انتزعوا جوهر القضية

سمير الجندي  | فلسطين

قضيت وقتا معهم حتى جفت ملامحي وانحنى قلمي وجف… قضيت وقتا وأنا أحشر كلماتي حتى امست شاحبة كمن انتابه حالة إغماء.. أنا لا أجيد تحنيط الحكايات او الحيوانات او الفرح… انا الآن في الحجر وما زلت احب تسجيل كل شيء حتى ذلك العذاب.. فالكتابة نفسها لها قيمة توجهني نحو العمل… ربما بدأت النص من وسطه.. لكنه لن يكون نصا طويلا… مثل حياة ذلك اليتيم الذي توفيت والدته لحظة ولادته… كانت تحيط به مشيمة جفت فتكسرت بفعل ادمان الأم على السجائر… فالحياة تكشف عن نفسها فخلف كل شجرة تعيش سناجب وفراشات… ينادينا من قلب الأيك ذات الأوراق الكثيفة بطل القصة المتحمس.. فهل نتذكر الماضي بفعل الحاضر البائس..؟ كانت ملابسنا المدرسية امتدادا لملابس الجنود القابعين على الثغور، وكنا حليقي الرؤوس… وانا لا زلت على هذا الحال؛ احب حلق الرأس، وارتداء ملابس الجنود… لا احب الوقوف في صف واحد، ولكني احتفي بابتهاج لافت حين استقبل لفظا حلوا عميقا يدهشني…
هم يمرغون الكلام ببلاط الطريق… وانا أدعي انني لا اعرف الطريق إلى الأبدية. بالرغم من انني استطيع ان احصي عدد المطبات المنتثرة في وسط الطريق… فعلاقتي بهم تبدو صافية؛ بلا نصائح، وبلا روح عملية. أقول سلاما.. فأتقي جهلهم… فكيف؟ ولماذا اضطررت بناء الحكاية معهم؟ وحين ادركت انني لا استطيع اكمال النص بحضرتهم… لم انسحب. فأنا لا اقترف امرا شائنا، بل أنا أغرس بذرة ستمنو ببطء ليتكشف الثمر في فصول بعيدة في بلاد لا يمكن حذفها… هم مخادعون بالفطرة. والخداع مكون من مكونات جيناتهم… هي مسألة استثنائية، اجتماعية او وطنية، تحتمل الارتفاع والسقوط… ربما هم مضطهدون… ربما انا مضطهد… لكن النتيجة القاسية انني انتزعت نزعا من جوهر القضية كمن ينتزع ساقا نبت عميقا في جرد الأرض فترك خلفه فجوة واسعة كفوهة بركان..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى