قراءة في رواية: “ذاكرة على أجنحة حلم” للكاتبة نزهة الرملاوي
بقلم: رفيقة عثمان أبو غوش
صدرت رواية “على أجنحة حُلم” للكاتبة المقدسيّة، نزهة الرّملاوي؛ عن دار ابن رشيق للنّشر والتّوزيع – عمّان، واحتوت الرّواية على 190 صفحة من القطع المتوسّط، وصمّمت الغلاف الفنّانة منال ذيب. وصورة الغلاف نصف وجه المرأة الجانب الأيسر منه، عينها واسعة، وحاجبها ثخين ومعقوف، والنّصف الأسفل من الوجه صورة لشراع مليئ بالرّكّاب الرّاحلين، يرتدون الملابس العربيّة التّقليديّة، ويحيط بالغلاف إطار بلونٍ أسود، تتّسم ألوان الغلاف بالألوان القاتمة، ما بين البنّي والأسود. حجم الخط في الرّواية صغير جدّا.
نهجت الكاتبة نزهة الرّملاوي، تقنيّات متنوّعة في السّرد، مثل الاسترجاع السّينمائي: باستخدام وكتابة الرسائل- عبر البريد الإلكتروني “الفيسبوك” وتبادلها مع البطلة عبير؛ كذلك استخدام التّداعي الحر؛ بربط الأحداث بأحداث ماضية من الذّاكرة؛ بالإضافة للإستذكار المٌتكرّر، الّذي رافق الراوية أثناء سفرها في رحلة الأحلام؛ كما استذكرت الثّوار الفلسطينيين في الأغوار مع الحسيني، واستذكار جدّها المحارب، بالإضافة إلى استذكار قصّة صديقتها صبريّة وزواجها الفاشل، وهنالك أحداث عديدة سردتها الكاتبة بواسطة – الفلاش باك- الاسترجاع الفنّي، وسرد لأحداث قرأتها من روايات ..
يبدو بأنّ اختيار الكاتبة للعنوان، (ذاكرة على أجنحة حُلم) مشتق من الذّكريات الّتي سردتها الكاتبة الرّملاوي.
امتازت لغة الكاتبة، بلغة بليغة جزلة، وفيها المبالغة والاستطراد بالوصف، وباستخدام الصيغة البلاغيّة والمحسّنات البديعيّة البارزة في السّرد. امتازت طريقة الوصف بالدّقّة وبالجماليّة، والتجسيدات الحسيّة، لدرجة يخال فيها القارئ بإحساسه وبوجوده في تلك الأماكن دون أن يراها مسبقًا, وتوصف لغة الكاتبة بالسّهل المُمتنع.
دمجت الكاتبة اللّهجة العاميّة الفلسطينيّة أحيانًا، واللّهجات العربيّة الأخرى مثل: السّوريّة، والمصريّة، والأردنيّة؛ بما تتطلّبه المواقف والأحداث في السّرد، كما ورد صفحة 134-135- 110.
احتلّ المكان مساحة واسعة جدّا، وكانت القدس حاضرة وسيّدة الموقف دائمًا. كيف لا والكاتبة نفسها ابنة القدس الشّريف وعاشقتها، ووصفت الأماكن المقدسيّة بدّقة، بأسمائها وحاراتها وأزقّتها؛ كما ورد صفحة 108 ” القدس لا تجلب الموت والحزن، القدس تراتيل فرح وبوح وإلهام، أم الحضارات والثّقافات وحامية الدّيانات، أم البدايات وأم النّهايات. كيف تكون عواطفنا زائفة نحوها وهي من علّمنا الحبّ والانتماء ونقشت فيها الوفاء”. وفي نص آخر عبّرت الكاتبة عن عشقها للقدس على لسان البطلة عبير صفحة 173 بقولها ” سأغفر لك أمّي، سأغفر لك ضياعنا وغربتنا، سأغفر لك أمّي، وأخبرالعالم: إنّ عشق المدينة، يقوى على كلّ عشق في هذه الحياة”. أنهت الكاتبة روايتها بعبارة “وتبقى القدس منارة عشق، وتراتيل محبّة، وأسطورة بقاء”. صفحة 186. كذلك صفحة 43 “أدرك أنّ حبّ القدس ملكة القلوب، كما هي مثيرة للحروب، كانت للغزاة الحلم والخلاص”. ظهر عشق الكاتبة الرّملاوي لمدينة القدس جليًّا في السّرد الرّوائي، كيف لا وهي ابنة القدس الشّريف، الّتي وترعرت فيها وسكنت قلبها وعقلها.
حرصت الكاتبة على اختيار الشّخصيات الرئسيّة للرّواية بدراية، من مدنٍ فلسطينيّة مختلفة الدّيانات واللّهجات؛ ممّا أتاح لها تحريكها وفقًا للأحداث والمواقف؛ مثل: المرشد عزّوز من جنين، جورج من بيت لحم، خضر الخليلي من الخليل، والرّاوية. تلك الشّخصيات رافقت الراوية خلال رحلتها من القدس إلى العقبة.
احتوت الرّواية على الحوارات الجماعيّة والفرديّة، بين شخصيّات الرّواية، والحوار الذّاتي – المونولوج – للراوية نفسها؛ مما أتاحت الفرصة؛ للتّعبير عن المشاعر والأحاسيس المختلفة، لكل شخصيّة في الرّواية، ولم تخلُ الرّواية من الحس الفكاهي، الّذي صدر عن أصوات الشّخصيّات المُرافقة في الحافلة.
تعدّدت أصوات الرّواة في الرّواية، وكان صوت الرّاوية بصوت الأنا، وهذا الصّوت كان مركزيًّا؛ عبّرت عنه الرّوائيّة به عن نفسها. يبدو لقارئ الرّواية بأنّ هذا الصّوت يعبّر عن مشاعر الكاتبة نفسها؛ ممّا أضاف مصداقيّة للسرد الرّوائي.
رواية “ذاكرة على اجنحة حُلم”، تُعتبر فسيفساء للوحة فنيّة، تخطَ القضيّة الفلسطينيّة، بمعضلاتها وتاريخ نضالها، واستعمارها وانعكاس الاحتلال على حياة الشّعب الفلسطيني، لغاية عصرنا الحالي؛ وهي رواية لملحمة إنسانيّة تكشف خفايا الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة؛ للشعب الفلسطيني، والشعوب العربيّة على حدٍّ سواء.
تُصنّف الرّواية تحت تصنيف الجنس الأدبي كرواية واقعية، ورواية تاريخيّة، كذلك من من المُمكن إدراجها تحت تصنيف أدب الرّحلات.
نجحت الكاتب في عرض أحداث عديدة، في أسلوب لا ينقصه التّشويق والإثارة، على الرّغم من وجود بعض الأحداث غير الضّروريّة؛ لكنّها لا تُنقص من كمالية الرّواية.
القدس التي سكنت قلب الكاتبة. يقولون بأنّ: “الكاتب هو ابن بيئته”.
في السّرد تحت عنوان: تراتيل العشق، كثّفت الكاتبة من ذكر الأماكن الكائنة في داخل مدينة القدس مثل: عقبة التكيّة وعقبة درويش وباب العامود وباب المغاربة وباب الخليل وباب حطّة ، وباب الأسباط، وباب الخليل وباب النّبي داود وباب عبد الحميد، خان الزّيت والعطاّارين، وغيرها من الأماكن غير المعروفة للجميع؛ أهل القدس فقط يعلمون خباياها وأزقّتها وزواياها شبرًا شبرًا.
وصفت الكاتبة جميع الأماكن الّتي زارتها أو مرّت بقربها أثناء رحلتها إلى الأردن، بوصف جميل، وبسرد شيّق، وممتع وباستطراد؛ كما ورد صفحة 113 تحت عنوان المدينة الورديّة “يتجلّى حلمي في أبهى صورة، والصّخور العالية المُلوّنة، والكهوف الّنائمة منذ أزمنة بعيدة؛ والتّشقّقات المُمتدّة على طول الطّريق المُؤدّية إلى الخزنة.”.
استخدمت الكاتبة التّناص في النّصوص الأدبيّة، منها التّناص الدّيني، كما ورد صفحة 84 الاستشهاد بالحديث النبويّ “إنّما النساء شقائق الرّجال، ما أكرمهنّ إلّا كريم، وما أهانهنّ إلّا لئيم”. كما وتناولت الكاتبة تناصًّا أدبيًّا آخر، لقصيدة الشّاعر فراس الحمداني صفحة 35: ” أقول وقد ناحت بقربي حمامة….أيا جارتي هل تشعرين بحالي.. إلى آخر القصيدة.. لكن سمعي في الحوادث غالي”.
كما ستخدمت تناصّا أدبيًّا آخر صفحة 101 للأديب جبران خليل جبران متغنيًّا بقيمة المعلّم ” أيّها المعلّم سنكون خيوطًا بين يديك.. وعلى نولك فلتنسجنا ثوبًا إن أردت” بلإضافة لتناص أدبي آخر لشاعر أحمد شوقي قائلًا:” قم للمعلّم وفّه التبجيلا .. كاد المعلّم أن يكون رسولًا.”. استشهدت الكاتبة أيضًا بالكاتب الماغوط كما ورد صفحة 108 “من الغباء أن أدافع عن وطن لا أملك فيه بيتًا ومن الغباء أن أضحّي بنفسي ليعيش أطفالي من بعدي مشرّدين”. أغنية فيروز الغضب السّاطع آتٍ، صفحة 16 حظيت بالتّناص أيضًا.
يبدو لي بأنّ استخدام التناص في الرّواية كان معتدلًا ولا مبالغة فيه، جاء ليخدم السّرد ويثريه.
من المُمكن اعتبار الرّواية، مصدرًا توثقيًّا لأرشفته، والاستعانة به لقراءة القضيّة الفلسطينيّة ومداخلاتها؛ ويوصى باقتنائها في المكتبات الفلسطينيّة والعربيّة على السّواء.
هنيئًا للرّوائيّة نزهة الرّملاوي، على هذا الإبداع، وأتمنى لها المزيد من الإبداع والعطاء.