مقال

ومانيل المطالب بالتمني؛ ولكن تؤخذ الدنيا إدارة

لا يكفي أن نحلم بالنجاح

بقلم: د. أحمد صفوت غنيم*
في عالم الإدارة، لا تتحقق الأحلام بالأمنيات، ولا يُبنى النجاح على النوايا الطيبة وحدها.فالأمنياتدون إدارة تبقى سرابًا يلمع في الأفق، وأحلامًا جميلة تظلّ حبيسة الخيال لا تجد طريقها إلى أرض الواقع، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي
“وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابًا.”
وفي لغتنا الإدارية الحديثة، يمكننا أن نقول بكل ثقة:
“وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا… إدارة.”
فالإدارة ليست مجرد مهنة أو وظيفة تُمارس داخل المكاتب، بل هي فن الحياة العملية. هي القدرة على تحويل الحلم إلى خطة، والخطة إلى فعل، والفعل إلى إنجاز. هي حلقة الوصل الذي تربط بين الرؤية والواقع، بين ما نريد أن يكون وما هو كائن بالفعل. وفي عالم الشركات – كما في الحياة – لا يكفي أن نحلم بالنجاح، بل يجب أن نُدير الطريق إليه. أن نُخطّط بعقل، ونُنفّذ بإصرار، ونُراجع بذكاء، ونتعلّم باستمرار.

شركة آبل.. من حلم ستيف جوبز إلى إدارة الإبداع
حين نتحدث عن الإدارة التي تُحوّل الحلم إلى واقع، لا يمكن أن نتجاوز قصة ستيف جوبز مع شركة أبل؛ فقد بدأت القصة عام 1976في جراج صغير بكاليفورنيا، حيث اجتمع جوبز وصديقيه وزنياك وواين ليصنعوا أول حاسوب شخصي باسم Apple I.لم يكن الهدف مجرد اختراع جهاز، بل تغيير طريقة تعامل الناس مع التقنية. وسرعان ما انطلقت أبل مع جهاز Apple II، لكن الخلافات الداخلية أدّت إلى رحيل جوبز عام 1985، لتدخل الشركة مرحلة تراجعوإنحدار، وفي عام 1997 عاد ستيف جوبز وكانت نقطة التحول.بفكر إداري جديد، فقد أعاد بناء شركة أبل على مبادئ البساطة، الإبداع، والتركيز، وأطلق منتجات غيّرت وجه العالم مثل:iPod، iPhone، iPad.
لكن أعظم ما فعله جوبز لم يكن هذه الاختراعات ذاتها، بل كيفية إدارة الحلم والتمني؛ فقد كان يرى أن الإبداع يولد من انضباطٍ جميل يقود إلى الكمال؛ ولذلك كان شعاره الدائم: “الإتقان ليس تفصيله صغيرة… الإتقان هو كل شيء”.
وهكذا تحوّل الحلم من مشروع في جراج صغير إلى إمبراطورية تتجاوز قيمتها ثلاث تريليونات دولار، فهي ليست بالأمنيات والتمني، بل بإدارة رؤية آمنت أن الحلم لا يكفي ما لم يُدار بحكمة. إن قصة “أبل” ليست مجرد قصة نرويها، بل هي درس إداري عميق: فالنجاح يبدأ بحلم، لكنه لا يتحقق بالتمني، بل يتحقق بإدارة ذلك الحلم بعقلٍ وذكاءٍ واستمرارية.فالقائد الحقيقي ليس من يكتفي برؤية المستقبل،بل من يُدير الحاضر بوعيٍ ليصنع هذا المستقبل بيديه. وإن ستيف جوبز لم يصل إلى مجده بالتمني، وأي شركة لن تبلغ النجاح إلا إذا أدارت أحلامها بوعي إداري، وخططت له بعقل، ونفذته بشغف. ولأن العالم لا يكرم من يحلم ويتمنى، بل من أداروا أحلامهم حتى أصبحت واقعًا؛ لذلك نقول: وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا …. إدارة.”

،،،،،

الكاتب في سطور:

د. أحمد صفوت غنيم كاتب باحث في الإدارة والتسويق، وأول من حصل على الدكتوراه المهنية في التسويق من أكاديمية السادات للعلوم الإدارية بجمهورية مصر العربية. يعمل في الشركة المصرية للاتصالات بقطاع التسويق، نشر أبحاثًا علمية في مجلات محكّمة في مجالات التسويق، وذكاء الأعمال، ورضا العملاء، ورعاية العملاء. يهتم بربط الفكر الإداري الحديث بالممارسات التطبيقية في بيئة الأعمال، وتشمل اهتماماته البحثية: الذكاء الاصطناعي في التسويق، وذكاء الأعمال، وإدارة الأعمال، واستراتيجيات القيادة الإدارية، والتسويق الرقمي، وإدارة التغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى