قراءة أسلوبية في تجربة الشاعر العُماني سعيد الصقلاوي

خدیجة شاه محمدی | ماجستیر في اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهید بهشتی طهران، ایران
khadijeh.shahmohamadi@gmail.com

الشاعر سعيد بن محمد بن سالم بن راشد الصقلاوي، هو شاعر عماني معروف ولد عام 1956م في مدينة صور الساحلية بمحافظة جنوب الشرقية في عمان، وقد تركت هذه المدينة أثراً عميقاً في أشعاره التي تتناول البحر والحياة و عاش طفولته علی أرض عمان، ثم عاش في الکویت منذ عام 1963م. حیث أکمل تعلیمه العام، بعد أن حفظ أجزاء من القرآن. وهناک تفتحت بواکیر موهبته، و لمایزل فی عمر الزهور، وقد بدت عليه علامات النبوغ لينال التشجيع ويحوزعلی بعض الجوائز. (1)
وحصل الشاعر على بكالوريوس في هندسة التخطيط (تخطيط المدن والأقاليم) من جامعة الأزهر ما بين عامي 1974، و1979م، ثم واصل دراساته العليا في بريطانيا وحصل على درجة الماجستير في التصميم الحضري (التخطيط السكاني)من جامعة ليفربول بإنجلترا في عام 1992. وتم تعيينه بعد ذلك مديراً تنفيذياً في شركة بيسان للاستشارات الهندسية، وأصبح عضواً في الجمعية الأمريكية للتخطيط.(2)
بدأ الشاعر كتابة الشعر منذ نعومة أظفاره، والدته سليمة بنت سيف بن محمد المخينية، وهي معلمة قرآن، وكانت تقرأ لابنها كل يوم أبياتٍ من الشعر الشعبی؛ وكانت تقرأ له أيضاً شعراً فصيحاً (موشحات وأناشيد دينية ،والبردة للبوصيري). وبعد حین حفظ سعید الصقلاوی کل الأشعار التی قرأتها له والدته، ونقش وسجل هذه الأشعار في مخزون اللاوعي أو اللاشعور، لکي یخرج بعد ذلك في عطاء شعري. ولهذه الأسباب بدأ سعید الصقلاوی نظم الشعر في فترة مبگّرة جدّا من عمره، وتكونت لديه علاقة حميمة بالشعر وصلت إلى درجة عدم الانفصال.(3)
ونشرأولی قصائده في مجلة البيان الكويتية(العدد رقم 80) في 1 نوفمبر من العام 1972م.. جاء في مقدمتها:
ونائحة بقرب الدار تمشي…
وتلطم خدها أبكت فؤادي
يُواكب خطوها طفل كئيب…
له ثوب.. تلطخ.. بالسواد
يصيح بها بربك أين ولى…
أبي؟ والحزن في عينيه باد
وأين ملاعب فيها.. لهونا…
تضوع بالشذى كل واد. (4)

حيث حصلت هذه القصيدة على جائزة الأندية الأولى في الكويت عام 1972م. لهذا كانت الكويت محطة مهمة في انبجاس مخزون اللاوعي عند الصقلاوي شعرياً.

العودة إلی الوطن
بعد سنوات عاد الشاعر المهندس من الاغتراب إلی وطنه عمان، فذهب إلى مدينته الأولى صور، و فتَّش في أزقة المدينة عن ذكرياته الأولى التي ما تركته في غربته؛ ليجدها في انتظاره، وهو مُشبع بصور ذكرياته وعبق المدينة؛ ليجد بعضها ماثلاً عياناً، وبعضها توارى في صفحة الزمن، لكنها کانت لاتزال تشع في وجدانه فكتب قصيدة “ترجيع”:
وأبعث مع هبوب الكوس آهاتي وأشجاني
إلى من هزَّ أحشائي هواها شق كتماني(5)

1ـ للشاعر عدة دواوين شعریة: هي “ترنيمة الأمل” الصادر عام م1975 و”أنت لي قدر” الصادر عام1985 م و”صحوة القمر” أو بالحري (the awaking of the moon) کذلک ترجمت بعض قصائده إلی الفرنسیة و الأسبانیة و الأوردیة، الصادر عام 1996 م و”أجنحة النهار”الصادر عام 1999م و”نشيد الماء” الصادر عام 2004 م و ” وصايا قيد الأرض” الصادر عام 2015م.

2ـ ومن مؤلفاته (کتبه) :

– كتاب “شعراء عمانيون” الصادر عام 1992م.
– الشيخ عبدالله بن علي الخليلي كلاسيكية متجددة الصادر عام ٢.١٥م.
– موسوعة التحصينات العمانية: سيرة تاريخية ومكانية ومعمارية. سبعة اجزاء الصادر عام ٢٠٠٢م.
– مؤلف النشيد الوطني العسكري في عمان.
– مؤلف عدد من الأغاني والأناشيد الوطنية التي غناها مطربون عمانيون وعرب.

3ـ الأعمال المترجمة:
– صحوة القمر مختارات من شعره مترجمة إلى اللغة الانجليزية ١٩٩٦م. ترجمها د. عبدالله الشحام. وترجمتها الى الفرنسية ا. فاطمة الزهراء العلوي. (6)
– عمان كي موته – لآلئ من عمان – مختارات من شعره مترجمة للغة الأوردية. ترجمها د. سيد بشير.
– ترجمت بعض أشعاره إلى الإسبانية ونشرها الشاعر افونسو اكانزو.

أهم الأغراض الشعریة لسعید الصقلاوی:
إجمالاً نستطیع القول أن الشاعر العماني سعید الصقلاوی عالج في أشعاره ما يلي: الشوق إلى الوطن والحنين إليه، تصوّر المستقبل النموذجيّ، الغزل، الدعوة إلی وحدة الوطن و التحدّی و الکفاح ضد العدو.

أ) الحب و الحنین إلی الوطن
يمثل عشق الوطن والتغني بأمجاد عمان الغرض الشعري الأهم عند الصقلاوي، فنراه يفخر بتاريخ عمان ومدنها وسواحلها وطبيعتها وبطولات شعبها. إن ذكرى الوطن الذي ينتمي إليه الإنسان، لا تتركه أبداً، لذا لا يحتمل الإنسان البعد عن وطنه، وقد عانى الشاعر من البعد عن وطنه والشوق إليه؛ لذا فهو يسمي مسقط رأسه الحب الكبير في قصيدة له بعنوان ” قسم”. فمنذ كان سعید طالباً في المرحلة الثانويةً نرى أن شعره يصدر عن تجربة إنسانية تعكس ارتباطه العميق بالأرض والزرع والبشر، لايريد عنها فِكاكاً، وكأنما دفعه شعورُ داهم بالغربة والنأي فراح ينشد في قصيدته:
إلى متى أظلُّ في نأي عن الديــارْ
واللـوز والحسون والربيع في انتظارْ
والشوق في جنبيَّ يغلي الليل والنهارْ
أقسمت يا أرضَ الهُدَى ياَ مْوِطَن البهارْ
أقسمـت أنْ أثأَر للشيوخ .. والصغـارْ
أقسمـت أن أكون في طليعة الثُّــوارْ
يـا أرضُ أنتِ حُبِّيَ الكبيرُ والقَــرارْ (7)
أنشد الشاعر الأبیات السابقة ليعبر عن حنینه لوطنه وبیته، لعله بذلك يقلل من شوقه الذي يكوي أضلاعه، لذا نراه يقسم أكثر من مرة بأن يكون ثائراً يدافع عن وطنه وعن أبناء شعبه من الكبار والصغار.

ب) الأمل بالمستقبل
ونراه يدعو شعبه للتوحد والوقوف جنباً إلى جنب، لبناء مستقبل زاهر يحفظ القيم الإنسانية للأجيال القادمة، ويعلي من شأن الإنسان. ويمثل الأمل النافذة الوحيدة التي يستمر الإنسان في الحياة بسببها، وبسبب الأمل يتحمل الصعوبات للوصول للسعادة، ومنح الآخرين الأمل، وهذا ما يعبر عنه الشاعر في قصيدة له بعنوان “تحية إلى عمان”:
الفجـرُ الكامِنُ في أحداقِ الأطفال سينبثقُ
والنــوُر الـدَّافِقُ في الأعـراق سَينْطَلِقُ
يسقي أزهارَ الفُلّ الغرثي
ويُحيــلُ الصحــراءْ
جَنَّاتٍ خضراءْ..
تتراقَصُ فيها الأحلامُ صباحاً ومساءً
حيــث الحُـبُّ عيـونُ تتبسَّــمْ
وطيــوفُ بالأَملِ الـورديّ تَـرنَّم(8)

ج) الغزل
كما تناول الشاعر في أشعاره الغزل وله قصائد في العشق والحب وعنفوان الشباب تعكس نفسية الشاعر الرومانسية وصدقه ونقاء مشاعره. إن الحبيبة هي السبيل الوحيد للتخفيف من ألم الاغتراب عن الشعراء الوحيدين والمغتربين عن أوطانهم؛ لذا نرى الشاعر في إحدى قصائده ينادي حبيبته “ليلى” ويناجيها مناجاة حب، ويعبر في قصيدة “رؤية الشاعر الباسمة” عن حبه العميق لها:
(ليلـى) يا حبي الأخضر
يا قلبـاً بالإيمان تفجـر
يا نهـر حنـان يتحـدر
مـن خلـف سجـوف الحزن ينـاديكِ
من قاع الألم الأصفر في الأعماق أناديكِ
آهـــاتُ مـذبوحـــه
أنـــاتُ مبـحوحـــه
تتــحجَّر فــي حلقــي
تتسلل في نغمات (اليامال).(9)
وقد نجح الشاعر من خلال النداءات المتلاحقة وتكرار حرف الألف في التعبير بشكل جميل عن جريان العشق في عروقه، أما حرفي الحاء والخاء الحلقيين فيعبران عن صعوبة الابتعاد عن المعشوقة وألم العشق. والصقلاوي يرى أن حبه الحقيقي أخضر وجميل وثابت.

د) الدعوة إلی وحدة الوطن
تعدُّ الوحدة منذ قديم الأزمان شرطاً لاستمرار البشرية ومقاومة الأعداء، كما تعدُّ الحرية أمراً مهماً لتطور الإنسانية، لذا فهدف الشاعر الأساسي هو الدعوة إلى الوحدة لتحقيق الحرية، وها هو يخاطب شباب الوطن بكل حب قائلاً:
إلى متى والجرحُ يا أحبتي، لما يزلْ يقظانْ
نودُّ لو يطيبَ يا أحبتي، ويُسعدَ الإنسانْ
لكـي نشيـد وحـدة قوية عزيزة الأركـان
نـود لو يطيب يـا أحبتـي فتزهر الجنـان
نود لو يطيب كي يغرد الهوى على (سمحان)(10)

ويمكن القول أن شعر الصقلاوي يتميز بموسيقاه العذبة وإيقاعاته الجميلة المتولدة من استخدام الأوزان الشعرية الخفيفة وتنويع القافية والتكرار، كما يمتاز شعره بحيوية الأسلوب الناجمة عن مزج الأسلوبين الإنشائي والخبري، والتعبير بالصور الفنية الموحية المستلهمة من الطبيعة العمانية.

الهوامش:
(1)الصقلاوی، سعید. ترنیمة الأمل ــــ مجموعة شعریة ، الطبعة الأولی، منشورات وزارة الإعلام و الثقافة، مسقط/سلطنة عمان، 1975 م، ص149.
(2) ( الصقلاوی، سعید، أجنحة النهارـــ مجموعة شعریة، الطبعة الأولی، مطابع النهضة، مسقط/سلطنة عمان، 1999م ـــــ 1419هـ، ص110.
(3)(فايزة بنت محمد البلوشية، حوار خاص مع الشاعر والكاتب سعيد الصقلاوي،مجلة شرق غرب، (10 June 2016)، http://sharqgharb.net)
(4)ترنیمة الأمل ــــ مجموعة شعریة ، ص76.
(5)الصقلاوی، سعید. أنت لي قدرـــ مجموعة شعریة ، الطبعة الأولی، ، مطابع النهضة، مسقط/سلطنة عمان، 1985م ـــــ 1405هــ، قصیده ترجیع، ص65.
(6)الصقلاوی، سعید، نشید الماء ـــ مجموعة شعریة، الطبعة الأولی، مطابع النهضة. مسقط/سلطنة عمان، 2004م،ص2.
(7)ترنیمة الأمل ــــ مجموعة شعریة ، صص57تا62.
(8)ترنیمة الأمل ــــ مجموعة شعریة ، ص141.
(9)ترنیمة الأمل ــــ مجموعة شعریة ، ص118.
(10)ترنیمة الأمل ــــ مجموعة شعریة ، صص 109-110.

المصادر و المراجع
الصقلاوی، سعید، أجنحة النهارـــ مجموعة شعریة، الطبعة الأولی، ، مطابع النهضة، مسقط/سلطنة عمان 1999م .
الصقلاوی، سعید. أنت لي قدرـــ مجموعة شعریة ، الطبعة الأولی، مطابع النهضة، مسقط/سلطنة عمان، 1985م .
الصقلاوی، سعید، ترنیمة الأمل ــــ مجموعة شعریة ، الطبعة الأولی، ، منشورات وزارة الإعلام و الثقافة، مسقط/سلطنة عمان، 1975م.
الصقلاوی، سعید، نشید الماء ـــ مجموعة شعریة، الطبعة الأولی، مطابع النهضة. مسقط/سلطنة عمان، 2004م.
فايزة بنت محمد البلوشية، حوار خاص مع الشاعر والكاتب سعيد الصقلاوي،مجلة شرق غرب، (10 June 2016)، http://sharqgharb.net)
عبدالفتاح الشطي، التوجه الوطني في شعر سعيد الصقلاوي (الرؤية ـ الأداة الفنية)، جریدة الوطن، 25 ديسمبر2015، http://alwatan.com
الموسوعة الکبری للشّعراء العرب، http://saddana.com/ سعید الصقلاوی.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى