لست تلك ” قصة قصيرة “

محمد حسين |  كاتب فلسطيني – دمشق

الجو الربيعي يلقي بظلاله على أطراف المدينة الممتلئة بالأدخنة، يصافح بقايا الزهور الغافية على شرفات المنازل المتلاصقة… بتول المتعبة من مربع الحصارات تفتح نافذتها تتأمل نسمات الريح الربيعية التي غازلت أطراف شعرها ،تغادر بروحها مربع الموت البطيء ، تجلس قرب شلال ماء فجر عنقه عازف الناي الحزين، أربكها صوت خرير الماء عندما عزف على جسدها المنهك لحناً بطعم اللوز فتساقط غبارها الشرقي على أفواه الينابيع. تمايل جسدها على إيقاعات خيوط الشمس التي عانقت أصابع الماء. شعرت بدوار يجتاح خلايا دماغها توقفت قليلاً، أخذت قسطاً من هواء الذكريات فوق صخرة نهشت لحمها أسنان الزمن، استعادت توازنها بسرعة، ارتشفت من مصب الماء رشفات متتالية كأنها لم تذقه طيلة حياتها، غمست يداها في جوفه، ارتعش جسدها الملفوف بأوراق ذاب حبرها عندما شربت نبيذ الخطيئة في منتصف الرحلة،  غادرت روحها إلى فضاءات لم ترها منذ سنين،
هل أنا في حلم أم في حقيقة أبعد من الخيال؟
بدت كل الأشياء من حولها تتغير بسرعة تأخذ أشكالاً مختلفة وألواناً تشبه كأس عصير احتسه فوق طاولة الأمنيات.
: أين أنا؟ في السماء الصافية الخالية من الهواء الممزوج بالأتربة أم في الأرض المزدحمة بسجون الأحلام.
أسئلة قفزت في وجهها طوقت  صوتها المبحوح من الصراخ في وجه الطرق المغلقة.
أين أنا؟
أوقف العزف أيها الماء فأنا لا أجيد الرقص على أنغام غادرتني في منتصف الرغبة ولم تعد.
صوت خرير الماء يتصاعد يصفق بيديه يغير شكل الإيقاع العصافير الماجنة في السماء تتجمع حوله.
جسدها المتشظي من سكاكين الليل روحها الذابلة من ماء النهار  تستعيد قوتها فجأة تنهض رويداً رويدا تتشكل من جديد بدت كأنها بنفسجة في ايقونة الصباح .
شكرا لهذا القدر الذي خطفني من حضن الرماد إلى حضن الاشتعال.
أنا.. أنا ..أيها الماء ولست تلك اصدح بصوتك لنرقص فوق أنقاض الوجع، لنشرب نخب القادم من خلف غروب الروح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى