثيرة هي التجارب الروائية العربية التي ما زالت تشي بواقع ذكوري تمارسه الأديبات أنفسهن، ويمارسه الرجال النقاد منهم والأدباء بشكل سافر معهن، فإن هي كتبت بشخصية مسترجلة مصورة بنات جنسها بالشكل الذي يرضي غرور الرجل وعنته، وليس بالشكل الذي تريده هي وتطمح إليه كان عشاق حرفها منهم كثر، فينهالون عليها بالمديح والثناء حتى يضعوها في مصاف الرياديات والإصلاحيات، وإن لم تفعل ما أرادوه منها جعلوا من عملها ساقطا يدعو إلى الرذيلة وفساد المرأة والمجتمع، ويصل الأمر فيهم-الرجال- أن يكتبوا للنساء نصوصهن ضمن صفقة مضمرة رخيصة خاسئة! وربما هذا ما يجعل المرء متحمسا لاستكناه طرق كاشفة للنفس الذكوري في النص الروائي المتوج باسم امرأة، واللافت للنظر في الأدب الروائي النسوي هو صورة الجنس الباهتة فيه، أو المختفية، مما يشي بخرس الجسد المؤنث في حضرة الهيمنة الذكورية، للأسف فإن واقع الرواية النسوية العربية يمثل صوت الأبوية حينا، وصوت مسترجلة تنظر للأنثوية بمنظار ذكوري حينا آخر كخطاب الرواية الحداثية، وما نبحث عن تمثلاته في الرواية النسوية هو ما بعد الحداثية، وكيف يتحقق ذلك بغياب النقد النسوي المقصى بحجج نبذ الحركة النسوية الغربية وأدوات الليبراليين بالجملة، والمقصى كذلك لصالح النقد الانطباعي التأثري القائم على التفكيكية اللامنهجية واللاعلمية إلا من غريزة غيرة المرأة من المرأة التي تبدو براقة في أي ميدان تنافسي تخوضه المرأة. إن الأدب النسوي الروائي العربي المعاصر لتجربة أدبية تلخص حال المجتمعات العربية، فكريا وسياسيا واجتماعيا وجندريا، تجتهد الروائية العربية في تناول قضايا مجتمعها وأمتها وإنسانيتها وهذا اتجاه سليم، لكن في المقابل لا يوجد الكثير من الروائيات من يرفعن شعارات موجهة لتحرير المرأة من هيمنة الذكورة، أو على الأقل لا نجد نصوصا روائية تزلزل أركان الوسط الثقافي وتثير الجدل، وتذكي النقاش، من فترة طويلة، واقع الرواية النسوية العربية غير جندري وغير نسوي بالمفهوم الغربي للمصطلح ويشي بهيمنة ذكورية وليس بوضع مثالي بالتأكيد في التوازن بين سلطة الجنسين، وإلا كنا وجدنا موضوعات الجنس فيها مثل موضوعات الوطن، وموضوعات الذات مثل الموضوعات العامة، كما ونوعا، وبالتالي على قدر ما وجد المجتمع العربي نساء أبيات صاحبات قضية تحريرية للمرأة في العقد المنصرم على قدر ما استحوذت السلبية على الشعوب العربية بمكونيها الذكوري والأنثوي راضين بلعبة خلع الأقنعة التي يظن كل جنس منهم أنها يلعبها على الآخر.