حكايا من القرايا ” القطّ والبطّيخة “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

الكورونا… وما أدراك ما الكورونا؟ أصبح مضرب المثل في السوء والقبح، فقالوا ” أنحس من الكورونا، وأبشع من الكورونا ” يخرب بيته من مرض، يجعلك تشتهي أكسجين الحياة، اللهم ابعد عنا الكورونا، وشاف ربنا من تكورن… وارفع الوباء والبلاء عنا يا رب…
الكورونا السوداء تذكرني بالقطّ الأسود، قطّ أنحس من الكورونا…كان ذلك في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وكان موسم القيظ كما يسميه الفلاحون… وهو موسم يمتدّ بين شهر تموز، وفيه ينضج التين والصبر، وفيه يحمى الماء في الكوز… وشهر آب اللهاب، اقطع القطف فيه ولا تهاب، حيث يصير الحصرم عنباً… ويدور الحلا فيه…
كانت صباحيّة حارّة، تناولت الأسرة فطورها في ظلّ واجهة ” العليّة ” تلك الواجهة التي كانت تنتهي ببسطة الدرج… وكانت الحرارة تشتد باطراد، وزاد من حرارتها الأفواه والحلوق التي التهبت من تناول قلاية البندورة المفلفلة، والمكدوس الحرّاق، وسلطة الفلفل الحرّاقة… توَلْوَل الآكلون مع الإدلاء بتصريحانهم، والله الفلفل الحراق بفتح النفس… فكانت النفوس مفتوحة، والعرق يشرشر من الوجوه، والأنفاس الملتهبة تخرج من الأفواه، علّ ذلك يبرّد على الأجساد… وزغلل الجميع من إبريق الفخار، الملفوف بالخيش، علّه يرشح الماء على جداره الخارجي، ويمد الماء بالبرودة… حمد الجميع الله في نهاية الوجبة، وصاح الحج علي، هاتوا أكرمونا بالبطيخ، اشقحوا لنا بطيخة…
أيامها كانوا يشترون البطيخ بالكيس والخرج… حِمْل الدابّة كان كيساً وخُرْجاً، ويخزنون البطيخ تحت أسرة النوم، أو الخزائن، إنها أيام خير… ركض أحمد وانبطح تحت السرير ودحل بطيخة من تحته إلى الخارج، وتحركت (وطفة) إلى المطبخ لتأتي بالسدر والسكين، حمل صالح السكين، وخرج به ليجلخه على حجر الصوّان المركون في وسط السنسلة…
وتسلم الحج علي العدّة، احتضن السدر، وتحلق الأولاد والبنات وأم أحمد حوله، سمّى الله، وقطع بشكل أفقي رأس البطيخة… بان حمارها، والمكتوب يبين من عنوانه، والبطيخة من عتبتها، وعتبة البطيخة راسها… وحزّ الحزّ الأول عمودياً… وازاه حزّ آخر، فثالث… فرابع، فقفز لب البطيخة على السدر، وتسابقت الأيدي في التقاطه… قطعته الأيدي المتسابقة، وأثنت على حلاوة الأفواه المفترسة… وأضحت البطيخة حزوزاً مقطعة على السدر كأنها أهلّة القمر، ويتناول كل واحد حزه، يمسكه بيديه الاثنتيْن، كمن يمسك مقود البسكليت المنحني ويأكل، وفي أثناء الأكل يتخلص ما علق بفمه من بذور البطيخ السوداء…
وعمره زين ما كمل، في معمعان خضم البطيخ، وأصوات طالعة وأخرى نازلة، سمع الأكّيلة صوت قِطّيْن يتعاركان… ويرتفع صوتهما، كانا على بسطة الدرج كأنهما يطلان على معركة البطيخ… حاول بعضهم البسبسة للقطيْن علهما يتصالحان، أو يصمتان على الأقل إلى نهاية الأكل… لكن عمره زين ما كمل، فجأة ودون إنذار سقط أحدهما في سدر البطيخ بين الحزوز… وقفز من هناك وهرب… وتفرّقت الحزوز على الأرض، وفي الأحضان… صاح الحج علي” بيس… بيس ” الله يتقلدك يا لعين الحرسي… وقامت الأسرة… نظر الحج إلى أحمد، وقال: قيم… قيم تالي البطيخة للحمارة… يا الله مثل ما قالوا ” الله بوقع جمل عشان يعشي واوي ” الله يتقلدك يا بس الشيطان… الله لا يهدي بالك… وقد قالوا :إذا وقع الذباب على طعام… رفعت يدي ونفسي تشتهيه… فما بالك ببس لعين حرسي… يقع في سدر بين حزوز البطيخ…