انتهى دور المثقف وتحول إلى متفرج حزين
د. حنا عيسى | فلسطين
(كل مثقف يتحدث بصراحة عن الأمراض أو الرواسب التي يعاني منها الشعب، يعتبرونه ضد الشعب. وكل من يجيد القراءة يتصور أنه مثقف وتلك مشكلة في بلد غالبيتها من الجهلاء والأميين. لذا، عندما (يخطئ) لاعب الكرة يعطى بطاقة صفراء وعندما (يصيب) المثقف يمنع من اللعب مدى الحياة! لماذا؟ لأن، المثقف الصغير أبشع من البرجوازي الصغير في فهمه الضيق للحياة وللأحياء. وتحدثك باللغة الانجليزية مع شخص عربي مثلك، لا يدل إطلاقاً أنك إنسان مثقف، بل أنك إنسان جاهل للغتك، ومحروم أيضاً من جمالها. لهذا السبب أنا مثقف اذن أنا كئيب)
هل لاحظتم حالة الكآبة والحزن التي دائماً ما يحب إظهارها الكثير من المثقفين في مجتمعاتنا، هذه الحالة ليست جديدة بسبب الحروب الموجودة حالياً وإنما هي صفة موجودة مسبقاً يرتديها كل من أراد أن يعيش دور المثقف. لذا، الدنيا مثل التاكسي لا تقف لأحد مهما ناداها وإذا وقفت لا تذهب به إلى حيث يريد.. كل شعوب العالم لا تعرف ماذا يحدث في المستقبل إلا الشعب الفلسطيني فإنه لا يعرف ماذا يحدث الآن رغما عن كل ذلك، هل تخيلت يوما أن شارعاً معبداً بالزفت يصبح حلماً من أحلام الشعوب.. نعم، إن الاستعمار الثقافي حريص على إنشاء أجيال فارغة لا تنطلق من مبدأ ولا تنتهي لغاية يكفي أن تحركها الغرائز التي تحرك الحيوان مع قليل أو كثير من المعارف النظرية التي لا تعلو بها همّة ولا يتنضّر بها جبين.. وأغلب شعوب العالم من هذا الصنف الهابط.. فالمعرفة العربية السائدة معرفة غير نقدية، ذلك أنها نشأت وتنشأ في أحضان الجواب، ومن هنا كان طابعها الغالب فقهياً – شرعياً، حتى في الآداب والفنون، وفي هذا ما يوضح كيف أن الثقافة العربية المهيمنة تمارس النقد بصورة غير نقدية، والفكر والفلسفة بصورة غير فكرية وغير فلسفية، والعلم بصورة غير علمية، والشعر والفنّ بطرق غير شعرية وغير فنّية، الثقافة العربية المهيمنة مجموعة من المؤسسات الاجتماعية – الأخلاقية – السياسية، إنها ثقافة بلا ثقافة. إن أكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف نظري.. فالشخص الذي لا يقرأ لا يكون في درجة أعلى من الشخص الذي لا يعرف القراءة.