قتلوا ثروت عكاشة واليوم يحتفلون بمئويته

بقلم: فرحات جنيدي | كاتب وناقد مصري

لقد أصبح شعار وزارة الثقافة “عش نملة تأكل سكر ” و عندما نتحدث يقولون لقد أعمت الكراهية عيونكم ولا تنظرون إلي ما نقوم به.

ها هي أعمال التطوير تتم في متحف محمود مختار بعد اغلاق استمر أكثر من عشر سنوات وها هي أعمال التطوير تتم في متحف الجزيرة للفنون بعد إغلاق وتوقف استمر لأكثر من ٣٢ عاما.. هذا المكان العظيم الذي يعد من أهم المواقع المتخصصة فى الشرق الأوسط، ونحن نعمل علي ترسيخ الهوية والحفاظ على كنوز وثروات الفن المصري والعالمي بجانب الموروثات والمقتنيات سواء تاريخية أو ثقافية أو فنية، ومتحف الجزيرة للفنون يضم مجموعات رائعة من المقتنيات التاريخية العريقة والنادرة التى توثق لحقب زمنية مختلفة .
لماذا تضحك هكذا ولماذا تذكرني بزهرة الخشخاش؟
ان ما حدث في الماضي لن يحدث مرة أخرى فما يضمه متحف الجزيرة للفنون من مقتنيات ملكية نادرة بالاضافة إلى مجموعة متنوعة من الخزف الإسلامى المصرى والدمشقى والبخارى والخزف الإغريقى والروسى والتركى والبورسلين الصينى من مختلف العصور ،و المجموعة الكبيرة من النسيج القبطى من القرون الخامس والسادس والسابع الميلادية، والنسيج الإسلامى، والجوبلان البلجيكى اللذي هو من القرن 18 والجوبلان الفرنسى اللذي هو من القرن 19 م والتحف المعدنية التي هي عبارة عن شمعدانات ومباخر وصوانِ تنتمى للعصر المملوكى فى مصر وأماكن أخرى كالموصل والصين، و اللوحات والتماثيل التي هي من خامات مختلفة للفنانين الذين يمثلون رموزاً لمختلف المدارس التشكيلية الأوروبية منهم رودان ، ديلاكروا ، مونيه، ديجا، رينوار ، روبنز، كونستابل. كل هذا في عهدة الوزيرة وكل رجال الوزارة فلا تقلق.
لا أيها السادة أنا لا أنكر مجهود احد ولا أنكر اني سعيد جدا بهذا التطوير لكن كل ما في الأمر أني قلق بل خاءف ومرعوب أن يضيع كل هذا الجهد في وزارة لا تعرف قيمة ما تملك وقيمة ما تفعل فأنا لا اذكركم بأعمال تجديد السيد احمد عواض بمكتبه ولا تغييره لروئساء سلاسل النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة ووضع أسماء اغلبها جاء بالمجاملة ولا بوضع اسمه كرئيس “سلسلة اصدارات خاصة”، بجانب عمله كرئيس للهيئة ولا عن احياء الموتي بإقليم شرق الدلتا الثقافي ولا عن المجاملات في نشر أعمال فاشلة لأسماء فاشلة من أصدقاء رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة ولا من أصدقاء رئيس الهيئة العامة للكتاب الذى اغلق الباب أمامنا نحن الشباب وكذلك أمام الكبار من المغضوب عليهم واليوم ينشر أعمال لاساتذة في الأدب والابداع لكن بعد أن ماتوا وضمتهم القبور حيث أعلن الدكتور هيثم الحاج على، عن قيام الهيئة بأصدار عددا من الأعمال غير المنشورة من قبل للكاتب الراحل الكبير محمد حافظ رجب، كذلك من المقرر أن تعيد الهيئة نشر مجموعته القصصية المشتركة التي صدرت تحت عنوانها “عيش وملح”، وكان المشتركون “سيد خميس وعباس محمد عباس ومحمد جاد ومحمد حافظ رجب والدسوقى فهمى وعز الدين نجيب”.كما أصدرت الهيئة كتابا للراحل وسام الدويك بعنوان “حكاية مكان” تزامنا مع ذكرى رحيله الثانية. والهدف بالطبع واضح للرأي العام وهو أخذ الصورة والعودة إلي دائرة الضوء ولا اذكركم بضياع نادي القصة ودار الأدباء والخراب الذى يهدد أتيليه الإسكندرية وقصر تمفاكو الأثرى .
ولا بمأساة أحداث الراية البيضاء التي تتكرر بالإسكندرية مرة ثانية بمحاولة الاغتيال الثقافى والفنى لمقر أتيليه الإسكندرية ولا اذكركم بفضيحة شركة المفكرون الجدد “نون” التي تقوم بتسويق محتوي الكتروني للهيئة العامة للكتاب والتي تستفيد بنسبة 50 % من العقد بينها وبين الهيئة وانها بهذا الأمر أصبحت وسيطا يقدم المحتوي الإلكتروني للهيئة، ويعلم الجميع أن الهيئة بها إدارة للنشر الإلكتروني، يعمل بها ما يزيد على 43 موظفا.
ولا أذكركم بالنمل الأبيض الذي يغزو خشبة مسرح قصر ثقافة الغنايم وشمس الصيف وأمطار الشتاء التي أهلكت المقاعد. لكن أذكركم بمركز الدكتور ثروت عكاشة الثقافي هذا الصرح العظيم الموجود بين أيدينا الان الذى قام بتطويره الفنان ومدير التصوير الكبير كمال عبدالعزيز رئيس المركز القومي للسينما في عهد الوزير محمد صابر عرب. لقد انتبه كمال عبدالعزيز للدمار الذى حل “بقاعة الوزير”مركز ثروت عكاشة الثقافي” فعمل بكل جهد وأعاد إليه الحياه بعد اهماله ثلاثين عاما ليصبح مركز ثروت عكاشة الثقافي منارة ثقافية وفنية ضخمة تعمل علي نشر الثقافة السينمائية والتسجيلية والفنون بشكل عام بالمجان،لكن كانت المكافأة لكمال عبد العزيز الاطاحة به قبل افتتاح المركز بشهرين فقط هو الذي أراد أن يكون للوزارة منارة ثقافية عظيمة تنافس ساقية الصاوي التي سحبت الشباب والبساط من وزارة الثقافة وجاء من بعده المخرج أحمد عواض ولم يقدم أي إنجاز ثم جاء الكاتب والسيناريست دكتور وليد سيف وأنار المركز واصبح متاحا لطلبة أكاديمة الفنون بجميع فروعها ” سينما ، مسرح ، بالية ، كونسرفتوار ، نقد فني ، تمثيل ، إخراج ” .
هذا المركز الذي يتكون من قاعة كبيرة تُعد بمثابة معرض للفن التشكيلي والفوتوغرافي والنحت والفنون الأخري ، بالاضافة لقاعتي عرض سينمائي ، الكبري تسع لـ100 مقعد ، والصغري تعرض افلام ” علي الواقف ” لمدة عشر دقائق بدون توقف طوال اليوم وهذه كانت فكرة كمال عبدالعزيز الذى أراد نشر الثقافة وتقديمها كوجبة سريعة لكل من يمر أو ينتظر أمام المركز ، الي جانب قاعة أخري بها 15 جهاز كمبيوتر مُحمل عليها كل ما انتجه المركز القومي للسينما حتي يتسني للباحثين والدارسين والمهتمين بالسينما التسجيلية مشاهدة جداول تفاصيل أي فيلم من خلال وسائل البحث ” اسم الفيلم ، اسم المخرج ، سنة الانتاج ، موضوع الفيلم ” .
ويتمير موقع مركز ثروت عكاشة بانه يقع في حضن مدينة الفنون بالهرم أمام أكاديمية الفنون مما يجعل المنطقة ساحة فنية فعالة ومتفاعلة مع أبناء الحي والأكاديمية والمثقفين بشكل عام .
ورحل دكتور وليد سيف برغبته بعد حرب من جابر عصفور ورجاله وعاد إلي قلمه ومن بعدها أسندت أعمال المركز لمدير الإنتاج محمد عزيز ومن بعده للدكتورة سعادة شوقي والسيناريست محمد الباسوسي والدكتور خالد عبدالجليل مستشار وزير الثقافة لشؤون السينما والذي قرر تحويل المركز لمخزن لينفذ فيه الحلم الضائع والذي نحجت في تنفيذه سوريا رغم الحرب والإرهاب وكذلك لبنان رغم الفقر والفتنة الطائفية وتونس والجزائر والإمارات .الحلم الضائع يا سادة هو أرشيف السينما المصرية “السينماتيك المصري” وانا اقول حلم ضائع ومن الصعب تحقيقه حيث أن 90 % من أصول السينما ليست مملوكة للدولة ‏وهناك 1700 فيلم مملوكة لقنوات روتانا و1500 مملوكة لقنوات .
وهذا المشروع “السينماتيك المصرى “الذي كان مقرر إنشاءه في قصر عمر طوسون تم تحويله إلي مركز ثروت عكاشة الثقافي بعد فشل الوزارة مع الشريك الفرنسي فانطفأت الانوار وعاد المركز إلي سابق عهده ولم يعلمنا احد في وزارة الثقافة لماذا اغلق أو توقف أو تحول إلي مخزن وهذه كانت البداية لقتل مركز ثروت عكاشة الثقافي لكن سبقتها اشارة واضحة في بداية عهد الدكتورة ايناس عبدالدايم وزيرة الثقافةالمصرية أن لا رغبة في استمرار اسم فارس الثقافة في دائرة الضوء وذلك عندما حلت ذكرى وفاته السادسة في يوم ٢٧ فبراير ٢٠١٨ التي كانت الرصاصة الاولي في صدر ثروت عكاشة حيث تجاهل المركز ذكرى وفاته.
.نعم ايها السادة كيف لا يقتل اسم دكتور ثروت عكاشة كيف يستمر اسم فارس الثقافة وهو الذي ساهم في تأسيس فرقة الموسيقى العربية وفرقة باليه القاهرة ومشروع الصوت والضوء، فضلا عن إسهاماته الكثيرة فى إنقاذ آثار النوبة وتطوير معبد الكرنك ومعبد الدير البحرى، فضلا عن تطويره لأكاديمية الفنون وتطوير عددا من المتاحف على رأسها متحف مراكب الشمس ومتحف النسجيات وإسهاماته الكبيرة فى تطوير دار الكتب، وفى نفس الوقت لم يتوقف عن الكتابة والترجمة طوال هذه الفترة ولم يعطله عمله العام كوزير للثقافة أن ينجز إنجازاته الخاصة فى العمل الثقافى من خلال مؤلفات وكتب ثروت عكاشة، حيث كتب عن التاريخ الإسلامى و الفن العراقى والفن الفارسى والفن الإسلامى والفن الوصفى، والقيم الجمالية فى العمارة المصرية.
ان ما يحدث الان لاسم ومركز ثروت عكاشة كان يعرفه وأشار إليه ثروت عكاشة نفسه فلقد أعرب للرئيس «جمال عبدالناصر» فى حوار كاشف امتد لأربع ساعات تضمنه كتابه «مذكراتى فى السياسة والثقافة»، عن خشيته من عدم وجود مشروع ثقافى، أو غير ثقافى، يمكنه بناؤه وصياغته خارج ما يحيط به من تعقيدات سياسية وصراعات مكتومة على القوة والنفوذ، لكن الزعيم القائد جمال عبدالناصر قال له «أنت تعرف أن مصر الآن كالحقل البكر، وعلينا أن نعزق تربتها ونقلبها ونسويها ونغرس فيها بذورا جديدة لتنبت لنا أجيالا تؤمن بحقها فى الحياة والحرية والمساواة، فهذا هو العناء، وهذا هو العمل الجاد ، وإننى اليوم أدعوك أن تُقبل على هذا العناء وذاك العمل الجاد، وأن تشمر عن ساعد الجد وتشاركنى فى عزق الأرض القاحلة وإخصابها، إن مهمتك هى تمهيد المناخ اللازم لإعادة صياغة الوجدان المصرى، واعترف أن هذه أشق المهام وأصعبها، وأن بناء آلاف المصانع أمر يهون إلى جانب الإسهام فى بناء الإنسان نفسه”؛ لكن رجال الحظيرة يقتلون القتيل ويمشون في جنازتة.كما يقول المثل الشعبي فاليوم يتم التجهيز للاحتفال بمئوية الدكتور ثروت عكاشة في دار الأوبرا. اما كان الاجدر يا سادة أن نضيء سماء مركز الدكتور ثروت عكاشة ونحتفل بمئويته في المنارة الثقافية التي تحمل اسمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى