الأكاديمية د. بشرى محمود الزوبعي والإعلامي محمّد الهاشمي (وجهًا لوجه)

جريدة عالم الثقافة | خاص

حوار في التاريخ والحرية والكتابة الإلكترونية

  • لا يوجد خط أحمر في التاريخ ودراسته لمعرفة تجارب السابقين
  • القراءة مهمة للمجتمع سواء في التاريخ أو في غير التاريخ
  • جميع العلوم سواء كانت إنسانية أم علمية بحتة تصب في نهر واحد
  • العلوم كافة تصب في نهر المعرفة لترتقي الحياة الإنسانية

الدكتورة بشرى محمود صالح الزوبعي تدريسية وباحثة في التاريخ الأوربي والمعاصر درست في جامعة بغداد والجامعة المستنصرية والجامعة العراقية لها أربعة كتب مؤلفة و 48 بحثا منشوراً.. التقينا بها لتتحدث عن مسيرتها فكان هذا الحوار ..


الدكتورة بشرى الزوبعي من هي ؟
ـ أنا إنسانة بسيطة جداً، اجتماعية تلقائية هواياتي في الكتابة والقراءة والطبخ أيضاً لأني حريصة جدا على إدارة بيتي بنفسي وأيضاً أحب السفر لهذا أني مثلت جامعتي الجامعة المستنصرية في عديد من المؤتمرات وورش العمل في الأردن وبيروت والدول الأوروبية.

أنت معروفة بغزارة الإنتاج والاشتغال على عدة حقول معرفية. فكيف توفقين بين ذلك؟
ـ جميع العلوم سواء كانت إنسانية أم علمية بحتة تنبع من منابع مختلفة وتصب روافدها في نهر واحد، هو نهر المعرفة الذي ترتقي به الحياة الإنسانية، كذلك بالنسبة إلى اختصاصي التاريخ فلا يمكن أن نفصله عن باقي الحقول المعرفية، فهو مرتبط ارتباطا وثيقا بالعلوم الإنسانية الأخرى مثل علم الاجتماع، وعلم النفس، والاقتصاد، والسياسة، وغيرها من العلوم الأخرى فلا يمكن الفصل بينهما ودراسة التاريخ كتاريخ مجرد دون النظر إلى العوامل المؤثرة في العمل التاريخي ودراسة النتائج المتعلقة بالحدث التاريخي وبيان الدروس المستنبطة منها، لتحقيق الاستفادة الكاملة من التجارب التاريخية، فالحضارات الإنسانية ذات علوم تراكمية بمعنى أنها تستفيد من التجارب السابقة لبناء الحاضر وهكذا الأمر بالنسبة للمستقبل حيث تستفيد الأجيال القادمة من تجاربنا سواء كانت صائبة أم خاطئة. لذلك كان على الباحث في التاريخ أن يكون مطلعاً على باقي مجالات العلوم والمعرفة، وأن يكون ذا ذاكرة وحادة، مع اطلاع واسع على دقائق الأمور، وهذا ما تطلب مني القراءة لمصادر التاريخ والتمعن بها واستنباط النتائج من هذه المصادر وهذا أمر ليس بالسهل حيث يستهلك الكثير من الوقت لديَّ.

هل البحث في التاريخ مهمة صعبة ربما بوجود الخط الأحمر الذي لا يمكن التعمق به أو البحث عنه، والحديث فيه و حتى الكتابة عنه ؟
ـ لا يوجد خط أحمر في التاريخ ولكن هناك وقت مناسب فالخط الأحمر الذي كان موجوداً قبل اليوم الأخضر والخط الأخضر الذي كان موجودا يوم أمس أصبح اليوم أحمر، فعلى الباحث أن يبحث في جميع المجالات التاريخية دون الالتفات إلى ألوانها فهو يبحث عن الحقيقة والنتيجة ولا ريب أن هذه النتيجة تحتمل الخطأ والصواب، وما يبدو لي صائباً يبدو لك عكس هذا والعكس صحيح أيضاً.
ما أهمية قراءة التاريخ للمجتمع هل يؤسس مجتمعا معافى خاليا من أمراض الماضي أو عكس ذلك تماما ؟
ـ القراءة مهمة للمجتمع سواء في التاريخ أو في غير التاريخ، أما في التاريخ فتنبع أهميتها من بيان واقع التجارب الإنسانية السابقة والاستفادة منها، ولكن هنا وبالزمن الذي نعيش فيه والانفتاح العلمي والمعرفي بات من الضروري على القارئ تثقيف نفسه قبل الخوض في الأمور التاريخية وإصدار الأحكام جُزافاً، وليتجنب الوقوع في الأخطاء، فالخطأ التاريخي خطأ فادح يقود المجتمع إلى أمراض اجتماعية هو في غنى عنها، كذلك للقراءة التاريخية والقراءة بكل صنوفها أسس واضحة فلا يجوز القراءة لكل من هب ودب وإنما القراءة لأناس مشهود لهم بمهنيتهم، وسمو قلمهم عن الشبهات.

المعنى في قلب الشاعر .. هل هذا المثل ينطبق على مهمة البحث في النص التاريخي وكيف كتب ودونته أقلام الحقب الماضية فوصل لنا بهذا الشكل فهل قراءة التاريخ تختلف من جيل إلى آخر ؟
ـ علم التاريخ علم واضح اللغة ولا يحتاج إلى تورية ليكون المعنى في قلب الشاعر،لكن مهمة البحث في النص التاريخي يجب أن تبحث عن كاتب النص وفكرة الآيديولوجيا، واتجاهاته السياسية والاجتماعية، كذلك الحقبة التي كتب فيها النص والمكان الجغرافي الذي كتب فيها، فلا يعقل أن نجد مؤرخا سوفيتيا يذم ستالين ويكتب عن أخطائه عام 1944، ولكن هذا الأمر أصبح متاحا للعالم بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945 كذلك أصبح متاحا بالنسبة للمواطن الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990.

كونك أكاديمية ولديك متابعون كثيرون فهل تزداد واجباتك تجاه المجتمع ؟
ـ كقاعدة علمية كلما زاد اتساع القاعدة زاد الضغط، ولذلك فإنَّ كوني أكاديمية ولي قاعدة كبيرة من الطلبة والدارسين فإنَّ هذا بالتأكيد يولد واجبات علي، من خلال تطوير نفسي من خلال القراءة الحثيثة ومواكبة التطورات الحاصلة في الدراسات التاريخية، وعزل الغث عن السمين فيها، كذلك جعل نفسي قدوة اقتدى بها أما طلبتي من كافة المجالات لذلك فإنَّ هذا الأمر يزيد من الواجبات تجاه المجتمع.

ما دور باحث التاريخ في الأزمات التي يتعرض لها المجتمع ؟
ـ ذكرت لك أن الدراسة في التاريخ يستفاد منها في معرفة التجارب السابقة للأمم والشعوب، وقد تكون الأزمات التي نتعرض لها اليوم مكررة في زمن ما وفي حقبة زمنية معينة ووضعت لها حلول ربما تكون ناجعة أو عكس ذلك ومن خلال هذا نستطيع إيجاد الحلول الخاصة بالأزمات التي تمر بنا مع الأخذ بنظر الاعتبار المعايير الاجتماعية والسياسية فالأمر لا يعني نسخاً ولصقاً، وإنما يجب تحليلها وفق المعطيات الحالية فلا يمكن نسخ تجربة حدثت في الولايات المتحدة على العراق وذلك لاختلاف المعيارين الديني والاجتماعي ولكن هذا لا يعني اهمالها وإنما أخذ المفيد والملائم لنا والمتوافق مع المعايير الموجودة عندنا.
وهذا الأمر لا يخص باحث التاريخ فحسب وإنما هو دور النخبة المثقفة في المجتمع في ريادة وقيادة المجتمع عند حدوث الأزمات وأن تكون هذه الثلة هي الملهم للمجتمع والتي تلعب الدور الرئيس فيه لقيادته إلى التعافي وتجاوز الأزمة.

هل أنصف المستشرقون الغرب العرب بكتابة تاريخ المنطقة؟
ـ أبداً، لم ينصف المستشرقون العرب، لا بل وحتى العرب أنفسهم الذين درسوا عند الغرب أتوا متحاملين على بني جلدتهم، يحاولون تغيير الحقائق التاريخية إلى هواهم أو بما يتوافق مع ما درسوه على المستشرقين، ولعل أكثر من تعرض إلى ظلم كتبة التاريخ من المستشرقين رسولنا الكريم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، فكيف بباقي التاريخ العربي، إنهم يفسرون التاريخ حسب هويتهم وثقافتهم وليس حسب هويتنا وثقافتنا.

الجيل الحديث لا يعلم من تاريخ بلده إلا سطور كتبت على منصات التواصل الاجتماعي فأين دور الأكاديمي من كل هذا؟
ـ دور الأكاديمي أن يقوم هو بكتابة هذه السطور، وأن يواكب التطور العلمي والتقني، فهذه الوسائل أصبحت وسيلة لنشر الثقافات المختلفة ما صح منها وما بطل، ولكن عندما يرى المتلقي باحثاً أكاديمياً يقوم بنشر الحقائق سواء كانت تاريخية أو غير ذلك فإنه يؤثر في المتلقي ويثقفه ويقوده إلى سبيل الحقيقة لا بل وينتشله من براثن المنشورات الخاطئة والمضللة.
فلم يعد يكفي أن يقوم الباحث بنشر كتاب أو أكثر ليخاطب فئة محدودة من القراء وإنما عليه أن يكتب في المدونات والصحف الالكترونية ليصل إلى أكبر مساحة ممكنة من القراء على اختلاف مشاربهم، ولا يخفى ما لهذه المنصات من تأثير مباشر على الجمهور وذلك لسعة قاعدتها الجماهيرية.

ما هي رؤيتك للمشهد الإعلامي العراقي بصورة عامة والنسوي خاصة ؟
ـ نحو الأفضل إنْ شاء الله، خصوصاً بعد أن بات المجتمع العراقي يتمتع ببحبوحة من الحرية، لذلك بدأ الإعلام النسوي يشق طريقه نحو النجاح وإنْ كان ذلك بصعوبة.

هل تعتقدين أنَّ كتابه المقالات تندرج ضمن الهوية أم الهواية؟
ـ لا يمكن فصل الهوية عن الهواية كما لا يمكن فصل الاختصاص عن الموهبة، فكتابة مقالة ما في موضوع ما تحتاج اولاً إلى الإلمام بالموضوع وهذا يمثله الاختصاص والهوية، واللغة المنسابة من الموضوع وطريقة إيصالها إلى المتلقي تمثله الهواية والموهبة.

هل هناك فسحة من الحرية في الكتابة بالنسبة للمرأة أكثر أم للرجل؟
ـ الرجل مساحته أكبر في المجتمعات الشرقية ذات السلطة الابوية ولا يمكن مقارنة هذه الفسحة بأي شكل من الأشكال فعندما يخطئ الرجل يوضع في قائمة الخطائين ولكن عندما تخطئ المرأة توضع في قائمة المتهمين. هذا هو المجتمع الشرقي مع جل احترامي وتقديري له، ولكن هناك جوانب أخرى في هذا المجتمع صانت وحافظت على المرأة أكثر من الرجل.

هل تعتقدين أن الكتابة الإلكترونية سرقت الأضواء من الكتابة الورقية ؟
ـ بالتأكيد، فتسارع الزمن الذي نعيشه وقلة توفر الوقت بسبب مشاغل الحياة كلها أمور دفعت بالمتلقي إلى أن ينهل ثقافته من الانترنت ويبتعد على الكتاب الورقي، وكذلك فإنَّ أسلوب الكتابة لكي يصل إلى المتلقي يجب أن يكون موجها إلى موضوع بعينه بعيداً عن الاطناب والاسهاب، فالمتلقي يريد الوصول إلى زبدة الموضوع، أضف إلى ذلك فإن الكتابة الالكترونية باتت تدخل إلى المتلقي وهو مستلقٍ في منزله على عكس كتاب الورق.

كثير ما يقال إنَّ المثقف مرتهن لدى السياسي أو بعبارة أخرى في خدمة السياسة ؟ فما رأيك ؟
ـ هذا بالنسبة للمثقف المنافق أما المثقف صاحب المبدأ فله في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ}، فلا يجب أن يجامل على قول الحق، فللمثقف دوره الريادي في المجتمع ويمثل القدوة الحسنة للمجتمع فإن إنهارت هذه القدوة أنهارت الأسس التي يقوم عليها الرباط الاجتماعي في المجتمع قاطبة.

ما هي العقبات والمصاعب التي تواجهينها في الكتابة لديك؟
ـ الوقت أولاً وأخيرا، ثم تأتي باقي المصاعب مثل دور النشر والمجلات العلمية الرصينة والروتين المستشري فيها،

 هل حققت غاية ما في الكتابة أو الوصول إلى الهدف الذي ترسميه في الذهن ؟
ـ هنالك فكرة لكتاب مهم جدا يلامس واقع المجتمع العراقي والمرأة العراقية بالذات هذا جانب والجانب الآخر توجد لدي العديد من المؤتمرات في داخل العراق وخارجه، في اسطنبول لدي مشاركة تتعلق في مسيرة التاريخ العربي وأيضاً مؤتمر آخر في محافظة المثنى وأيضا مؤتمر خاص لوزارة التعليم والبحث العلمي يخص المرأة تحت شعار المرأة هي أيقونة الحياة بالاضافة الى مؤسسات أخرى تهتم بنفس الموضوع ..أيضا لدي مساهمات في الجامعة المستنصرية تحت عنوان كورونا وأثرها على السياسة التعليمية في العراق ..
حدثينا عن آخر إصداراتك من المؤلفات
ـ لقد صدر لي كتاب محاكم التفتيش الاسبانية 1480 – 1598 وأيضا كتاب كوبا والعالم العربي 1959 – 1973
وأيضا حصلت على شهادة التقدير من مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية وأيضا كتاب شكر وتقدير من منظمة حمورابي لحقوق الإنسان.

كلمة أخيرة
ـ أقرأ: أول كلمة نزلت في القرآن الكريم، ولم أجد من يحث عليها، ويعمل بها، اقرأ، فكل شيء في هذا الكون يعرف من خلال القراءة ولدي امنيه هي ان يعم الخير لبلدنا العراق وأيضاً أتمنى الخير والتوفيق لجامعتي الجامعة المستنصرية التي أنتمي لها وتحت رعاية رئيس الجامعة المستنصرية الأستاذ الدكتور حميد فاضل التميمي المحترم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى