الإبداع الشعري الصافي الرصين يحقّق كينونتنا ويؤكّد هويتنا

بقلم: عماد خالد رحمة | برلين

عندما نقرأ في ضوء ثقافتنا العربية المعاصرة لشعراء كبار جسّدوا الأدب العربي تاريخياً ،وجاؤوا من عمق الثقافة والتاريخ العربي قبل الإسلام، والذي أطلق عليه العصر الجاهلي فإننا نعتز ونفتخر بالكثير من أشعارهم،وصورهم،وموسيقاهم الشعرية، وما تركوه لنا من إرث أدبي لا يُبَذ.

    وكأنّ ما كتبوه وما كان قد قيل يكاد يكون من الصعب أن يُقال الآن، لأنه يستحوذ على شعورنا ووجداننا وأحاسيسنا وحتى عقولنا. هنا تكمن حداثة شعرنا العربي الأصيل الذي رسمته قرائح الشعراء، كونهم يعرفون طرائق شتى في استحثاث قرائحهم بخاصة ما لمسناه من معظم شعراء مرحلة ما قبل الإسلام (العصر الجاهلي) الخارج من إطار الزمن، وذلك لأنَّ مفهوم الحداثة يتضمن ما يوازيه من مفهوم الكينونة>

  لذا فالابداع الفني عندما يحقق ذاته القوية الصافية الشفيفة، فإنه يحقق كينونته.بمعنى آخر أنه يحقق وجوداً فعلياً لايقل أهميةً وتأثيراً عن أي وجود آخر، وتجدنا في هذا المقام ننحاز للاعتبار الشعري الذي يخلقه مختلفاً ومتنوعاً، وأنَّ اختلافه الواضح هذا،هو ما يصنع حداثته.

   فكلما عاينّا فكراً كينونياً،أو إبداعاً كينونياً فإننا نعيش على تخوم الاختلاف والمغايرة.ففي بعض النصوص الشعرية الجديدة والحديثة نزوعٌ كبير وواضح نحو فتح أفق مغاير في الشعر، هكذا هو حال الكتابة الحداثية، وحال الكتابة المتجدّدة على الدوام، لأنّ صيرورتها مرتكزة على اليقين بكثير من الرصانة والمتانة والنضج، وماؤها من ماء أفضل الشعراء على الرغم من الرمضاء والجفاف وحياة الصحراء.

       كما أنّ ماؤها من ماء هيراقليطس، نهرٌ يُغيّر مسيره ودفقه باستمرار، ولا يمكن أبداً السباحة فيه أكثر من مرة مهما اتسع أو ضاق سريره.
هي كتابةٌ لا تروم القول بقدر ما تهدف إلى استشفاف معنى القول.. وليست كتابة تسعى إلى صدّ القول، لأنها ستكون كتابة خبيثة وجاحدة، تُخفي أكثر مما تُفصح، هذا الأفق وذاك الانسياب هو من أهم ثوابت ما تمور به النصوص الشعرية الحداثية التي تعاني من الاضطراب وعدم الاستقرار.
إذن هو الاختلاف والمغايرة، أي الذهاب إلى أقصى المضايق والتخوم، أليس العارفُ بالشعر هو من يُدفعُ إلى مضايقه وهي مضايقة فريدة بتعبير
شاعر الملاحظة الدقيقة والإحساس العنيف أبو نواس،شاعر الهجران الذي يكثر من الشكوى. فقد كان أبو نواس زعيم الشعر ومن كبار شعراء شعر الثورة التجديدية في العصر العباسي.وهو الذي قال الكثير حول كنزنا العظيم الذي يوجد حيث توجد قفائر دلائلنا ومعرفتنا..
إنّ تعبير الحسن بن هانئ أبي نواس كان قد دفع الكثيرين إلى العودة إلى البحث عن الكنوز المدفونة في أعماق تراثنا وتاريخنا. ليس من شكٍ أن الطريق إلى الحداثة مفخّخ بالمطبات والحفر والمنحدرات، لأن الكتابة الشعرية هي محاولة جادة ومتجدّدة لاستجماع كل ما هو سرّي ومتشظٍ في الذات الشاعرة،واستقراء لنوع من التناغم الممتد منذ الصيرورة الأولى وعبر سيرورتها الطويلة ،وهي ليست المفقودة في الأصل، وليست ضداً على كل القيم الشعرية الارتكاسية، وتبقى لصالح الكينونة المجاوزة.
وهذا ما يعيد اتصالنا بالعالم من جهةٍ جديدةٍ وزاويةٍ جديدةٍ ،أحسُّ بها التغيير نحو ما هو الأحق ،وما هو الأجمل ،وما هوالأفضل. وليس تفكيراً تشبيهاً أنالوجياً زائفاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى