عواد بوَّر أرضه !

صبري الموجي|رئيس التحرير التنفيذي لجريدة ( عالم الثقافة)

  فى الأوبريت الإذاعى الرائع ( عوّاد باع أرضه ) أكد المخرج المتألق أنور المِشرى والموسيقار العبقرى كمال الطويل والكاتب القدير مرسى جميل عزيز أهمية الأرض لدى الإنسان المصرى، حيث اعتبرها أغلى من العرض، ومن ثم وجدنا أهل القرية يزفون الفلاح البسيط ( عواد) الذى باع أرضه، هربا من الشقا، ورغبة فى اقتفاء أثر ( الغجرية ) وهيبة التى أنسته أهله وناسه، وأخذوا يُعيرونه بالأغنية المعروفة ( عواد باع أرضه ياولاد .. شوفوا طوله وعرضه ياولاد) للتدليل على جُرم ذلك الفعل وشناعته عند الفلاح المصرى القديم.

ولو اعتبرنا بيع الأرض جريمة عند الفلاح القديم، فإن ما يجرى على الرقعة الزراعية المصرية الآن من تعدٍ سافر، وغزو خرسانى صارخ جريمةٌ أبشع فى حق مصر كلها، لأنه يُقلص تلك الرقعة، ويحرم الكثيرين من قوت يومهم ولقمة عيشهم.

والمتأمل حال المجتمع المصرى مؤخرا، يجد كثيرا من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا؛ إذ إنه بعد اندلاع ثورة يناير 2011 التى كان من أهم مبادئها توفير رغيف الخبز، حدثت اضطرابات سياسية كان من أبرز نتائجها خسارة مصر نحو 38 ألف فدان من أخصب أراضيها الزراعية، جراء الزحف العمرانى الذى جرى بليل وفى غيبة القانون.

وإذا كانت خريطة مصر الجغرافية تؤكد أن مساحة الرقعة الزراعية تبلغ 8.5 مليون فدان، أى مايعادل 4% من إجمالى مساحة مصر، والكثافة السكانية التي تنامت في مصر مؤخرا، تحتاج إلى نحو 18 مليون فدان، فإن الأمر كان بحاجة إلى تلك الوقفة الجادة من قبل الدولة؛ بتجريم البناء علي الأرض الزراعية أو تبويرها لوقف ذلك الانتهاك الصارخ لرقعتنا الزراعية، ولابد أن يواكب ذلك أيضا إضافةُ مساحاتٍ زراعية جديدة، خاصة أن هناك كثيرا من الأراضى يمكن استصلاحها لتوافر المقومات من تربة صالحة، ومياه جوفية، وطاقة بشرية، ولكن ينقصنا أهم مقوم وهو الإرادة الشعبية المُوجّهة بالإدارة السياسية.

فعيبٌ على بلد فى عراقة مصر كان يُصدر الغلال إلى كثير من الدول حتى وقت قريب أن  يُعانى الفقر والجوع ويستورد أكثر من 80% من حاصلاته الزراعية.

إن التعدى على الأرض الزراعية، بجانب أنه أزال كثيرا من رياضنا الغناء ذات الأشجار باسقة الأغصان وارفة الظلال، وأباد كثيرا من حقولنا الخضراء، وأحل محلها كتلا خرسانية صماء تثير كآبة النفس وكلم الفؤاد، أقول إلى جانب هذا كله، فإنه يُنذر بثورة جياع ستأكل حال اندلاعها الأخضر واليابس.

وحسنا فعل مجلس الوزراء، حيث اعتبر التعدى على الرقعة الزراعية جناية لا جنحة، وغلّظ عقوبة الاعتداء فوصلت إلى 15 عاما سجنا، وضاعف الغرامة فوصلت إلى 1/2 مليون جنيه، كما منح المحافظين سلطات وزير الزراعة فى التصدى لذلك الخطر الداهم، إلا أن هذا وحده لايكفى إذ لابد من توافر الإرادة الشعبية من قبل المواطنين للحفاظ على تلك الرقعة التى هى حياتنا جميعا، مع ضرورة توفير أراضى البناء بأسعار تتناسب ودخول الأسر، إلى جانب حتمية الخروج من الوادى الضيق بالدلتا وحول النيل باستصلاح أراضى مصر المترامية، التى يمكنها أن تتحول وبأقل مجهود إلى جنان غناء تحمل الخير لمصر، وتُمكننا من أن نردد الموال المصرى القديم ( الأرض أرضنا .. عن ابونا وجدنا .. وبكرة ولا بعده لعيلنا بعدنا).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى