تَهويماتٌ في الساعةِ الهامدةِ من الليلِ.. مُخيمُ الأقحوَانِ

فايز حميدي | أديب فلسطيني مغترب

-١-
يا مَنبتَ الرجولةِ والفِداءِ
يا خيمةَ القلبِ النَبيلةِ
وبَسمَة الروحِ العَنيدةِ
أنتَ الكرامةَ والنبالةَ واللغةَ المُضيئة
والنخلَ الذي لا يَنحني يا قامةَ الريحِ
يا فارساً أتكئَ على حوافِ الغيمِ
وَجداً للوطنِ ..
عازفاً أُنشودةَ الفرحِ
على أوتارِ قِيثارةِ آلامِ الوجودِ
خَالِقاً مِن بَصمَتِهِ أعداءٌ له
مُشْعِلاً نارَ الحُضورِ …
يا مُخيماً يَحملُ في عَينيهِ وَطناً للنَوارسِ
وفي شَفتيهِ عُطرَ بُرتقالُ يافا وحيفا
يا صفصافةَ ضَاقوا بأَغصانِها
فَسَقوها وَهجَ الحريقِ …
وأردوها :
مُحطمةً
عَاريةً
مَذهولةً
مَخنوقةَ النداءَ
لِعروقِها الإِجهاضَ
تَستضيءُ بالأنقاضِ
تَعيشُ في الرُعبِ واليَباسِ
صديقةٌ للدمعِ ….
اتكأ المُدلجونَ على عكازةٍ من سرابٍ ..
وَقالوا :
أنكِ انتهيتِ ، مَغنماً وَنفياً وَحريقاً
يا سوسنةَ جنينِ :
أيثمرُ سَرابُ العراءِ ؟
أمرُّ على الفكرةِ ما هَمُّها
أبتسمتَ لها أو بكيتَ ؟؟
ياشهقةَ الجوعِ واليَباسِ
يا موتاً في رِئَتي وَشِفاهٌ ثلمَها الحَنينُ
يا زَمنَ الحصارِ وَضِباعُ الليلِ
يا دفقةَ الجُرحِ وَشراعَ الغُربةِ
وَما انتَهيتُ ..وما انتهيتُ
ما زالَ في العينينِ مَعنى للضُحى
وما زالَ تحتَ نابُ الغيءُّ دمٌ
وما زالَ دَمُ الأرضِ غَضُّ
يا حَناجِراً جَفَ فيها الكَلامُ
وتَخثرَ الليلُ في حُطامِ الفَراغ
يا صَرصَرةَ الريحِ الكَئيبةِ
يا أشواكَ الصبّرِ والنَشيجِ المَكتومِ
والكلماتِ النَازفةِ ..
يا أعداءَ الحَياةِ :
ما عَادَ القلبُ كَما كانَ ..
بنزيفِ دَمَي تَتَغذى شَراييني
وأخلقُ الريحَ ..
أدفنُ الموتَ ولا أموت
أتركُ الزمنَ الراحلَ بسقوطهِ
أمْحو عَتمةَ اليأسِ
وأنتصرُ لِعَينِ الشمسِ ..
لِلُغَةِ المُخَيمِ
وأضرمُ في القلبِ آهةَ الجُرحِ النَبِيلِ
في وَجهِ هذا العالمِ الضريرِ …

-٢-
هي بِلادٌ تَزحفُ خَلفَ رَغيفَ خُبزٍ
وَسُهولها غَبراءُ قفراءُ
وَطِفلِها مَقرورُ
لا شَيءَ سِوى باقةُ أزهارٍ تَجفُّ
وَموتٌ يتَناسلُ تَحتَ أجفانِ الغُبارِ
يا لحظةَ الحَقيقةِ !!
يا صَرخةَ البِلادِ العتيقةِ
مَتى يُهدمُ زمنَ الذُلِ والأشلاءِ
والمَقصلةُ الخرساءِ
والعالمُ المَسجونِ بالبلادةِ ؟؟
متى نُداعبُ ضوءَ الشمسِ على ذُرانا
ونَحيا بِشموخٌ وانعتاقٍ ؟؟؟
ونَقرأُ في الأحداقِ إشراقةِ الحُلُمِ
لِطفلِنا الذي لم يولدُ بَعد !!!
وَيولدُ في الأُفقِ رُمحٌ من ضوءِ
نجمٌ في سديمِ الغُربةِ
يَعبرُ إلى تاريخِنا الموشحُ بالسوادِ
إلى سفينةِ جُرحِنا
ونُحطمُ العوالمَ الخرساءِ
ونولدُ في نهايةِ الطريقِ
ألملمُ قَلبيَ المُتناثرِ قهراً
وأشربُ بِصمتٍ قَهوةَ المَغيبِ
مُمتلئاً بِرائِحةِ الإنفِرادِ
في العتمةِ المُضاءةِ بقمرٍ
في مُنتَصَفِ العُمرِ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى