تعقيب على منشور مؤسسة قلم الثقافية
باسم عبد الكريم الفضلي| شاعر وناقد – العراق
جاء في منشور مؤسسة قلم ما يلي:
تعزيزا للمشهد الأدبي ورفدا لمسيرته الكبيرة تقيم مؤسسة قلم الثقافية لاحقا حوارية مفتوحة لأمكانية الغاء مفهوم (النص النثري) أو (القصيدة النثرية) واستبدالها (بالشعر الحر) لذا المؤسسة بانتظار المعنيين بهذا التحول من خلال تقديم دراساتهم أو التواصل بوساطة خاص الأستاذ (حسين الساعدي) أو (أبو الباقر الربيعي) .
مؤسسة قلم بعد التحية:
يعد الإبداع من أكثر الموضوعات المطروحة للتناول دقة وحيوية ، ومثار دقته متأت مـن الكـم الكبيـرللأشكال والموضوعات التي ينبثق العمل الإبـداعي منها، ومن صعوبة معرف ة الكيفية التـي يمكـن أن تستخلص منها موضوعات بعينهـا ، مـن دون أن تختلط أوراقها بأوراق أخرى ، يقف الإبـداع معهـا على شفير واحد، مثل الثقافـة والحداثـة .فهـذه الثلاثة متداخلة ، بمعنى أن الحـديث عـن الإبـداعيستلزم الحديث عن الآخرين ، إن زمانـاً بأسـبقية أحدها على نظيريه، أو مكاناً باستعارة كـل واحـدة من هذه الموضوعات سمات الباقيين ، أو تأثير هـذا الواحد فيهما .فالإبداع المعاصر مثلاً يخضع لقوانين الحداثة، وقضية الحداثة والتسليم بها تعني الإيمان.
بثقافة معاصرة، صارت تدعى ثقافة النخبة، وهـذه الأخيرة تهيئ الأجواء لغرض قبول نمـط إبـداعي بعينه، بل تحفز عليه وهكذا.أما على صعيد حيويـة الإبـداع، فـإن الفاعليـة الإبداعية تستدعي فعاليات جمة، وتساؤلات كثيـرة، غايتها أن يستقيم العمل الإبداعي، ويأ خذ حيزه فـي الوجود والجودة معاً.
ومن هنا، صار الإبداع يستأهل توقف النقد معه طويلاً، فقد أضـحت فعاليتـا النقـد والإبـداع متلازمتين فكلّ منهما تستدعي الأخرى، في جدليـة دائمة، واستمرارية نشطة.
وكيف لا، والإبداع فـي أبسط تعريف له التمرد علـى القواعـد القائمـة، بهدف التفرد، والتفرد هنا يرتبط بكل تصور جمالي و يقتضي تأسيساً ن قدياً جديداً، لا علـى أسـاس طرح القوانين، إنّما على أساس محصلة المتواجـد، التي تلغي القديم المنظّر لها نقديـاً سلفاً، ثم تقيم منظومة نقدية جديـدة ، تستطيع التحاور مع جديد إلمنتج الفني الأدبي .وليس في ذلك فرض أو تعسف، بقـدر مـا يحمل سمة (إعادة صناعة الذات النقدية)، التي تعجزعن استكناه النصوص الإبداعية الفذّة ، والتي تقـيم كيانها بموجب مبدأ الخلق المنفرد، الذي يقضي بـ”إنشاء وجود جديد من أشياء سابقة في الوجود ” ، والى هذا المعنى أشار (فاغنار)، حينما ربط مفهوم الخلق ب ـ”قدرة الإنسان على تخليص الكلـم مـن القيود التي يكبلها بها الاستعمال، وتطهيرهـا ممـا يتراكم عليها من ضبابية الممارسة، فالإبداع إحياء الكلمة بعد نضوجها ، وفي إحياء الكلمة بعث جديـد للتجربة المعيشة في الذات والزمن”.
ان ما يبرز في أحد الآداب من ظواهر أدبية هامة، كالأجناس الأدبية والاتجاهات الفنية، في وقت مبكر، نتيجة لتقدّم المجتمع الذي يحتضن ذلك الأدب، يظهر حتماً في الآداب الأخرى، لا بفعل علاقات التأثير والتأثر فحسب، بل بالدرجة الأولى نتيجة لتوافر الشروط والمقدمات الاجتماعية في المجتمعات التي تحتضن تلك الآداب، وإن يكن بفارق زمني قد يطول أو يقصر.
فمسألة التطور الأدبي مرتبطة بالتطور المجتمعي، وهي مسألة وقت فقط. إن الآداب تمر بالمراحل التاريخية نفسها، وتشهد ظهور الأشكال الأدبية الرئيسية نفسها، من أجناس وتيارات أدبية وما إلى ذلك، مما يعني أنها تمر بمراحل التطور نفسها، ولكن ليس بصورة متزامنة.
فهناك قانون يحكم تطور المجتمعات والآداب على حدّ سواء، هو قانون {عدم التزامن}.
وما دعوتكم للعودة الى جنس ادبي محدد ( الشعر الحر)، لم يسلم ،حتى اليوم ، من سهام المشككين بمشروعيته الابداعية، هي دعوة ارتدادية في مفهوم التطور الثقافي عموما والادبي خصوصاً، حسبما مر عرضه آنفاً ، وكان الاولى ان كون قصد دعوتكم هو عقد اللقاءات والمؤتمرات لتدعيم وتعميق مفهوم وماهية “التجديد” (الحقيقي فقط وطرح الزائف)، وتشجيعكم على فتح الآفاق للاكثر تجديدا، باعتبار أن التجديد لايتوقف عند حد معين وليس له انتهاء، فهو يواكب حركة التجدد الحياتي المتواصل مادامت الكرة الارضية تدور، وعلينا عدم التفنن بوضع العصي في دواليب الابتكار الابداعي والكشف عن عوالم رؤيوية عذراء، والدعوة للنكوص والارتداد الى الوراء!! ، ففي النهاية التجديد يعني امتلاكنا وعياً حراً منعتقاً من قيود “المؤسسات” الشمولية.
تحياتي