ضوء على ديكتاتورية رأس المال الفاشية بالولايات المتحدة
سعيد مضيه | خبير سياسي ومترجم فلسطيني
خلف الواجهة البراقة للديمقراطية في الولايات المتحدة، والموصوفة بأنها أفضل ديمقراطية في العالم، تجاوز الكاتب الأميركي ليونارد غودمان، الواجهة الزائفة ليكشف الخفايا تحت العنوان “إياك أن تُستغفَل وتصدق أنَّ الاحتكارات الرأسمالية تتمسك بالأخلاق”، قدم الكاتب وقائع عديدة وترك القارئ يحكم بنفسه. جاء في المقال:
أعلنت كل من أمازون، أميريكان إكسبرس، بلو كروس بلو شيلد، بريتش بتروليوم، بلاك روك، داو كاميكالز، غولدمان ساخس وغيرها من الشركات الكبرى مساندتها لمحاكمة ترامب وإدانته، وذلك من خلال وقف الهبات المقدمة للجمهوريين الذين رفضوا الاعتراف بالكلية الانتخابية.
ان اعتقدْتَ أن تلك الشركات اتخذت موقفا اخلاقيا ضد ترمب، أو من اجل حماية ديمقراطيتنا الدستورية فلا تنخدع. فهذه الشركات اشترت ممثلينا صفقة واحدة، ودمرت بذلك ديمقراطيتنا. حصل أصحاب الشركات من إدارة ترامب على تخفيضات ضريبية وتعطيل المراقبة الحكومية وإنقاذ من الإفلاس؛ والآن يريدونه أن يترك المنصب ، وهم لا يهمهم إن كان الرئيس من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، فهم يملكون كلا الحزبين ويتحكمون فيهما. فقط يريدون شخصا ما أقل غرابة أطوار وأقل تعطيلا لمجريات الأمور.
طبقا لمقالة نقلتها الأسوشييتدبرس خاطب زعيم الأقلية بمجلس الشيوخ الأميركي، ميتش ماكونيل، “كبريات الشركات المتبرعة للحزب الجمهوري كي يتعرف على تفكيرهم حول ترامب، وأبلغوه انهم يعتقدون أن ترمب حقا تجاوز الخطوط.” بات ماكونيل حاليا يرى ” عدم ابتعاد الحزب الجمهوري عن توجه الحزب الديمقراطي لإدانة ترمب ” . وهذا كله برهان على ان الشركات الكبرى تتحكم في مفاصل السلطة في واشنطن.
إنها عدوة للعمال وللبيئة؛ امازون تعمل على تفليس العمال وتدفع أجور إفقارهم، مجبرة بذلك العمال على أن يعتاشوا من الصدقات، بينما رئيس الشركة، جيف بيزوس، أضاف قرابة السبعين مليار دولار صافي على ثروته منذ آذار الماضي.
في العام 2003 نثر الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني الأكاذيب الصارخة لكي يقنعوا الجمهور الأميركي ان صدام حسين، الرئيس العراقي، يحتفظ بكميات ضخمة من الأسلحة الكيماوية ويسعى لامتلاك السلاح النووي. كل ذلك لتبرير شن الحرب لاحتلال العراق. جميع الشركات لا تحاسب على أكاذيب السياسيين واختلاقاتهم؛ ذلك أنها تبرر الحروب التي تقتل وتصيب بالأضرار آلاف الجنود الأميركيين ومئات آلاف العراقيين الأبرياء. وعندما بانت البراهين على الاختلاقات والأكاذيب رفضت نانسي بيلوسي الدعوات المطالبة بمحاكمة بوش من أجل إعفائه من المنصب.
لم يتم توجيه التهمة لاحد بصدد جرائم الحرب الوحشية، ولا عن نظام التعذيب الذي تم اللجوء اليه لتغطية الأكاذيب. بالعكس، في العام 2004نال جورج تينيت ، الذي ساعد الرئيس على اطلاق الأكاذيب وتغطيتها، وسام الحرية من الرئيس.
لا ينحصر الكذب في الرؤساء الجمهوريين؛ ففي العام 2011 كذبت إدارة أوباما لإقناع الأميركيين ان معمر القذافي، القائد الليبي، زود جنوده بحبوب الفياغرا لكي يغتصبوا أكبر عدد من النسوة، وأنه وضع الخطط لذبح المدنيين في بنغازي. الحرب جلّابة منافع لصناع الأسلحة والبنوك. وبذا فشركاتنا الكبرى لن تسمح بمحاكمات مسئولين بسبب جرائم الحرب. ويطالب المتبرعون من أصحاب الشركات منح حرية الكذب للرؤساء القادمين دون الخوف من محاكمات.
قد يستحق ترامب الإدانة والإعفاء، غير ان ذلك رمزي، لن يتحقق إلا بعد أن يترك البيت الأبيض. غير ان التركيز على ترمب كشخص سيء سوف يعفي غيره من التدقيق في سلوكياتهم. مثال ذلك ان الهجوم على مبنى الكونغرس قد جرى التخطيط له قبل أسابيع، وعلى المكشوف، على وسائل الاتصال الجماهيري، مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب. عشرات الآلاف من أنصار ترامب ممن يصدقون أن الانتخابات سرقت قد وجدوا التشجيع للمجيء الى مقر الكونغرس.
ينفقون بسخاء على الشرطة وقوات الأمن؛ فهي تتحرك بسرعة لقمع المظاهرات؛ ومع ذلك فإن وزارة الأمن الوطني و17 جهازا استخباريا فشلوا في منع اقتحام مبنى الكونغرس. ولهذا المبنى قوة حراسة من الفي ضابط، وموازنة قدرها نصف مليار دولار، أضخم من موازنة مديريات شرطة، مثل اتلانتا ، وهي مكلفة بمهمة واحدة: حماية مساحة ميلين مربعين؛ يقول المراقبون أن شطرا من القوة الشرطية كانت بالمكان يوم 6 يناير ، والبعض من الضباط قدم المساعدة للمهاجمين. اما مظاهرات حياة السود مهمة، فما ان تضخمت حتى برزت المخاوف من أن يهاجموا النصب التذكارية والمعالم؛ تم على عجل إحضار وحدات الحرس الوطني. لكن لدى أحداث الكونغرس صدرت دعوات لجلب الحرس الوطني ورفض الطلب أو جرى تأجيله.
يحتقظ بأهمية إجراء تحقيق في فشل قوات تثبيت القانون قبل ويوم 6 يناير، خاصة وقد أعلن الرئيس المنتخب، بايدن، في حينه عن خطط لتمرير قانون باتريوت جديد للتصدي ل “الإرهاب الداخلي”. بتعبير آخر يحصل تماما مثلما جرى حين أرادت حكومتنا بعد 11 أيلول مكافأة عجزها بتوسيع سلطاتها.
يعلمنا التاريخ ان هيئات مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي سوف يوظف سلطاته الموسعة لمطاردة اليسار وتحييده. وفي عقد الستينات وظف المكتب برامج، مثل كوينتلبر وللتضييق على زعماء حركة الحقوق المدنية امثال مارتن لوثر كينغ ولسحق حركة الفهود السود وحزب العمال الاشتراكي وحركة الهنود الأميركيين، وذلك تحت قناع اجتثاث ” التطرف”.
معظم الحكومات في أرجاء المعمورة أقرت قاعدة إن طلبت شركة إغلاق البيزنيس فعليها العناية بالعمال. وبلدان استراليا وبريطانيا واسبانيا وإيطاليا والمانيا وكندا تقدم إعانات لعمالها الموقوفين عن العمل؛ اما هنا في أغنى البلدان، فقد أقر الكونغرس، استجابة للوباء ، قانون كيرز (العناية) الذي حمى ارباح طبقة المستثمرين وتُرك العمال في العراء. معظم الأميركيين يشعرون بالقنوط والخذلان.
مؤخرا كتبت عن الحركة المتنامية على وسائل الاتصال الجماهيري للضغط على التقدميين في مجلس النواب وأطلق عليهم “الفرقة” لـ “فرض التصويت” لصالح الرعاية الطبية. رفضت بيلوسي إدراج الموضوع على جدول الأعمال، خدمة لمصالح شركات التأمين والأدوية. وفي الثالث من يناير 2021 أعيد انتخاب بيلوسي رئيسة لمجلس النواب، وما من أحد من “الفرقة” [التقدمية]تخلف عن التصويت لصالحها، او اشترط تأييد الاقتراع لصالحها دعم مشروع قانون الرعاية الطبية. إن سرعة انهيار حركة “الفرقة” واندماجها ضمن ديمقراطيي الشركات الكبرى امر يدعو ليأس التقدميين الحقيقيين الذين دعموا حملاتهم وصدقوا بوعودهم. التجرية قدمت الدليل على أن الناس لا يغيرون الحزب الديمقراطي، إنما الحزب هو الذي يغير الناس. كما يوضح لماذا حان الوقت لتشكيل حزب الشعب الذي لا يتلقى التمويل من الشركات الكبرى.
انتقل شطر كبير من الصحافة غير المنحازة لصف احزاب الشركات الكبرى وغدت أدوات بأيديها؛ نصف الناخبين أُبلِغوا ان الديمقراطيين سرقوا الانتخابات من ترمب ، بينما النصف الآخر تبلّغ عام 2016 أن الروس سرقوا الانتخابات من هيلاري كلينتون وان ترمب عميل للروس. يقول راي ماكغوفرن، المحلل السابق لدى الـ(سي آي إيه) والمشارك في إنشاء منظمة “خبراء الاستخبارات القدامى من أجل الاستقامة”، إن بالإمكان التعويل أكثر على ساندرز لمساعدة بايدن على إنعاش الاتفاق مع إيران ما إن يلعب بيرنز( مدير السي آي إيه الجديد) دورا رئيسا لبدء التفاوض مع إيران. ويوجد أيضا الأمل أن يتمكن بيرنز من إرجاع وكالة المخابرات المركزية الى الوظيفة الأصلية التي أنشت لأدائها – جمع المعلومات بصورة موضوعية، وذلك بدلا مما آلت اليه الوكالة- منظمة شبه عسكرية شديدة الخطورة، متورطة في تحديد أهداف الطائرات المسيرة وإدارة عمليات تغيير الأنظمة في أرجاء المعمورة.