دعاة الدّولة الواحدة
جميل السلحوت | أديب مقدسي
حسب القاموس السّياسيّ فإنّ “السّياسة هي فنّ الممكن”، ولمن يتحدّثون عن حلّ القضيّة الفلسطينيّة من خلال إقامة دولة واحدة يعيش فيها الفلسطينيّون واليهود جنبا إلى جنب، ولن يكون السّيّد محمد دحلان زعيم “الجناح الإصلاحيّ” المنشقّ عن حركة فتح الأخير الذي يتحدّث عن هكذا حلّ، تماما مثلما لم يكن هو أوّل من قال ذلك، لكنّ من تحدّثوا عن هذا الموضوع، عبّروا عنه ببساطة وسلاسة وكأنّه أمر مفروغ منه وجاهز للتّطبيق، معتمدين على سياسة الأمر الواقع التي فرضتها اسرائيل بقوّة السّلاح من خلال مصادرة الأراضي واستيطانها، لفرض وقائع وحقائق ديموغرافيّة على الأرض تجعل إقامة الدّولة الفلسطينيّة على الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967م أمرا مستحيلا، مع أنّ مساحة هذه الأراضي لا تتجاوز 22% من مساحة فلسطين التّاريخيّة، والأمر الغريب في هكذا طروحات أنّها تقفز عن حقيقة الموقف الإسرائيلي المتمثّل بمواصلة مصادرة الأراضي الفلسطينيّة واستيطانها، وتتعامل مع السّلطة الفلسطينيّة كسلطة إدارة مدنيّة على السّكان وليس على الأرض، وتتحكّم بالإقتصاد الذي هو جزء من اقتصاد الاحتلال وملحق به، وأنّ الحلول التي يطرحها الاحتلال حلولا اقتصاديّة لتحسين الوضع الإقتصادي لفلسطينيّي الأراضي المحتلة عام 1967م، الذين سيقتصر دورهم “كحطّابين وسقّائين” حسب التّعبير التّوراتي، وهذا ما ارتضاه من تضخّموا وتكرّشوا برشاوي بترول الخليج وبتعليمات وضغوطات أمريكيّة؛ لتنفيذ ما يسمّى “صفقة القرن” أو “السّلام الإبراهيمي”، وقد عبّر أحد الأكّاديميّين المعروفين في رواية كتبها والتي جاء فيها ما معناه في حوار بين مهندس ومحام عندما سأل المحامي المهندسَ: ما هو الوطن؟
فأجابه: الوطن رقعة جغرافيّة لها حدود معيّنة وتسكنها مجموعة بشريّة تشترك في اللغة والتّاريخ والثّقافة..إلخ.
فعاد المهندس يسأل: وهل يوجد وطن بلا مواطنين؟
ليعود ويؤكّد أنّ الوطن هو من يوفّر لمواطنيه السّكن والدّخل المحترم، بغضّ النّظر عمّن يحكم هذا الوطن ومواطنيه.
وهذه دعوة صريحة لقبول الإدارة المدنيّة على السّكّان وليس على الأرض، وإلا فإنّ البديل هو طرد الفلسطينيّين من ديارهم ومن وطنهم!
ومن يطرحون حلّ الدّولة الواحدة بهذه البساطة وعن قصد وسبق إصرار يعلمون أنّ سياسة الاحتلال تتعامل مع الصّراع كصراع وجود وليس صراع حدود، وقد شرّعوا في الكنيست قوانين تحمي هذه السّياسة ومنها قانون القوميّة وقانون يهوديّة الدّولة وغيرها. ويعلمون أنّ اسرائيل التي تملك القّوّة العسكريّة تبني سياستها على “ما لا يمكن حلّه بالقوّة يمكن حلّه بقوّة أكبر”. لأنّهم يدركون بأنّ حلّ الدّولة الواحدة سيجعل اليهود فيها أقلّيّة، وهذا ما يمنعهم من ضمّ الأراضي المحتلّة، ولو فعلوا ذلك ومنعوا الفلسطينيين من حقوقهم الإنتخابيّة “كناخبين وكمرشّحين” سيظهرون على حقيقتهم العنصريّة التي يحاولون إخفاءها عن الرّأي العامّ العالميّ. وإذا كان قادة الاحتلال يرفضون إقامة دولة فلسطينيّة على الأراضي المحتلّة عام 1967 ومساحتها حوالي 22% من مساحة فلسطين التّاريخيّة، فهل سيسمحون بإقامتها على فلسطين التّاريخيّة كاملة خصوصا وأنّهم يملكون أوراق القوّة كاملة، ويحظون بتأييد أمريكا والمتصهينين من القادة العرب والمسلمين، ومن المتصهينين الفلسطينيّين أصحاب القضيّة وبضغوط أمريكيّة؟!
وإذا كانت أهداف الحركة الصّهيونيّة طويلة المدى، فإنّ أحلام قادتها بأرض خالية من “الغوييم” غير اليهود لا يزال قائما، وسيطبّقونه مستقبلا عندما تحين لهم الفرصة المناسبة. والحديث يطول.