ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والجبابرة (17)
محمد زحايكة | فلسطين
حنا سنيورة .. الصوت الذي صدح باسم فلسطين عاليا زمن ” الخوف” والعمل تحت الأرض
من الرموز المقدسية التي تركت تأثيرها على الصاحب اللاهب خلال عمله في بلاط الصحافة صاحبة الجلالة في الزنزانة الأستاذ الإعلامي حنا سنيورة أبو سمعان المحرر المسؤول لجريدة الفجر المقدسية الناطقة باسم (م ت ف) في الأراضي المحتلة حتى إغلاقها في عام 1993 .
وجاء سنيورة إلى الفجر من صيدلية الشعب في أول مدخل باب العمود واستطاع اكتساب الخبرة الإعلامية والسياسية بالممارسة والمران ومراكمة الخبرات والتعلم وترك بصمة ورؤية خاصة لها أنصارها ومعارضوها الكثر في الوقت نفسه لأنها كانت جريئة تتحدى النمطية السائدة وسابقة لأوانها وتستشرف المستقبل ومخاطره الجمة.
وما إن لاحظ سنيورة الصاحب وحركته الدائبة كبندول الساعة حتى اعتمده مراسلا “للجرنان” في جامعة بيرزيت وفي مدينة القدس وأوكل له شخصيا العديد من المهمات رغم ان الصاحب ما زال طري العود غض الإهاب.
وكان واضحا أن حنا سنيورة يراهن عليه ليكون صحفيا مهنيا ونشطا و “ملو هدومه”! وهو ما حصل خاصة بعد أن زكاه الزميل والصديق عزام الهشلمون الذي كان يعمل في الإدارة المحاسبية في الصحيفة، وقال لأبي سمعان بما معناه هذا الولد سابق سنه.. وسيكون له صيت في عالم الصحافة!
و ما إن كسب الصاحب عطف ودعم حنا سنيورة حتى راح يجوب الميادين راكبا باص نمرة 11 باحثا عن الأخبار والتقارير التي تعكس معاناة الجماهير وعذاباتها تحت الاحتلال وناقلا همومها وإنجازاتها ونضالاتها في مختلف الحقول مستفيدا من توجيهات أبو سمعان بشكل مباشر أو غير مباشر .
وتتميز شخصية حنا سنيورة بالصدق والخلق الرفيع والنظرة الإنسانية وخدمة الوطن والشعب على طريقته الخاصة بهدوء بدون رعونة أو تبجح حيث شكل في إحدى المراحل الحساسة صوت القدس وفلسطين الواقعي الحكيم الرشيد الذي يدرك ويتنبأ بعظم المؤامرة التي تستهدف الشعب الفلسطيني والنيل من قضيته العادلة ويحذر منها داعيأ إلى الوحدة ورص الصفوف والتمسك بالحقوق الشرعية المعترف بها دوليا لحشر أميركا وإسرائيل في الزاوية لأنهما تشكلان حلفا غير مقدس، ولكن صوته الواقعي كان يضيع في زحمة وارتفاع طنين الجعجعات والعنتريات الفارغة.
حنا سنيورة شخصية وطنية فلسطينية واقعية بنى فلسفته ورؤاه السياسية من الصفر مدماكا مدماكا، وخاض تجربة رائدة كان لها الكثير من الرافضين ودفع ثمنا سياسيا وشخصيا ولكنه ظل متمسكا بهذه الرؤية وحافظ على علاقات ودية مع رموز القيادة الفلسطينية وعلى رأسهم الزعيم الراحل ياسر عرفات الذي كان يقدر الدور الذي أداه في خدمة الشعب الفلسطيني .
كان الزميل الشاعر الراحل أحمد عبد أحمد أبو شريف يضيف مداعبا إلى الأسماء الخمسة (أخ/ أب/ حم/ فو/ ذو) .. اسم (حنن).. لما عرف عن حنا سنيورة من صفات العطف والحنان ومساعدة الآخرين وخاصة من “المعترين “.. وكان الصاحب شاهدا ذات مرة على عمق المشاعر القومية عند حنا سنيورة، عندما تم تهديد العراق بالانسحاب الذليل وأعطي مهلة محددة.. ومع انتهائها كانت صواريخ سكود تمر ملعلعة من سماء القدس إلى تل أبيب.. فتجيش وتفيض مشاعره تأثرا لأنه لا يريد للأمة العربية ان تذل وتستكين رغم خلافه مع أسلوب إدارة أزمة الخليج وقتها.. وكأنه يعطي درسا للمزايدين بأن الشعور القومي ليس شعارات وحماسات وعنتريات زائفة .
حنا سنيورة رمز إعلامي ودبلوماسي من العيار الثقيل.. كان له دور متقدم على الخطوط الدبلوماسية الأمامية أيام ما كانت منظمة التحرير تصنف كمنظمة إرهابية ومحاربة دوليا.
إنسان بكل ما في هذه الكلمة من معنى.. ليبرالي منفتح على الآخر.. يتفهم ويحترم وجهات النظر المختلفة.. ولكنه لا يسمح لأحد أن يتجاوز الخطوط الحمر.. حيث يذكر الصاحب أن أحد الأشخاص الذي جاء إلى جريدة الفجر حاملا أظنها موادا للصفحة الرياضية.. ولكن ما إن علم سنيورة أن هذا الشخص له علاقة بروابط القرى حتى ألقى بهذه المواد في سلة المهملات ومنعه من دخول المؤسسة. فقد كان سنيورة لا يتساهل أبدا مع أعداء وخونة الشعب الفلسطيني. وكانت جريدة الفجر في زمن حنا سنيورة نارا لاهبة ومشتعلة ضد روابط القرى العميلة حتى ذوت وذهبت إلى مزبلة التاريخ .
كل الصحة والشيخوخة الصالحة لأبي سمعان الصوت المقدسي الحر والشجاع الذي صدح لسنوات طويلة باسم حرية فلسطين وشعبها.