نعم قادرات  

عدنان الصباح 

الرسام المكسيكي (ألفريدو رودريغيز)

في قرية فلسطينية نائية تقع في اقصى شمال الضفة الغربية وفي القلب من فلسطين اسمها برقين تمكنت مجموعة من النساء من ان تتحدى الجميع وتعلن عن تشكيل قائمة نسائية بالكامل لخوض الانتخابات البلدية هذا العام وقد اطلقن على قائمتهن اسم ” قادرات ” وأيا كان الراي في الهدف من تشكيل القائمة لدى من استشاطوا غضبا من هذا التحدي لمجتمع يصر ان يدفن راسه بالرمال لصالح عدم الاقرار بانتهاء عصر المجتمعات الذكورية ومنذ زمن بعيد.

برقين هذه القرية الاكثر من جميلة والتي تقع على ظهر ربوة مقدسة حيث اشفى سيدنا عيسى العشرة البرص ويقال انها اخذت اسمها منهم أي البرق او البرص وان اسمها انتقل من بورصين او من البرق وهو اسم الشعبي للبرص استطاعت وبعيدا عن كل المراكز ان تصنع معجزة حقيقية على أيدي نسائها الذين اعرفهن جيدا … نساء برقين تاريخيا حرثن الارض وقطفن الزيتون وعلى رؤوسهن نقلن الماء من عين الماء في وادي القرية الى بيوتهن في اعلى التل وبأكفهن شيدن بيوت الطين ونساء قائمة قادرات اليوم هن حفيدات الماجدات اللواتي صنعن اجيالا وبنين قرية وحملن على اكتافهن عبء مسئولية كل شيء في حياة القرية وكتفا الى كتف مع الرجل كانت المرأة البرقينية تصنع كل شيء بلا فوارق الا عند قطف الثمار فلم يكن للمرأة حضور على الاطلاق فلا هي المسئولة عن ابنها او بنتها في المدرسة ولا هي صاحب حق او راي مهما كان صغيرا في شؤون القرية وفقط كان عليها ان تعمل وتعمل خارج البيت وداخله بينما يتصدر المشهد الرجل في كل شيء عند قطف الثمار فالمرأة والرجل يعملان معا في الحقل وعند المساء يتفرغ الرجل لجلسات طق الحنك ولو كانت بالشأن العام بينما تواصل المرأة العمل في البيت حتى تنام مهدودة من التعب.

اليوم يبدو ان حفيدات البطلات البرقينيات الاوائل قد قررن اخذ حقهن وحق جداتهن بأيديهن رغما عن أي شيء وكل شيء وقد استطعن باختصار وايا كانت النتائج ان يؤسسن لدرس عربي بامتياز ليس في برقين ولا في فلسطين فقط ولكن قدي يكون ذلك سابقة لم يسبقهن اليها احد على حد علمي وهو درس لمن لا يعتقدون ان النساء قادرات ودرس يقول للجميع ليست مارغريت تاتشر ولا انديرا غاندي ولا بنازير بوتو وباندرانايكا وايزابيل بيرون والعديد العديد من النساء اللواتي استطعن قيادة شعوبهن بل الانتقال لموقع الرمز العالمي بالقيادة والامثلة لا زالت حية كما هو الحال مع ايسلندا والنرويج ومالطا وليتوانيا ونيكاراغوا وايرلندا وبنغلاديش والقائمة تطول وتطول.

نساء برقين هن امتداد للفعل الحقيقي المتواصل في الارض وعلى الارض ولكنهن هذه المرة قررن ان يقلن بالفم المليان نعم اننا قادرات معكم او بدونكم او اننا قادرات معكم لكن بإرادتنا لا بترك مقعد لنا هنا ومقعد هناك تحت انظمة ميتة تسمى ” الكوتا النسائية ” التي اسوأ ما فيها انها تعطي الرجل حق منح المرأة بعض حقها باعتبار ذلك كرما ذكوريا لا مثيل له واذا كانت الكوتا حقيقية فلماذا لا تكون منصفة كما هو واقع الحال السكاني في فلسطين ولماذا تبقى قيادة المجالس حكر على الرجال ما عدا بعض الحالات النادرة كما في رام الله وحالة او اثنتان في اماكن مختلفة في فلسطين لكن الحال لم يرقى الى مستوى الظاهرة.

لم أقرأ برنامج قادرات الانتخابي وليس يعنيني الامر كثيرا اولا لأنني لا املك حق التصويت في برقين وثانيا لان ما يعنيني ويعني الجميع هي الفكرة ومعنى الاسم الانتخابي وما يجب ان نبني عليه غدا وهنا اقصد النساء ومن يقف خلفهن واعني بوضوح كلمة خلفهن ففي قضايا النساء لا حق لاحد بان يتصدر المشهد سوى النساء انفسهن وكما كتبت مرة ” ليس اوقح من غني يسن التشريعات للقراء الا رجل يسن التشريعات للنساء “.

ان المنطق البسيط والبديهية العادية تقول أن من يبنين الاجيال والمجتمعات ومن كلا الجنسين قد يكن الاقدر على قيادتها فما معنى منع امرأة من دور الزعامة وهي التي علمت الزعيم كيف ينطق الحروف وكيف يخطو على الارض وهي بالتأكيد اذا فعلت ما فعلته مع الذكر والانثى فما دامت المرأة هي مدرسة الزعيم من الالف الى الياء لأنها امه فلماذا لا تكون اخته التي تلقت نفس التعليم ومن نفس المصدر هي الزعيمة ام ان الحق المطلق بالقيادة للذكر جاءت في وصايا الله تعالى

” قادرات ” درس نسائي عربي فلسطيني جنيني برقيني بامتياز ان كفى انتظار لإرادة الرجل في قبوله او تنازله او تعطفه في منح النساء حقوقهن وان النساء وحدهن وبأيديهن قادرات على اخذ هذا الحق بالقانون وبكل ادوات السلم فليست تعرف المرأة الفلسطينية سوى حب اسرتها وعائلتها وليست تدرك فعل غير ذلك فلعل بلاد تقودها النساء ان تكون اكثر رأفة بحالنا من بلاد يقودها ” الذكور “.

لم ارد لمقالي هذا ابدا ان يكون تدخلا في المعركة الانتخابية في برقين ولا باي حال من الاحوال  ولكني اردت ان اقول فقط انهن نعم ” قادرات ” على الصمود وقادرات على النجاح وقادرات على ان يكتبن حفرا على تلال برقين وفلسطين وغيرها انه يمكنهن وحدهن ان يصنعن الغد لهن ولنا وللجميع … نعم قادرات ليس في برقين وحدها ولكن في كل مكان … نعم قادرات ان يتقدمن أي مسيرة فلم تكن ولن تكون تاتشر اقوى من وداد ولا انديرا غاندي اقوى من صمود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى