عثمان صالحية ينسف الفكر السّلفيّ
جميل السلحوت | أديب وكاتب مقدسي – فلسطين
عن منشورات “الأهلية للنّشر والتّوزيع″ في عمّان صدر في أكتوبر عام 2018 دراسة بحثيّة مطوّلة بعنوان “السّلفيّة في ميزان الدّراية” للمفكّر الإسلامي عثمان صالحيّة، وتقع الدّراسة في 536 صفحة من الحجم الكبير.
وعثمان صالحية ومن خلال كتابه الأوّل “الدّراية الفريضة الـمصيرية الغائبة في التراث – الشفاعة أنموذجاً مفصلاً ” الصادر أواخر عام 2014م أثبت أنّه مفكر وباحث في الفكر الدّينيّ، وأنّه يشكّل ثورة، حقيقيّة لإعادة الدّين الإسلاميّ من التّيّارات الدّينيّة التي اختطفته، في اعتمادها على النّقل من الموروث الذي صبغوه صبغة عقائديّة ذات قداسة دون تمحيص، ودون الاعتماد على مصادر التّشريع الحقيقيّة والصّحيحة والمتمثّلة “بالقرآن الكريم، والسّنّة النبويّة الصحيحة”، ففي كثير ممّا نقلوه وقدّسوه “هبل واستهبال وخرافات” لا يستوعبها ولا يستسيغها عقل عاقل. وبالتّالي فقد شوّهوا الإسلام حتّى في نظر ذوي العقل من المسلمين قبل غيرهم.
وفي كتابه الجديد “السّلفيّة في ميزان الدّراية”، يثبت المؤلّف من جديد أنّه صاحب فكر مستنير، وأنّه ثائر بحقّ وحقيقة على الجهل والتّخلّف التي ألحقها البعض بجهله وعدم احترامه لعقله ولعقول الآخرين بالإسلام، وكأنّي بالكاتب هنا يؤكّد مقولة “الدّين الصّحيح لا يتعارض مع العلم الصّحيح ومع العقل السّليم.” وفي هذا الكتاب انصبّت دراسته على “التّيّارات السّلفيّة” التي كانت واحدة من الأسباب في تخلّف الأمّة الإسلاميّة؛ لفهمها الخاطئ للدّين في كثير من مفاصل الشّريعة، ومفاصل حياة البشر.
والدّراية كما يعرّفها المؤلّف: منهاج في التّفكير غايته محاكمة متون الرّوايات الخبريّة؛ للوقوف على صحّة أخبارها، ومحاكمة الأطروحات الفكريّة في الرّوايات أو في غيرها للوقوف على صدق أفكارها.” ص1.
أمّا غاية المؤلّف من تطبيق هذا المنهاج “فهي تطهير التّراث الإسلاميّ من اللوثات والأخطاء الفاحشة” والضّلالات المارقة، والدّسائس والموضوعات الهدّامة؛ حتّى يعود محجّة بيضاء.” ص1. ولإيفاء هذا الموضوع حقّة فإنّ الكاتب يعمل على دراستين أخرتين هما: “الشّيعيّة في ميزان الدّراية، والصّوفيّة في ميزان الدّراية.”
ومن هذه المنطلقات فإنّ الكاتب ينسف مقولة السّلفيين لأنّهم ” يزعمون بأنّهم ……الحركة التي اختارت طريق السّلف الصّالح في فهم النّصوص الشّرعية فهما مباشرا من كتاب الله تعالى وسنّة رسوله”ص33. ومثال على فهمهم هذا الحديث: ”عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ” ويعلّق المؤلّف على هذا الحديث: بأنّه “حديث لا يصحّ دراية، لأنّه لا توجد للخلفاء الرّاشدين سنّة إضافيّة يكملون بها دين الله وشريعته.”ص40. ويورد المؤلّف أحاديث متناقضة، ليثبت خطأ معتقد السّلفيّين في التّعامل مع الموروث السّلفيّ دون دراية ومنها” من مسّ ذكره فليتوضّأ” و”حين سئل الرّسول عن نقض الوضوء من مسّ الذّكر قال:”إنّما هوة بضعة منك”ص47. ويورد الكاتب الكثير من الأمثلة على التّناقضات التي وقع فيها السّلف في مؤلّفاتهم.
“أما في ميدان الفقه وأصوله وفروعه فحدّث ولا حرج عن الاختلافات والتّناقضات والاجتهادات بين المذاهب الفقهيّة.”ص74. ويورد الكاتب الكثير من المآخذ على الفكر السّلفي وخصّص لها بابا تحت عنوان”الانحرافات السّلفيّة الخطيرة في المحاور الشّرعيّة اليقينيّة” ص103. ومن هذه المحاور”خبر الآحاد”ص103. ويعطي أمثلة على رفض خبر الآحاد منها ما يتعلّق بالانتقاص من إنسانيّة المرأة، “كما ورد في حديث مزعوم رواه التّرمذي: “لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت أن تسجد المرأة لزوجها.” وما جاء في حديث عند البخاري:” ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرّجال من النّساء” وحديث آخر “قمت على باب النّار فإذا عامّة من دخلها من النّساء.” ص119، ويعقّب المؤلّف على هذه الأحاديث بقوله:” فهذه الأحاديث وما شاكلها من أحاديث باعثة على الفتنة، دافعة إلى الشّرّ، طامسة للخير، هي من الإسرائيليّات التي تخالف شريعة ربّنا جملة وتفصيلا” ص119.
ومن “انحرافات السّلفيّة موقفهم من “العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر”، فهم يرون أنّ الخلافة حقّ للقرشيّين وحدهم دون غيرهم. ص 151. ومن المسّلمات عندهم “الطاعة المطلقة للخلفاء أو السّلاطين من قريش، أو حتّى من غيرهم من الأمراء المتغلبين الفاسدين، والدّعوة إلى وجوب الاستسلام لقضاء الله بولايتهم العامّة على أمّة الإسلام أبد الآبدين ودهر الدّاهرين.”ص152. وهذه حجج باطلة بدليل ما ورد في كتاب الله وسنّة نبيّه. ويرى الباحث موقف فكر السّلفيّين من بوصلة الجهاد، ويحذّر بأنّه “ما لم تحصل في الأمّة ثورة فكريّة تطهيريّة مسلّحة بمنهاج الدّراية لمراجعة المحاور والقواعد والأصول في العقيدة،…..فإنّ جهادها أو كفاحها المسلّح سوف لن يكون أكثر من ذريعة تنتحلها أمريكا وحلفاؤها كي يتخذوا منها المبرّرات الفظيعة لترويع العالم وتمريغه في أوحال الإرهاب الإسلاميّ المزعوم.”ص181.
ومن محاور الانحرافات السّلفيّة “انكار المجاز في القرآن إنكارا تامّا” لذلك فقد فهموا الآيات القرآنية ” على الحقيقة وليس على المجاز، فلله تعالى أياد وأرجل ووجه وعيون، مثلما هي عند الإنسان الذي خلقه الله على صورته.”ص184.
ومن محاور انحراف الفكر السّلفيّ ”إسقاط دور العقل باعتباره مناط التّكليف، وإسقاط دور الدّراية في المأثورات والمرويّات الحديثيّة”ص207. ومنها أيضا
“قلب موازين الأحكام الشّرعيّة وقلب سُلّم القيم والأولويّات” ومن فهمهم الخاطئ هذا أنّهم “جعلوا من بعض الأحكام التي لا أصل لها في الدّين، أو المخالفة لشريعة ربّ العالمين في قمّة اهتماماتهم الشّرعيّة، …وذلك مثل أن تنتقب المرأة المسلمة وأن تلبس القفّازين….علما أنّه جاء في الحديث المعتمد لديهم:”إنّ الرّسول صلى الله عليه وسلّم نهى أن تنتقب المرأة المُحْرِمة، أو أن تلبس القفّازين.”….فلو كان وجهها وكفّاها عورة-كما يزعمون-لما طلب منها الشّارع الحكيم أن تكشفهما أمام هذه الجموع الغفيرة من الحجاج.”ص234. وكذلك موقف السّلفيّين من اطلاق اللحية واعتبارها في سُلّم والولويّات عندهم، في حين أنّ”صفوة القول إنّ إطلاق اللحية أو عدم اطلاقها هو من المباحات، مثل لبس الخفّ أو المشي حافيا، وليس هو شعيرة من شعائر الإسلام.”ص239. ويورد الباحث أمثلة على العديد “من الفتاوي العجيبة للسلفيّين التي حرّموا فيها المباح شرعا مثل:” تحريم رسم الكائنات الحيّة، تحريم قيادة المرأة للسّيّارة، تحريم لبس القبّعة، تحريم إزالة الشّعر عن جسم المرأة، تحريم صبغ الشّعر باللون الأسود، تحريم ربطة العنق، تحريم لبس البنطلون من قبل المرأة أمام زوجها، تحريم استعمال الملاعق، تحريم الجلوس على الكراسي، تحريم التّحيّة العسكريّة، تحريم انتعال الشّبشب، تحريم لعن البهائم، القول بأن صوت المرأة عورة، التّشاؤم من “الدّار، المرأة والفرس.”، القول بأنّ العين حقّ وأنّ الرقية منها واجبة، تحريم المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والإضرابات.” وغيرها ص247 وما بعدها.
ومن محاور الضّلال عند السّلفيّين “كرامات الأولياء، على هوى من يشاء” ص258، وقولهم “ما كان معجزة لنبيّ صَحّ أن يكون كرامة لوليّ” ص258. وقد وصل الشّطط بابن الجوزي أحد رموز السّلفيّين “إلى أن ينسب لإمامه أحمد بن حنبل من الكرامات ما تخطّى به حواجز المعجزات والنّبوّات والرّسالات.”ص260. وقد ذكر ابن تيميّة في كتاب” الفرقان بين أولياء الرّحمن وأولياء الشّيطان “كرامات ومعجزات مزعومة للصّحابة والتّابعين وسائر الصّالحين….لا يصدّقها إلا من اختلّ عقله وفقد صوابه.”ص265. وقد أورد الباحث الكثير من الأمثلة على ذلك ومنها الخزعبلات التي جاءت في كتاب ابن تيميّة “مجموع الفتاوي”ص269 وما بعدها.
ويفرد الباحث بابا حول “سوء الآداء في مجال الفتوى والفقه والاجتهاد” ص350. ومن مخازي فتاوي السّلفيّين ما أفتى به الشّيخ ناصر الدين الألباني المتوفى عام 1999، يجيب على سؤال:”هل يجوز لأهل الضّفّة الغربيّة أن يخرجوا منها، ويهاجروا إلى بلد ثان؟ فأجاب قائلا:” يجب أن يخرجوا… يا أخي يجب أن يخرجوا من الأرض التي لم يتمكنّوا من طرد الكافر منها إلى أرض يتمكّنون فيها من القيام بشعائرهم الإسلاميّة، وكلّ من بقي في فلسطين منهم فهو كافر.”
ومن أئمّة السّلفيين أحمد بن حنبل الذي”كان من دعاة التّقليد، ومن غير روّاد الإبداع وأنصاره، ومن العاملين على إيجاد الصّنميّة والوثنيّة الفكريّة في عالم الفقه والاجتهاد.” ص371.
ومن فتاوي السّلفيّة الغريبة العجيبة المعاصرة يورد الباحث عدّة أمثلة عليها، منها فتوى الشّيخ عبد المجيد الزنداني المولود عام 1942، عندما سأله شاب ملتزم عن حكم السّفر في طائرة تحلق فوق بلاد “الكفّار” فأجابه الشّيخ:” عليك يا بنيّ أن تتحدّث مع الكابتن طيّار، وتطلب منه أن يتجنّب الطيران فوق بلاد الكفّار، وإذا كان مضطرا فعليه أن يحاول الطّيران فوق تجمّعات المسلمين، وهذه طريقة سهلة، فمآذن المساجد مرتفعة، ويمكن أن تكون دليلا للطّيران الشّرعيّ الحلال.” ص379. وهناك فتوى للشّيخ سليمان العودة المولود عام 1956 لشابّ يعمل في رقابة المطبوعات، ويقرأ أحيانا رواية فيها حديث عن امرأة سافت دون محرّم، فأجابه الشّيخ العودة:” عليك أن تتّصل بكاتب الرّواية وتطلب منه تغيير الجملة إلى امرأة سافرت ومعها محرم، أو يضيف كلمة “آثمة وتلعنها الملائكة”. وإذا لم يستجب فعليك أن تستقيل، لأنّ أجرك حرام من هذا العمل المخالف للشّرع.” ص382.
ولا بدّ هنا من التّأكيد أنّني لم أستعرض في هذه العجالة إلا جزءا يسيرا من هذه الدّراسة البحثيّة في الفكر السّلفي، وهي لا تغني بأيّ شكل من الأشكال عن مطالعة متمعّنة وفاحصة لهذه الدّراسة التي تنسف الفكر السّلفي من أحمد بن حنبل، مرورا بابن الجوزي وابن تيميّة، ومحمد عبد الوهّاب وابن باز وناصر الدّين الألباني وغيرهم. فهذا الفكر بفهمه الخاطئ للدّين أساء للإسلام والمسلمين، وهو من ولّد الفكر الإرهابيّ الذي استغله المستعمرون جيّدا من خلال تنظيمات سلفيّة ضلّت طريقها ومنها القاعدة، وداعش وأخواتها.