سعيد نفّاع – الأمين العام
الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين – الكرمل48
الوقفة الأولى… مع التسميات وعلامات العجب!
نشر الكاتب سهيل كيوان على موقع عرب 48 يوم 12 آذار 2023 مقالًا حمّله العنوان: “لماذا اتّحادان (!) للكتّاب والشعراء؟!” وفي العنون الثانوي جاء: “وجود اتّحادين (!) يحول دون انضمام كثيرين من الكتّاب لأيّ من الاتّحادين وذلك منعًا للإحراج”. (علامات التعجّب أو العجب بين الأقواس ليست في الأصل- س. ن.)
حقّ القارئ عليّ أن يعرف أنّ محادثة طيّبة تمّت بيني وبين الكاتب سهيل كيوان حول المقال وما جاء فيه، وفي صلبها كان ادعائي بأنّ المقال حوى الكثير من المغالطات. والأهمّ أنّ في صلب محادثتنا كان أنّ اقترحت عليه وما دام الأمر يقلقه، أن يبادر و”محرَجون” آخرون لوحدة الحراك الثقافي فالمنتديات والنوادي أكبر من تُحصى. وقد وعدته أن نتقبّل نحن في الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين- الكرمل48 المبادرة، إن أطلقها، برحابة صدر… فقال إنّه سيدرس الأمر.
اقتباسنا لمصطلح “اتّحاد” من أقوال الكاتب كيوان هو فقط لأمانة الاقتباس وليس في ذلك أدنى اعتراف بوجود اتّحاد على الساحة غير الاتّحاد العام الكرمل48، والإطار القائم الذي يتحدّث كيوان عنه هو مجموعة منشقّين عن الاتّحاد على خلفيّة نتائج المؤتمر الوحدويّ الأوّل؛ 11 كانون الأوّل 2021 وفشلهم في الوصول إلى مواقع نافسوا عليها، ومن هنا جاءت علامات التعجّب.
الوقفة الثانية… مع لماذا نردّ.
لا يهمّنا لا من قريب ولا من بعيد ما تناوله الكاتب كيوان من مصطلحات أو وقائع مدّعاة أو غير دقيقة بالمبدأ، ما يهمنّا فيها هو حين طالت المصطلحات أو الوقائع المدّعاة اتّحادنا أو المشهد العام، لا هذا الانشقاق ولا هذا التكتّل ولا ذاك، ولا هذه المجموعة ولا تلك. ومن هنا سنتناول الأطروحات من هذا البابوحسبما جاءت في المقال.
أوّلا: يكتب سهيل أنّ في الاتّحاد الأوّل (الكرمل48) بضع عشرات من الكتّاب والشعراء. حين أشرت في المحادثة أعلاه: “من أين لك ذلك؟!”، أجاب: “لم أكتب بحثًا كي أتحرّى!”
عدد أعضاء الكرمل 149 عضوًا وخلال هذا الأسبوع بحثت لجنة القبول ثلاثة (3) طلبات وأقرّتها وما زالت أربعة(4)طلبات قيد التداول. سهيل كيوان وكلّ معنيّ يستطيع أن يعاين قائمة عضويّتنا ومتى شاء وسنضعها وطلبات الانتساب الموقّعة أمامه.
ثانيًا وعطفًا على محاولته التشبيه بين غير متشابهين: اتّحاد الكرمل 48 هو الجسم الوحيد على الساحة من أجسام مشهدنا الفكري والسياسي والاجتماعي، الذي يجمع كافّة أطياف أبناء شعبنا؛ الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة في بوتقة من التكامل والتكافل الوطني والأدبيّ في صلبه.
الوقفة الثالثة… مع المحرجين!
ثالثًا وعن التمنّع لدى البعض من الكتّاب والشعراء من الانضواء تنظيميّا بسبب الفرقة: نقول أنّ يوم 9 شباط 2019م شهد وحدة في الحركة الثقافيّة عندنا لم يشهدها مشهدنا تاريخيّا (لاحقًا سنجيئ على ما يدّعيه سهيل في هذا السياق)، ولم نر أنّ الكاتب كيوان انضمّ إلى هذه الوحدة، لا هو ولا من يقول عنهم وباسمهم: “الوحدة ستدفع بكل أولئك الذين اختاروا الحياد بأن ينضموا، وهم لهم وزنهم الكبير كمًّا ونوعًا، إلا أن هؤلاء نأوا بأنفسهم عن الاتحادين، خشية تصنيفهم مع هذا ضد ذاك، أو مع ذاك ضد هذا”.
يضيف كيوان: “في ثمانينيات القرن الماضي كان هناك “اتّحاد للكتاب والشعراء العرب في إسرائيل” ترأسه الشاعر سميح القاسم تلاه الكاتب محمد علي طه، وكانت كذلك “رابطة الكتاب والشعراء الفلسطينيين” برئاسة الشاعر جمال قعوار، … إلا أنَّ روح المسؤولية تغلّبت لدى الطرفين، وجرت مفاوضات نشأ عنها مؤتمر احتفالي واتّحاد جديد شمل جميع الكتاب والشُّعراء الراغبين في أن يكونوا ضمن إطار تنظيمي، … وفي معايير صارمة للعضوية.”
هذا الاتّحاد الذي يتحدّث عنه سهيل لم يتعدّ الجلسة الاحتفاليّة. هكذا يقول محمّد علي طه وعطالله جبر اللذين كان الفاعلين (مع أل التعريف) في المشهد الذي يتحدّث عنه سهيل، وذلك في بحث أجريته حول تاريخ التنظيمات الأدبيّة في ال-48.
أمّا عن معايير العضويّة فيكتب كيوان: “وزاد عدد أعضائه عن المئة كاتب وشاعر، وضم أكثر الشعراء والكتاب الفاعلين على السّاحة الثقافية، وفي معايير صارمة للعضوية.”. جاء هذا في سياق حديثة عن “هبوط المعايير في حالنا. كيوان يقع مرّة أخرى هنا في مغالطة تنفيها الوثائق قبل الواقع، فعن أيّ معايير صارمة يتحدّث كيوان؟!
جاء في النظام الداخلي ل”إتّحاد الكتّاب العرب في إسرائيل” (سميح القاسم ومحمّد علي طه مثلما يذكر) في البند 3 للمادة الرابعة أنّ الشرط؛ كتابًا أو 15 مادّة أدبيّة. وفي النظام الداخلي للاتّحاد العام الكرمل 48 جاء في المادّة 4(أ) أنّ الشرط كتابًا أو ما يعادل كتابًا… فأين وجد كيوان الصرامة في القبول من عدمها؟!
وعينيّا هو مدعو لمعاينة قائمة العضويّة في الكرمل48، وإن وجد عضوًا لم يصدر كتابًا أو ما يعادل كتابًا، نعده أن نلغي عضويّته!
الوقفة الرابعة… مع التأسيس وإعادة التأسيس!
رابعًا: يكتب كيوان عن إعادة التأسيس في ال-2010 وانتخاب سامي مهنّا رئيسًا، وعن تأسيس مرّة أخرى انتخب فيه فتحي فوراني رئيسًا (هذا بكلماته). مرّة أخرى يُظهر هذا عدم الدقّة التي ميّزت المقال، وحجّة الكاتب كيوان أنّه لم يكتب بحثًا وإنّما مقالًا لا تشفع. فعام 2014 جرت محاولة لإطلاق مؤتمر تأسيسيّ شامل، ولعلّ لنا البيّنة القاطعة في الدعوة التي وجّهها طيب الذكر سلمان ناطور عشيّة اللقاء التحضيريّ 29 آذار 2014 في شفاعمرو عن التأسيس من عدمه: “دعوة لحضور الاجتماع العام للكتّاب تحضيرا للمؤتمر الأوّل العام(التوكيد بخط ليس في الأصل- س. ن.) لاتّحاد الكتاب الذي سيعقد لاحقا”. إلّا أن اللجنة التحضيريّة فشلت وانطلق اتّحاد الكرمل بمبنى على نسق الحركات والأحزاب القوميّة واليساريّة برئيس فخريّ هو فتحي فوراني وأمين عام هو الكاتب.
خامسًا: الكاتب يمرّ، وكما ذكرنا، مرّ الكرام على الوحدة الشاملة شباط 2019 والتي فيها توحّد الاتحّاد العام 48 (سامي مهنا) والكرمل (فتحي فوراني- سعيد نفّاع) والتي أثبتت كيانيّتها عملًا تنظيميّا وميدانيّا ثقافيّا لم يسبق له مثيل في حركتنا الثقافيّة كان سهيل شريكًا حضورًا في الكثير منها. غريب كيف انزلق قلم سهيل عن هكذا حدث إلّا تلميحًا!!!
الوقفة الخامسة… والتقيّة!
سادسًا: كيوان يحكي عن طرفين في المشهد وعن انقسام، ويقول إنّه لا يعرف الأسباب التي أدّت إليه. يا عزيزي يا سهيل أن تتّبع مبدأ “التقيّة” وهذا ما ميّز كلّ مقالك، فيمكن أن نفهم، لكن أن تطرح نفسك وكأنّك لا تعرف فهذه صغيرة عليك أنت القارئ المتابع والكاتب اللامع.
الاتّحاد الموحّد (الكرمل 48) عقد مؤتمره الوحدويّ الأوّل بعد قرابة الثلاث سنوات من الوحدة الناجحة تنظيميّا وميدانيّا، عقده يوم 11 كانون الأوّل 2021 في شفاعمرو بمشاركة 141 عضوًا من أصل 186 عضوًا. ظهرت قبل المؤتمر وخلاله فئة صغيرة أرادت أن تغيّر الدستور بحيث يكون للاتّحاد (مختاران ونائبان لهما)؛ رئيس ونائب رئيس وأمين عام ونائب أمين عام، ورشّحت لل”موْقِعين” مرشّحَين ونافسا وفشلا، ولو صار لها هذا وكان لها (مختار ونائب) لما كنت كتبت مقالك هذا!
وأمّا الوقائع، فالاتّحاد عقد جلسة خاصّة للمؤتمِرين للبحث في هذا الاقتراح وتمّ طرحه وتعليله على يد أصحابه من هذه الفئة بكامل الحريّة والديموقراطيّة، وجرى التصويت السرّي عليه أمام ثلاث لجان صناديق، وكانت النتيجة أن رُفض الاقتراح بأكثريّة %77. وتابع المؤتمر أعماله وتنافس من تنافس منهم ونجح من نجح وبارك من فشل لمن نجح وبعد شهرين قرّر الفاشل الانشقاق، ليس قبل أن يملأ الدنيا سيلًا من ضجيج الاتّهامات، وما زال!
هذا الذي يقول الكاتب سهيل كيوان إنّه لا يعرفه.
الوقفة السادسة… مع الوثائق المفتوحة وبيت القصيد.
أعلنّا حينها ونعود ونعلن أنّ وثائق المؤتمر مفتوحة أمامك يا سهيل كيوان إن قرّرت أن تطلق مبادرة وإن لم تقرّر، ومفتوحة أمام أيّ باحث أو صحفي أو معني.
وأخيرًا يكتب سهيل: “في الوقت الذي يكتب معظم شعرائنا وكتابنا عن الوحدة الضرورية بين جميع الفصائل الفلسطينية، فأن الكتّاب والشعراء لم يستطيعوا الترفّع عن خلافات صغيرة وتوحيد صفوفهم.”
نوافق سهيل كلّية، ونضيف ما قلناه في اجتماعاتنا العامّة وفي أكثر من مناسبة،مِن أنّ لا حقّ أخلاقيّ ولا أدبيّ لكاتب أو شاعر يطالب قوانا السياسيّة بالشراكة والوحدة وهو يشقّ الصفوف وفقط لأنّه فشل ديموقراطيّا في تبوّء موقع أو مركز، ومهما بلغت “جرأته” في تحوير الوقائع وإن صفّق له نفرٌ.
هذا بيت القصيد والباقي زبد!
الوقفة السابعة… مع الأيقونتان؛ درويش والقاسم والانشقاقات وحمار مسّادة!
ومرّة أخرى لا أجمل من أن ننهي بما تبادله “ايقونتان” من المشد الثقافي عندنا طيّبا الذكر والذكرى؛ محمود درويش وسميح القاسم يوم انطلق اتّحاد الكتّاب العرب عام 1987، فقد كتب محمود رسالة مفتوحة في اليوم السابع 5 تشرين الأوّل 1987 لسميح، جاء فيها:
“ليس حدثًا عاديّا، في ظروف غير عاديّة، أن تنجح أنت وإخوانُك الكتّابُ في تأسيس أوّل اتّحاد للكتاب العرب في الوطن، بعد أربعين عامًا.
أربعون عامًا؟
لا تنظر إلى الوراءِ بحزن.. لا تنظر إلى الوراء إلّا لتعرف أين وصلتْ بنا الطريق. للأعداء حساباتُهم ولنا حسابُنا. إنّ وراءنا أربعين عامًا من محاولة تهويد الأرض، واللغة، والروح.. أربعين عامًا من الصراع على البقاء أسفر، على المستوى الثقافي، عن ولادة أوّلِ اتّحاد للكتّاب الذين كانوا مرشّحين للالتحاق بما تحدّده الدبّابة من حدودٍ للهزيمة النفسيّة والأدبيّة.. فلم يُهزموا…”
“هل تتذكّر البداية؟
منذ البداية كان الصراع محتدمًا على الجبهة الثقافيّة بين مشروع التهويد، والاستلاب، والعدميّة، والتغريب.. وبين وعي الهويّة والحريّة. ومنذ البداية انتصر المتنبّي وأبو فراس الحمداني، فينا، على حاييم نحمانبيالك وجدِّه السموأل. ومنذ البداية انتصر النحل في دمنا على بعوض المستنقعات التي جفّفتها أناشيدُهم الركيكةُ التي حاولت أن تربّينا على حبّ استعبادنا، فلم نقبلْ إلّا العكسَ. إنّ عكسَ ما فيهم هو شرطُ المحافظة على هويّتنا: عرب، ولا نخجل. عرب ولا نرحل…
هل تتذكّر البداية؟
منذ البداية لم يكن نشاطُنا الثقافي يحاور نشاطَنا العلمي فقط، يعبّر عنه أو يستكملُه، بل كانت الكلمة هي الفعل، لا حدودَ بينهما، ولا حدودَ بين الجسد واللغة، وذلك ما جعل الأغنيةَ وطنًا وما جعل الوطنَ أغنية. ومنذ البداية، لم يكن نشاطُنا فرديّا إلّا في المظهر. هو النشيدُ الجماعيُّ الذي لا يزال مفتوحًا على البداية وعلى أفق الحريّة.
لذلك، فإنّ اتّحاد كتّابنا قائم، معنويّا، منذ البداية ولكن إعلانَ تأسيسه العلميّ، الآن، هو تتويجٌ لحاجاتنا الوطنيّة، في الداخل والخارج إلى بناء المؤسّسة، وإلى وحدة التمثيل الوطني على أكثر من مستوى. إنّه شكلٌ من أشكال تبلور الكيانيّة الفلسطينيّة بعد أربعين عامًا من النكبة ومقاومة الاحتلال الثقافي، وهو إعلانٌ عن انتصار ثقافة الضحيّة على ما تعرّضت له، من حروب الإلغاء والإبادة… إنّها دلالةٌ رائعة أن يتشكّل اتّحادُ كتّابنا في الداخل في مناخ نجاحنا في توحيد صفوفنا في الخارج…
واسمح لي، وأنا أشدّ على يديك، أن أدعوك إلى ترك باب الاتّحاد مفتوحًا على مصراعيه لكلّ من يخالفُكم الرأيَ والعقيدة،فلسنا في حاجة إلى ترف هذا الخلاف الذي لا يبرّر الدعوةَ المتسرّعة إلى إنشاء اتّحاد كتّاب بديل، وإلى مفاوضات توحيد، ومؤتمر جديد.
أما زال في وسع المحتلّ أن يحتلّ المزيدَ من قدرتنا على الفرح بالوليد الجديد؟ أما زال في وسع المحتلّ أن يُحيل أزمتَه علينا بحصان طروادة من هنا، وحمار مسّادة من هناك؟ لا، لا …”
20 آذار 2023م