دون عرشك والماء.. الشعر في رحاب الفلسفة

مجدولين الجرماني | سوريا

الشاعر رضوان هلال فلاحة

صادر عن دار سين سوريا

الفلسفة أم الشعر وهي جدلية حتمية للتطور العقلي الواعي على مد العصور.. فالشعر وُجد قبل وجود الفلسفة لكنه اتسم بتصميم فلسفي وخير مثال على ذلك في الأدب العربي هو (المتنبي، وأبو العلاء المعري) وغيرهم كثر

من هنا تحديدا نرى شاعرنا يعتلي صهوة فلسفته الخاصة بحيث يدخل قصيدته عمق أفكاره الفلسفية، ليوضح لنا فكرة الوجود وخلقه والكون والإنسان وتساؤلاته الكبيرة وخاصة حين يختلط الوجدان والمشاعر بالتساؤلات عن الموت والحياة والألوهية وبدء الخلق.

نرى شاعرنا يحلق بالمعنى ويغوص باستنارة الفكر واللغة معا.. حين يقول:

مَن أنتَ يا عدوّي

من يسألُ من …

أللفكرِة ولادةّ من رَحِم الاحتراب …

ليُزهرَ الاغترابُ غنائيّةً

على مقاصلِ الفكرةِ ..

فلمن تُعيرُ ما أودعتكَ أمَّكَ !

امتلكْ ما بعدَ الإجابةِ كُنهَ السؤال ..

واقرأ تمرُّؤَكَ في تضاريس الممكن

حتى لا تؤطِّركَ العدسةُ

بلون الألقِ الكاذب ..

فبين العتمةِ والضوءِ فجرّ صادقّ..

يمتحنُ بدايتكَ والنهاية

***

يبدأ من الإهداء حيث سر الكلمة

” النار التي تنير الليل ..

هي ذاتها التي تحرق النهار ..

فاحذر حين تضرب ريشتك ..في المحبرة ”

 

استوقفتني الكثير من النصوص بهذا الديوان الشعري المميز بحيث يبدأ الشاعر بقصيدة هي عنوان ديوانه … “الماء بدء التكوين” فكيف إذا تحدى المكون بذاته؟

نرحل بخيوط واهية كما نأتي من اللاوجود، نبحث في وجودنا وننتهي للعدم وتستمر الحكايا، هكذا بدأ شاعرنا في (دون عرشك والماء) حيث يذهب لعمق الخلق بحيث يشكل كلماته عبر صور تجرنا لذكورية الحال والاعتقادات المترسخة لدينا، يخترق عالمنا المليء بوجع الرضوخ ويمتد ليشمل الآتي ونستمر بانتظار ما لا ينتظر .

الأرض تعصر ثدييها للغمام

حبيس السماء

هناك ..حيث الفصول أشلاء

تتكئ على موائده

حين تكذب الفصول

لأرامل الحنطة حناجر

تبتلع السماء

يجسها بإصبعه لعل للوجع أثر ماء

فللوجع ارتداد الروح

ودورة لامتداد الحياة

يفاجئني بمعان متعددة ويترك في نصه (صورة) حيث يترك الخيار للقارئ بأن يتخذ الصورة التي تداعب خياله ثم يقصم ظهره بكلماته بأن ينهيها خلف الجدار صورة …

وأيضا نرى الشاعر يعتمد على الإبحار أعمق في فلسفته الوجودية ليرينا بأن الجميع قطرة ماء في قصيدته (أيها الإنسان) بحيث الوجود أسطورة بالرغم من تعدد الأسماء، هو يطالبنا بالمعرفة والبحث وأيضا في نص (ميضأة الاكتمال) بحيث يذهب بنا إلى أعلى مدارك الإنسان وكينونته وانشطار الروح واكتمالها في قبلة هي الحياة والاحتواء.

إذ قالت الهواء في كل الأرض واحد

فتحجرت زهرتان في مدمعي

وامتثال الانصهار

لمّا أن قالت : لست لك وحدك

فأحسست مابي يسكنها

فيقين الاكتمال …

 

ويتحدى الشر بقوة الخير فيقول:

فلتكن كلمة للبدء بأرض فوق السماء

يعلم فيها هابيل قابيل

كيف ينحت بمدينة وردة حجرية

الشاعر لا يتخلى عن قضية وطن وهنا غرقنا معه في تخوم بلاده فلسطين الحزينة فهو يؤمن بأن هذه القضية تحتاج لهوية بندقية ويتمسك بجذوره ووطنه فيقول:

وثق عروة النار هناك وأفق

كان موعدها كوفية مخضبة بالدم

أوثق جذوتها أبي

بين الزيتون والتراب

وغاب

كي لاتغيب الهوية

وكذلك قصائد عدة تغنى بها الشاعر ( حجر حجر – وحي الشهيد وغيرها)، ولم ينس الشاعر أباه وأمه وجدته ولغته وكل ما يمتد في كونه الداخلي وسعته… هذا ديوان يستحق القراءة لأنه مختلف في الكلمة والمعنى والفكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى