أمة اليقين يقودها الوهم ..ليس بيننا باشوات بل غيتس هو الباشا!
منى مصطفى | كاتبة وروائية وتربوية مصرية
التغيير في الكون مِن حولنا سُنةٌ كونية يشهَدها كلُّ ذي عقلٍ، وهذا التغيير له ما له من وجوه الرحمة ووجوه العذاب، وكما نرى فقد تعدَّى التغيير حدودَ خيال بعض الناس، وشمِل كلَّ نواحي الحياة حتى الفطرة!
وما يُهمني هنا هو التغيير في مجال العمل والتعليم، وهما مرتبطان ببعضهما؛ إذ إن سوق العمل يرتبط حتمًا بمخرجات التعليم، كتبتُ سابقًا في كيفية دعم مناهج التعليم المتردية أو المسيَّسة، والقاصرة – بمناهج مكمِّلة لها، وذلك برعاية الأم أو الأب، ولو لزِم الأمرُ أحضَرنا مؤدبًا، وليس هذا ما أحتاج إلى تَكراره الآن، إنما أردت أن أُناقش مع القارئ الكريم ما يَكتنف واقعَ أبنائنا ومستقبلهم، فقد رأينا جميعًا مع عموم أزمة (كورونا) تَحوُّلَ غالب الوظائف المكتبية إلى إنجاز خِدماتها عبر الشبكة؛ مما أوجَد فائضًا في العدد، واندثارًا لمسمَّيات وظيفية كثيرة؛ كالاستقبال والإرشاد، ومراجعة الأختام والتوقيعات، وسواء رضِينا أم جزِعنا، سيستمر الحال في التطور، فنحن قادمون على مرحلة تُشبه مرحلة ظهور الآلة سابقًا، وتوغُّلها في كل المجالات؛ مما جعل كثيرًا من الأيدي العاملة تتعطَّل، ثم تُنقِّب عن مصدر رزقٍ آخرَ، فانتشرت المصانعُ الصغيرة والحِرَف.
والآن علينا التنبُّه لهذا التغيير الحتمي عندما نختار التخصص الدراسي، والأهم من الانتباه للتخصص الدراسي، هو الانتباه للعمر الذي يتفلَّت ونحن ما زلنا ننتظر (الدرجات التي حصلنا عليها، ونقيم المآتم على نُقصان درجة ودرجتين)!
فعلينا البحث عن التخصصات التي ستختفي مع هذه الطَّفرة التكنولوجية التي تجتاح العالم، وقد عجَّل بها وباءُ كورونا، ونستبدلُ بها ما يُوجبه العالم علينا من تطوُّر، وما أُحب الإشارة إليه وتأكيده هو ألا نُضيعَ أعمارنا في التعليم النظامي ونحن متفرغون له وحدَه!
نعم، التعليم النظامي يُجبرنا عليه القانون والتصنيفات الاجتماعية، ومدة الخدمة العسكرية، إلى آخر هذا السجن الذي تَفرِضُه علينا الحكومات، لكن لماذا أَهِبُه وحدَه كلَّ عمري؟ لماذا لا أقتطع وقتًا لأتعلم فيه كيف أتكسَّب وأعول نفسي، لماذا لا أُنمي قدراتي ومواهبي جَنبًا إلى جَنبٍ مع التعلم؟ لماذا لا أتعلم مبادئ العلوم الحديثة أثناء الدراسة؟ لماذا أبدأ بعد الانتهاء من الجامعة، أفكِّر كيف أتكسَّب؟
هذا من العار واللهِ أن يقودَ سيدُنا أسامة بن زيد رضي الله عنه جيشًا وهو في السابعة عشرة من عمره، وقد تدرَّب على موجبات تلك القيادة من إدارة وفنون قتالٍ، وحُسن تصرُّفٍ، وأنت توشك على الخامسة والعشرين ولا تُجيد إدارة نفسِك، أو قراءة كتاب، أو كسْب درهمٍ واحدٍ، بِحُجة التعليم النظامي، لذا أُوجِّه وليَّ الأمر لأن يبدأَ تدريبَ ابنه من سن العاشرة على مبادئ التعامل مع البرامج الإلكترونية النافعة، وبرامج التسوق، وحفظ المعلومات والإعلام والتصميم، فالحاسب بعلومه هو آلة هذا الزمان، كما أن قيادة السيارة أو الألة عمومًا كانت أمرًا لازمًا لكل إنسان مهما كانت مهنته، فقيادة الحاسب بعلمٍ هي من موجبات المرحلة القادمة.
فالعهد القادم لن يكون عهد الباشوات ولا الشهادات، الباشا الوحيد هو بيل غيتس ومَن سار سيرَه! الذي يوشك أن يكون القائد الفعلي للكوكب، وسوف تنحسِر الأعمال البدنية بين التخصصات النادرة وبين العتالة، حتى العتالة قضَت عليها الآلة!
من دواعي كتابتي لهذا المقال: موقف حدث معي، فقد أتى شاب خرِّيج يعمل معلِّمًا للمرحلة الابتدائية، ومع متابعة أعماله، وجدتُ براعة وتنسيقًا في المطبوعات لم أرَها من قبلُ، مع الوقت والتعرف على ظروفه، وجدتُه بدأ تعلُّم تصميم الإعلانات منذ المرحلة الابتدائية، ثم أغراه الأمرُ ليتعلم كيف يصمِّم موقعًا لشركة أو للتسوق، خاصة بعد ظهور الهواتف الذكية، فبدأ يتابع ويُجرِّب حتى أتقَن مهارة تصميم المواقع بنسبة لا تقل عن 70 بالمائة من الجودة، مقارنةً بالمتخصص في علوم الحاسب، وقد التحَق بدورة قصيرة تُجبر له ما لم يصل إليه باجتهاده، الآن هو مصمِّم مواقع مميز موهوب بحسِّه الفني، يتقاضى على الموقع الواحد أكثر من ألف دولار، ولا يستغرق منه سوى يومين على الأكثر، يُمارسها بوصفها هوايةً، ويُطوِّر نفسَه ويُسابق التطوُّر، ولم يَثنه ذلك عن التعلُّم النظامي، فقد حصَل على الماجستير في تخصُّصه منذ أيام، ولم يتجاوز عمرُه السابعة والعشرين!
لا تُهدر عمرَك في وهْم التعلم النظامي ولا تَتركه، بل سِرْ فيما تُجيده بجدٍّ واجتهادٍ، فتَغنَمَ الحسنيين إن شاء الله.
لفت نظري عبارة (وجِّه وليَّ الأمر لأن يبدأَ تدريبَ ابنه من سن العاشرة على مبادئ التعامل مع البرامج الإلكترونية) مع ان كل من اعرفهم – وهم عشرات – وقتهم تأكله متطلبات الحياة – وابسطها التنقل من و الى مكان العمل – بمعنى ان تدريب الاطفال من سنة العاشرة ، انما هو من مسئوليات المجتمع – اذ ان المجتمع هو المستفيد اولا من استغلال المهارات المواهب الكامنة – اما ان نطلب من الاباء والامهات مالا يتسطيعون القيام به – الى جانب الوقت والمال الضائع فى
الدروس الخصوصية – فأنا اختلف مع هذا الرأي