أيام كورونا .. الابتلاء نعمة لـمن استثمره في الخير وكسب الأجر

أ.د. محمد بن قاسم ناصر بوحجام | الجزائر – غرداية

من نعم الله على عباده المؤمنين أن يبتليهم بما يقدّرهلهم؛ ليختبر إيمانهم وعلاقتهم به، وليمحّص ما في قلوبهم ويثبّت به أقدامهم في طريق الرّضا واليقين والطّاعة..وفي هذا الابتلاء يظهر حبّ الله لهم، وهم يلتجئون إليه بالشّكوى والدّعاء والتّضّرّع، وبقدر الإلحاح في ذلك ولإخلاص والصّدق وعدم إظهار التّذمّرواليأس.. يكون قبول الأقوال والأفعال من الـمُبتلِيالـمُنعم عليهم، ثمّ يعظم القدر ويزداد الأجر..

نرجو أن نكون ممّن صرفهم الله في هذه السّبل، ومُنِح نِحلةَ الابتلاء بتلك المواصفات فنكون من المقبولين الفائزين الفالحين بكرم الله وفضله ومنّه.

رجعتُ من القرارة إلى الجزائر – أنا وزوجي- صباح يوم الأحد: 02 رجب 1442ه/ 14 فبراير 2021م. وأنا في حال من التّعب والإرهاق والألم.. رأسي توجعني والغثيان ينتابني من حين إلى حين، بل قمت بعمليّة الترّجيع قبل مغادرة القرارة، وبعد الوصول إلى الجزائر..كما كانت تعتريني حالات من الغمّة..ذهبت شهيّتي للأكل..(ملاحظة: أعراض الألم والتّعب والتّقيّؤ ظهرت عليّ قبل يومين أو ثلاثة من سفري إلى الجزائر العاصمة).

قرّرت بعد القيام من النّوم الذّهاب إلى الطّبيب للفحص.. فعلا أعدّتني زوجي – حفظها الله – وتفضّل ابني مازن – أصلحه الله –فقام بالتّرتيبات..فطلب من الأخ محمد بن     الحاج سعيد مرافقتنا بسيّارته – جزاه الله خيرًا – فقصدنا مصحّة ” خنتوش ” القرببة من منزلنا في ” برج البحري “. بعد مقابلة الطّبيب، وإجراء اختبار الكشف عن حالي بوسائلخاصّة ثمّ بجهاز السكانير.. تبيّن أنّني مصاب بفيروس ” كورونا ” بنسبة 10% .

طمأنني الطّبيب – وكان لطيفًا ولبقًا ورائعا في معاملته وفي تقديم النّتيجة – أنّ الأمر ليس خطيرًا، وأنّ حالتك بسيطة، تزول بإذن الله تعالى.كما أكّد لي أنّ تنفّسك طبيعي، فلا تحتاج إلى تنفّس اصطناعي، ولا أن تزور المستشفى، علاجك في البيت، بشرط اتّباع التّعليمات المطلوبة.. فالحمد لله.

هذا الأسلوب الذي سلكه معي الطّبيب, وهذه المعاملة الطّيّبة، مهمّان جدًّا في التّعامل مع المرض والمريض، وهما من عوامل الشفاء بإذن الله تعالى.قبل العودة إلى المنزل التحق بنا في المصحّة ابني العزيز جابر، ليطمئنّ على حالي..

قفلت راجعًا إلى البيت، وأنا في حال من الإرهاق والتّعب والألم – والحمد لله –ذهبت مباشرة إلى غرفة نومي الخاصّة، أين يقوم مُقامي فيها  منعزلا عن بقيّة أفراد أسرتي، الذين اهتمّوا من الأمر، وشاركوني بمشاعرهم ووجدانهم، فكانوا لي سندًا معنويًا ودواء ناجعًا في الرّفع من معنوياتي – تقبّل الله منهم -.

( أوّل إجراء قام به أفراد أسرتي هو غلق هاتفي النّقّال.، ليقطعوا اتّصالاتي بغيري؛ ليوفروا ليالرّاحة، ويمنعوا عنّي الإزعاج، وكانت الاتّصالات بي تتمّ بواسطة هاتف زوجي)..

بعد الوصول إلى البيت أسرع ابني مازن إلى إحضار الأدوية.. فشرعت في تناولها.. مع طلب الشّفاء من الله الشّافي الكافي المعافي.

كانت زوجي العزيزة هي الوحيدة التي تدخل الغرفة لقضاء المآرب وتقديم ما أحتاجه. أكلي خاصّ، لا يشاركني في تناوله أحد، كنت آكل قليلا، بل لا أجد شهيّة للأكل أصلا، وأشعر بنفور شديد منه..وكانت تعتريني حالات من الغثيان، والتّقيّؤ، وعدم النّوم وحالات من عدم الاستقرار الجسمي، حتّى خفت أن تكون  مضاعفات للحال التي أنا فيها. وربّما أنتجت أمراضًا أخرى..وكنت أتلقّى تطمينات ممّن مرّ بحال الإصابة بالوباء، أنّ هذه الأعراض هي من مرافقاته، وهي تأخذ – على الأقلّ عشرة أيّام، وهي المدّة التي حدّدها لي الطّبيب للقيام بعمليّة المراقبة أو المراجعة (controle). مع كلّ ذلك – ولحال الاضطراب النّفسي _ قرّرت يوم الجمعة 19 فبراير زيارة الطّبيب رفقة ابنيّ حسن و مازن والصّهر محمد بن عيسى باحماني الرّاعي في مصحّة ” خنتوش” للكشف عن حالي ومعرفة تطوّرها وما تفسير ما أعانيه…

كانت النّتيجة سارّة والحمد لله، إذ قال لي الطّبيب: هذه الأعراض هي ما يكون في حال الإصابة بفيروس كورونفلا تقلق..إنّك في تحسّن كبير والحمد لله.. عليك أن تضغط على نفسك لتناول الطّعام. وموعد المراجعة والرّقابة بعد خمسة أيّام إن شاء الله،فهو قريب.

هذه الوصفة المعنويّة، وهذه الزّيارة السّريعة للطّبيب.. كان لهما وقع حسن في قلبيوجسمي..إذ سكنت نفسي وارتاحت.. فأصبحتُ أشعر بتحسّن متطوّر كلّ يوم. إلى أن حان موعد يوم الأربعاء: 24 فبراير فذهبت إلى المصّحة رفقة ابني العزيز حسن، فكشف الطّبيب عن حالي وهنّأني بزوال المرض والحمد لله. وقال لي:لا تقلق حالك ستعود  إلى وضعها الطّبيعي بالتّدريج. عش حياتك بشكل عادٍ. .نسأل الله الشّفاء لكلّ المرضى. شكرتُه على حسن الرّعاية والعناية وحسن المعاملة..

فعلا، كان يوم الأربعاء يوم الفرج والإعلان عن زوال أعراض المرض والحمد لله. وكان لكلمات الطّبيب وقعها الحسن في قلبي..فبعد أن طمأنني على حالي. أوصاني خيرًا، وقال لي: تبعات المرض تزول بالتّدريج، وحال التّعب والإرهاق تنقص بمرور الأيّام..

 رجعت إلى المنزل بهذه المعنويات المرتفعة رفقة ابني حسن. بشّرت أهلي بالنّتيجة الحسنة، فرحوا وهنّؤوا وشكروا الله على النّتيجة. كان من بين من استقبلني في مدخل الباب الدّاخلي للمنزل في آخر الدّرج حفيدي ” فارس “، الذي قال لي: ” الآن تستطيع متابعة أخبار الثّامنة في التّلفزيون”. هذه جملة معبّرة، ولفتة مهمّة، هي دليل التّعاطف والتّفاعل منه مع الحدث، بارك الله فيه.

الحمد لله..كلّ من في المنزل شارك في خدمتي ومواساتي وتخفيف تبعات المرض عليّ: زوجي، أبنائي، أحفادي زوج ابني حسن… جزى الله الجميع خير الجزاء وحسن الثّواب.

الأيّام التي قضيتها مع المرض تجربة من بين التّجارب الكثيرة التي مرّت عليّفي حياتي، التي تضيف إليها رصيدًا من الحقائق والمعارف والنّظرات والعبر والدّروس.. في مسيرتي والحمد لله.

 تجربة مرضي بسبب وباء كورونا أكّدت أنّ نعم الله على عباده عديدة لا تحصى، وفي مقدّمتها نعمة الصّحّة والعافية، التي بفقدها يتعكّر صفو الحياة، ولا ينفع معها شيء، مهما غلا شأنه وعلا قدره وسما رِفده..فالصّحة نعمة غالية من المنعم المتفضّل، فلنشكره عليها شكرًا يليق بمقامه؛ كريمًا جوادًا رحيما ودودًا، ولنسخّرها ولنصرفها في الخير، ولنحافظ عليها؛ بالتزام القواعد الصّحيّة والتّوجيهات السّديدة، ولننفع بها الآخرين. فالله سخّر للإنسان كلّ شيء: )…وَآتَاكُمْ مِنْ  كُلّ ما سَأَلَتُمُوهُ وإِنْ تَعُدُّوا نِعمةَ اللهِ لا تُحْصُوها…( (إبراهيم/ 34(..)الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالذِي هُوَ يًطْعِمُنِي وًيَسْقِينِ وَإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ( (الشّعراء/ 78 – 80).

ما حرمت منه في أيّام الحجر الصّحّي والعزل الإجباري أشياء كثيرة، منها:

– منعت من التّجوّل خارج الغرفة، إلاّ لضرورة، أو لقضاء حاجة محدّدة.

– منعت من مواصلة القراءة وممارسة الكتابة وإنجاز أعمال علميّة، وتنفيذ أخرى كانت مبرمجة.

– حرمت من الاتّصال بالأصدقاء ومن لهم لي معهم أعمال اجتماعيّة وعلميّة…

– منعت من تناول بعض أطايب الأكل ولذائذ الشّراب..وغيرها؛ بسبب فقدان الشهيّة وامتناع الرّغبة فيها.

– منع الأحفاد من التّقرّب منّي، رغم محاولات الحفيد العنيد” أكرم ” التّسّلّل والهروب من القيد والانفلات من المنع، بينما الحفيدان ” فارس وباسم ” التزما الابتعاد منّي والتّسليم والكلام من بعيد – هكذا فهما وعرفا واستوعبا الدّرس – حفظهما الله وحفظ والديهما – .

– الاتّصالات والزّيارة – عن بعد – لم تنقطع من أبنائي وبناتي وأفراد أسرتي وأصهاري ومن تمكّن من القيام بذلك في حدود المسموح به، وفي ضوء التّعليمات الصّحيّة والتّوجيهات المطلوبة.

– انقطعتُ عن العالم الخارجي وعن أصدقائي وأعمالي وبرامجي ومواعيدي المسبقة…

هذه الممنوعات، وهذه المحرّمات، وهذه المتغيّرات في أيّاممرضي.. تبيّن قيمة النّعم التي أنعم الله بها الله على عبده، وهيّأها له؛ ليعيش حياة كريمة عزيزة آمنة مطمئنّة.. فقدان نعمة واحدة يؤثّر على سيرورة حياته، فليشكر الله وليحمده، وليقدره قدره، وليعبده عبادة الشّاكرين الحامدين القانتين.. على ما أسبغه عليه من نعم ظاهرة وباطنة…

كلّ ذلك يبيّن أنّ فضل الله علينا عظيم في ممارسة حياتنا بشكل طبيعي، وأنّ منّه علينا كبير برغد العيش وتوفير النّعم والوسائل من أجل حياة هنيئة.. ألا يستحقّ منّا الكريم الجواد الرّحيم الودود الحمد الشّكر والطّاعة والعبادة الحقّة؟؟ إنّ هذا لهو الفضل المبين، ولمثل هذا فليعمل العاملون المخلصون.

اللّـهم وفّقنا للحمد والشّكر، واهدنا لفعل الخير، واجعلنا من عبادك الصّالحين، واكتب لنا العفو والعافية والمعافاة في الدّنيا والأخرى يا ربّ العالمين، وارزقنا من حيث لا نحتسب يا اكرم الأكرمين..

الجزائر يوم الأحد:  16  رجب  1442ه

28  فبراير  2021م

  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى