قراءة في كتاب ” للسجن مذاق آخر” للأسير أسامة الأشقر| أدب الأسرى
الأديبة: إسراء عبوشي | فلسطين
كلمات تخرج للنور أمل يكسر عتمة الصمت، لكنه أمل مر، كلمات مغلفة بوجع ما، لحظة شقت طريقها وسط حقل من الألغام بالصبر والوهن معا، يجمع المتناقضات هو مد وجزر
كلمات غلفتها حواس الأسير، شيء منه تحرر بإطلاقها، بعد أن عاشت في جوفه ولامست وجدانه ثم صاغها للتحدث بصوته لتخوض شرف المحاولة وتبني صرح ومنهج يترسخ في الأذهان لأبناء الوطن كافة، شهادة حية موثقة بأحداث، فيها الزمان والمكان الرتيب المتشابه الصامت الموحش الأليم يبني عزيمة.
أيها الأسير ومضات من روحك العالقة بمداد من نور تكسر صمت الجدران الخرساء وتنطق ستحيي ما مات فينا وتليّن جفاف قلوبنا.
نقرأك فنحارب هشاشة أمانينا
أنقذ ما استطعت من كلماتك وأردِم قبر قسوتنا، هو دورنا لنتجرع معك المر ونحقق سويا النصر، هي معركتنا معا مع أننا لسنا جديرين بقداسة رسالتك، فقط نقراك لنحاول أن نرخي قيد معصمك المشدود على وجع البلاد.
للسجن مذاق آخر، يكتب أسامة الأشقر سيرته الصادقة، بعاطفة مؤثرة، استخدم مفردات موائمة أصابت المعنى المراد ووصف أدق التفاصيل بأسلوب مشوق يحبس انقاس القارئ، يحزنه، ويتركه وسط دهشة المشاعر وعنفوان المقاتل
الأسير ما زال على أرض المعركة ولم يسقط سلاحه، وتراه في زنزانته يشم رائحة خبز أمه ويسمع قيام آذان والده، تنقله البوسطة فيشم رائحة البحر، وهو معلق على كرسي حديدي يأكل جسده
لدى الأسير أسامة روح أمل لم يطال منها الأسر، هو يرى زنزانة العزل تعج بالحياة.
يكتب بعاطفة موضوعية غير منجرفة يكتب عاطفته بمداد ممتد من حضن الألم لينير على صفحات الورق بأمل متدفق، هي إشراقات حب منار في قلبه، حيث بدى أكثر شباباً وقبر الأحياء أصبح حديقة عشق تستدعي الأمل وتحرّض على الحياة.
الأمل كما يعرّفه أسامة محطة انتظار طاقة خلاقة تحمله إلى حيث يتوق
وما الأمل إلا انتصار على السجان.
أما منار… منار التي تهدينا الأمل المتصبب شوقاَ وعشقاَ، ترمم وجه القبح في ملامح الزمان، توقفه وترسمه بريشة الإرادة، وتقول أسرانا أحرار بلا قيد السجان، يخطبون يتزوجون وينجبون الأطفال، ويكتبون.
الحرية ليست بعيدة الآن نستطيع أن نأخذ حقيقة تاريخنا من كلمات أسرانا، فقط نقرأ بعيونهم الواقع ونحلم بالنصر معهم.
في الجزء الأول “واقع الاعتقال وحياة السجن”
يقارن الكاتب بين الأسر والاستشهاد ويفضل الاستشهاد، يقولها صريحة” لو كنت استشهدت ما كنت لأصل إلى هنا”
لأنه لا يريد أن يفقد مهابته التي تدخل الرعب في نفوس أعدائه، بحث في الأسر عن سلاح مقابل المحقق وأدار معركة معنويات ” الزمن والصمود” ليخرج قدوة لباقي الأسرى بعد الاعتراف وينتصر على جهاز التحقيق ويجعل للسجن مذاق آخر.
تلك الرغبة بالاستشهاد يتمناها الأسرى لينتهي عذاب السجان والم الجسد الذي لا يبرأ إلا بخروج الروح، تمنى الأسير رياض …. ليتخلص من الألم ص 59
لا يحزنه الألم الجسدي بقدر ما يحزنه إجبار الأسير على احناء قامته تعبيراً عن الذل والمهانة وهذا يفوق كل أنواع وأشكال العذاب، لكن ما دامت تعبر عن مكانة ودور الأسير النضالية والثورية وخشية دولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية منه، وتأثيرها خارج الأسر وداخله فهي مصدر فخر وعزة له.
السجون ساحة نضالية متقدمة بوقع مختلف فيها عزيمة وتحدّي وصمود وهناك حرب وشهداء
حقق الأسرى الكثير من المطالب بحرب الأمعاء الخاوية، وراح ضحيتها عدد من الأسرى، دفعوا أرواحهم ثمن لتحقيق حياة أفضل لإخوانهم الأسرى، خضع المحتل لمطالب الأسرى. وطلت لحظة النصر
الزيارة ” نافذة الحياة”
يصف الكاتب الزيارة بأسلوب عاطفي رقيق تبكي القارئ، هو مقيد، الحرية وطقوس الحياة اليومية شوق بعيد، يحمله الأهل اليه لتضيء كلماتهم الودودة قسوة السجن، وتبدد ظلام الزنزانة، تكسر دمعة الأم صمود النفوس تريد الأم أن تفرح بابنها الم وامل معاً
ترجح كفة الألم بنظرة
.. وبعد اللقاء لا يعود كما كان
صور مؤثرة اصعبها حين يرفض الابن تصديق أن الأسير خلف القضبان والده فيخاف منه، فلو كان والده أين الحضن الدافئ وين ضمة الحنان.
وهو يستمع لأخبار الأسرى، تأتيه تعزية بوفاة أخية إيهاب، تدور الدنيا المحصنة بالجدران الخرساء من حوله به، ينكر يبحث عن اليقين في وفاة رفيق الصغر الأخ والصديق والسند.
في الجزء الثاني ” حروب الظل”
يكتب عن حروب إسرائيل الغير معلنة في الظل، وأيديها الخفية في مختلف المجالات، هي حالة اختراق كبيرة للجسد الفلسطيني، بوسائل مختلفة وأدوات كثيرة، داخل السجن وخارجه، تستغل حروب الظل جوانب العنف البشرية والحالات الإنسانية تستغل الإعلام الموجه.
يكشف مصيدة أجهزة المخابرات الإسرائيلية، ويظهر اذرعها الطويلة في فلسطين وخارجها.
الكتاب من منشورات اتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، ويقع في 175 صفحة من القطع المتوسط.