تجديد الخطاب الثقافي ” ٢ “

بقلم: فرحات جنيدي | كاتب مصري

قبل أن نبدأ في استكمال ما تم طرحه في الجزء الأول من هذا المقال أريد أن أطرح بعض الأسئلة علي وزيرة ثقافتنا وبطبيعة الحال أطرحها عليكم ونجيب عليها معاً. هل نحن في حاجة إلي كتاب يحمل توقيع وزارة ثقافتنا و يحمل في طياته ابداع الشباب في الشعر والقصة والرواية والنقد والفنون من مسرح وسينما ودراما وموسيقى وغناء؟ هل نحن في حاجة لكتاب يحمل آخر ما توصل إليه الأساتذة من النخبة في كل مجالات الإبداع والأطروحات الفكرية والعلمية والدينية والسياسية وآخر ما توصل إليه العلم والعلماء والعالم في مجالات البيئة والطبيعة والطب والهندسة والفضاء والتكنولوجيا الحديثة؟ هل نحن في حاجة إلي الترجمة و معارض الفن التشكيلي ومحاضرين متخصصين يفسرون لنا ظاهرة الإرهاب وفلسفة الدواعش والجماعات الأخرى ويكشف لنا عن مخططات العدو المتربص بأوطاننا وثرواتنا وعقول شبابنا؟ إذا كانت الاجابة بنعم وهذا شيء مؤكد، فهذا يؤكد لنا أننا في حاجة لاستمرار كيان كبير كوزارة الثقافة رغم ما تكلفه تلك الوزارة من أموال تنفق من أموال الشعب دافع الضرائب.

سيقول البعض إن نجاح كيانات صغيرة كساقية الصاوي أو مؤسسة ساويرس التي تدعم الإبداع الأدبي والفكري بالجوائز وتقيم مهرجاناً كبيراً للسينما أو حتي هذا الكيان الوليد الذي جذب الشباب إليه وهو مركز اليوم السابع للثقافة والفنون والتنوير الذي يقدم مشروعاً يساعد من خلاله المبدعين الذين لم ينشروا من قبل فى تحقيق حلمهم بطباعة العمل الأول، هذا بجانب النشاط المسرحي الذي بدأ بالفعل وكذلك مشروع الدراسات والبحوث.

كل هذا يدعونا إلي التمهل في الدفاع عن وزارة الثقافة ومؤسساتها التي لم تحقق نجاحاً يذكر خلال العشر سنوات الماضية، بل إن المركز الوحيد الذي كان ينافس علي جذب الشباب توقف عن العمل وتحول إلي “سينماتك”كأرشيف للسينما المصرية وهو مركز ثروت عكاشة الثقافي التابع للمركز القومي للسينما الذي يعمل به أكثر من ٥٥٠ موظفاً ولا يؤدي ١٠% من المهام المنوط به تنفيذها. هذا بجانب ٥٨٥ موقعاً ثقافياً تملكها هيئة قصور الثقافة تحولت إلي كيانات طاردة للشباب لأسباب كثيرة وعلي رأسها الـ ١٧ ألف موظف العاملون بها بلا عمل، أو الهيئة العامة للكتاب التي يتقدم إليها الكاتب بكتابه ولا يتم الرد عليه إلا بعد ثلاث أو خمس سنوات، وغالباً ما يكون الرد بالرفض في حين أن كتب أصدقاء الموظفين بالوزارة التي لا قيمة لها تنشر بعد شهر من تقديمها، بجانب عدم قدرة هيئة الكتاب علي استغلال ما تملك من مجلات ثقافية تصدر بشكل دائم رغم أنها لا تباع أو مما تملكه من كتب ومخطوطات نادرة تستطيع استغلالها لخدمة المجتمع وتوفير عائد مادي للدولة وهذا ما دعا احد رجال الأعمال وصاحب دار نشر للتحدث في أكثر من مؤتمر عن نيته شراء الهيئة إذا وافقت الدولة علي بيعها.

إن كل ما تم ذكره حدث ومازال يحدث لكن علينا أن نرد على السؤال بسؤال آخر:- من هم القائمون علي مركز اليوم السابع الوليد ومن هم القائمون علي ساقية الصاوي ومؤسسة ساويرس ومهرجان الجونة وعلي دور النشر الخاصة؟ كل هولاء أبناء وزارة الثقافة المصرية. إذن لماذا لم يحققوا نجاحاً يذكر في الوزارة التي تؤهلهم وترعاهم وتعطيهم رواتب؟ الإجابة ببساطة هي أن البعض من هولاء لم يجدوا المناخ الجيد للعمل وتقديم الأفكار وسط الفساد والتآمر والسلبية والشللية والبعض الآخر تعايش مع الفساد فأصبح يتقاضى أجراً بدون عمل أو تقديم فكر أو مشروع جديد فحمل ما بداخله من أفكار وتاجر بها خارج الوزارة .

إذاً فنحن بحاجة إلي إصلاح شامل قبل أن نتحدث عن أي تجديد للخطاب الثقافي. وكذلك الحال عن تجديد الخطاب الديني فتجديد الخطاب الديني يحتاج إلي خطاب ثقافي يسبقه والعكس صحيح فلو كان هناك خطاب ديني متجدد لما كنا في حاجة لقول ما سبق قوله أو رصد واستعراض ما قام به الإرهاب الأسود والمخططات الغربية في مصرنا الحبيبة لأننا وببساطة شركاء في الحدث وشهداء عليه فالكل يعلم أننا نمر بمرحلة فارقة من عمر الأمة العربية والمصرية، فالأفكار المتطرفة والآراء الشاذة تملأ سماء الفضاء الالكترونى وتغزو عقول شباب الأمة، وجيوش الإرهاب تتحرك دون خوف فى الأراضى العربية بدعم مباشر من دول عربية وأجنبية توفر لها الدعم المالى والعسكرى والمعلوماتى وتجند لها عناصر متميزة ومدربة فى كافة المجالات لتقوم بالترويج لها وتصل بسمومها الفكرية عن طريق الوسائل الحديثة إلى كل بيت دون أن تجد من يواجهها أو يتصدى لها أو يحد من انتشارها، بل المصيبة الكبرى أن تلك الأفكار تجد من يدعمها بشكل مباشر وقوى تحت رعاية الدولة المصرية ويصرف عليها من أموال المصريين. والأمر لا يحتاج لأجهزة مخابرات للكشف عن هؤلاء الداعمين للدواعش حيث إنهم يتمركزون فى الأزهر وفي وزارة الثقافة، إن هؤلاء الإرهابيين قرأوا النصوص الشرعية بطريقة معوجة فانحرفوا عن روح الإسلام وتاريخ الحضارة الإسلامية دون أن يجدوا من يصحح لهم تلك الأفكار من رجال الأزهر بل ساعدهم الأزهر فى نشر أفكارهم المتطرقة عن طريق الخطاب الضعيف والأئمة غير المؤهلين الذين لا يملكون الرؤية الصحيحة والثقافة الواسعة التى تساعدهم فى التصدى لتلك الأفكار بل اكتفوا بالالتزام بالخطاب الدينى الضعيف الذى توزعه عليهم وزارة الأوقاف, ذلك الخطاب الموحد الذى لا يراعى البعد الثقافى والبيئى للمواطن، فهل يعقل أن يكون الخطاب الموجه لشباب القاهرة هو نفس الخطاب الموجه لشباب الجنوب؟ هل يجوز أن يكون الخطاب الموجه لسكان المدينة مثل الخطاب الموجه لسكان الأطراف والحدود والجنوب المهمش؟ هل يجوز أن يكون الخطاب الموجه لقرية تعانى من الفقر والجهل والبطالة والجوع وانتشار الجريمة وتجارة السلاح والمخدرات وانتشار ظاهرة الثأر مثل الخطاب الموجة لسكان المدينة التى تعيش المدنية وبها انتعاش اقتصادى ومصادر دخل متعددة؟

الأمثلة كثيرة ويكفينى أن أتحدث إليك عن أبسطها وهو أن أغلب الأئمة فى المساجد المصرية الآن لا يفقهون شيئاً عن ثقافة الآخر والعولمة والحداثة ولا تستطيع أن تجد عند أحدهم إجابة على سؤال خارج الخطاب المكلف به. فلابد أن تعيد الدولة والأزهر تدريب الأئمة على خطاب دينى قوى غير مسيس وغير هادم يكون خطاباً بنّاءً يحوى فى طياته عوامل مختلفة منها البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الدينية و الايديولوجية للفرد والبيئة المحيطة به وأن توضح تلك المفاهيم من خلال تحديد مكوناتها وخصائصها. ومما لا شك فيه أن الأحداث الأخيرة تحتم إجراء مراجعة شاملة لاستراتيجية مكافحة الإرهاب في مصر فنحن في حالة حرب وهي الأخطر في العصر الحديث, فانتشار التطرف والتكفير هو الذي فتح الباب لتدمير سوريا والعراق، وأخذُ العبرة مما جرى فيهما ضروري لحماية مصر من الفوضى ولهذا يتحتم علينا المراجعة الدائمة للاستراتيجيات و تصحيح الأخطاء و أوجه القصور خاصة في الخطاب الدينى ودور الأزهر الشريف و دور وزارة الثقافة، فالثقافة سلاحها الفكر والكلمة وهو ما يجب أن يستخدمه ضد التكفيريين، نظرًا لموقعه ودوره التاريخي الريادي، ولهذا لن أسأل كيف دخلت مادة سي فور شديدة الإنفجار إلى مصر لكن أسأل كيف استطاع هؤلاء الإرهابيون تجنيد هذا العدد الكبير من المرتزقة الإرهابيين والتسلل إلى سيناء ورصد واستهداف الأكمنة الأمنية ثم التسلل إلى الداخل وقتل الأبرياء وتفجير الكنائس, لا نسأل كيف وصلت صواريخ كورنيت و مضادات الطائرات إلى أيديهم فى السابق لكن نسأل عن الفكر الذى غزا عقولهم, وغير ذلك من الأسئلة التي تحتم المراجعة والتصحيح، فالأزهر والثقافة بوضعهما الحالي قد أصبحاً عبئاً ثقيلاً يجثم على صدر مصر ويهبط بها من الحضيض إلى أسفل سافلين, لابد أن تحدث حالة صحوة وأن يعود الأزهر والثقافة ليأخذ كل منهما دوره الحقيقى وأن يقدم النموذج الجيد والصحيح للإسلام وأن يملأ عقول الشباب بالثقافة والمفاهيم الصحيحة وكذلك عقول الأمة بالتفسير الصحيح المستنير للإسلام، لأن العدو المشترك لكافة الأديان هم أولئك المحرضون المتطرفون الذين يستترون وراء الدين وهو منهم براء. وفي الختام يبقي السؤال الأهم قائماً كيف نصل إلي خطاب ثقافي متجدد يخرج الأزهر و وزارة الثقافة ومؤسساتها من القاع المظلم إلي القمة المضيئة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى