صورةٌ للتّاريخ

محمد دبدوب | سوريا

تحملُ خُبزَتها والدّميةَ
تمشي في ثقةٍ وثباتْ.
لا تدري ، فالموتُ سريعٌ
هل يأتي؟ أم ليسَ بآتْ.
لفّتْ دميتها في كفنٍ
أبيض كالثكلى المنكوبةِ
بوليدٍ من دون حياةْ.
حملتْ معها ما ميّزها
أنّ طفولتها لا زالتْ
أقوى من كلّ الضرباتْ.
وضعتْ ربطَتها البيضاءَ
على شَعْرٍ كالليلِ تدلّى
ومشتْ في ثقةِ الأبطالِ
تحدّتْ كلَّ الدّباباتْ.
سُمرَتُها ألقٌ عربيٌّ
وسِماتُ الإصرارِ تُنادي
أنّ النّصرَ حليفُ الحقِّ
وأنّ الخِزيَ حليفُ الباطلِ
هذا لا يقبلُ إثباتْ.
وردٌ جوريٌّ خدّاها
والدّرُّ الأسودُ عيناها
ما أجملَها رغم الألمِ
القابعِ في غامضِ عينيها
ما أروعها رغم القهرِ
الظّاهر في مشيةِ قدميها
فوقَ الأنقاضِ المسكونةِ
بالأشباحِ وبالأمواتْ.
تمشي بين رُكامٍ أسودَ
حطّمهُ غضبُ الطاغوتِ
تمشي تحت النّارِ لتشهدَ
إرهاباً من غيرِ مثيلٍ
يحقِدُ في جُبنٍ وغرورٍ
ويصبُّ بِجامِ نذالته
فوق النّسوةِ والأطفالِ
وفوق مزارعَ فيها الخير
وفوق مدارسَ للتّعليمِ
وفوق مساجد للصّلواتْ.
تمشي وتقُصُّ لدميتِها
قصّة جنديٍّ مجنونٍ
أطلَقَ نيرانَ سفالتِه
نحو أخيها الأصغرِ ،حتّى
لا يكبرَ ويصيرَ أبيّاً
يغدو ندّاً للسّجّانِ
ويكشِفُ ألعاب السّاداتْ.
تمشي شاهدةً في قهْرٍ
عصراً من أقسى الأوقاتِ
ودهراً أسودَ مثلَ القاتْ.
يُحزِنُها الوضْعُ العربيُّ
برغمِ حداثَتها،لمْ تعرفْ
يوماً عربيّاً مرموقاً
بل تسمعُ أبويها بأسىً
عن وضعَِ والأمّة،و الآهُ
تهُدُّ الصّدرَ الغِرَّ بِعُنفٍ
وتُسائلُ نَفساً:ما ذنْبي
حتّى أشهد هذا العارَ
“ضميرٌ عربيٌّ قد ماتْ.”
يُحزِنُها مقْتَلُ أطفالٍ
كانوا معها في روضتِها
في شُعبتِها،في حارتها
يأتيهم صاروخٌ أعمى
كي يصرَعهمْ في لحظاتْ.
ضمّتْ دُميَتها في صمتٍ
تُبرمُ عهداً: يوماً يأتي
لو صارتْ أُمّاً لن تَثني
أبناءً عن دربِ الحقّ
وبُشراهُمْ بالنّصر إذاما
صاروا للحقِّ الرّاياتْ.
لا يُرهبهم فعلُ المُجرمِ
أو يثنيهمْ حبُّ حياةْ.
هم شهداءٌ منذ المولد
من غزّة هاشم هم جاؤوا
غايتُهم أسمى الغاياتْ.
نبرَتُهم حقٌّ قُدسيٌّ
ضحّوا بالمالِ وبالذّاتْ.
كي تبقى غزّةُ للعزّةِ
قد ولّى زَمنُ النّكباتْ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى